مؤتمر اسطنبول يتولى إدارة الحرب الأهلية في سوريا ودول خليجية تموّل الانشقاق
خرج المؤتمر الثاني لـ«أصدقاء سوريا» الذي انعقد امس في اسطنبول بقرارات ومواقف تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان مهمته اصبحت من الآن فصاعدا هي ادارة الحرب الاهلية في سوريا بدل العمل على وقفها، عبر الكشف عن أن دولا في مجلس التعاون الخليجي ستتولى تمويل وتشجيع الانشقاق عن الجيش السوري، فيما تتولى بقية الدول العربية والاجنبية المشاركة في عملية تعطيل مبادرة الموفد العربي والدولي كوفي انان التي كانت قد لقيت قبولا من دمشق ومن فريق من المعارضة السورية باعتبارها السبيل الوحيد لوقف حمام الدم والوصول الى حوار سياسي منشود بين الجانبين.
وصعّد المؤتمر ضغوطه على مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية الى سوريا كوفي انان، الذي سيطلع اليوم مجلس الامن الدولي على ما تحقق من خطته المؤلفة من ست نقاط. ودعا مؤتمر اسطنبول انان الى وضع جدول زمني للخطوات المقبلة بما في ذلك العودة إلى مجلس الأمن إذا لم يوقف النظام السوري «إراقة الدماء».
وفي بغداد، أعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي شاركت بلاده في المؤتمر بوفد برئاسة وكيل وزارة الخارجية لبيد عباوي، ان النظام السوري «لن يسقط». وقال «نرفض اي تسليح وعملية اسقاط النظام بالقوة، لانها ستخلف ازمة تراكمية في المنطقة». وأضاف، في إشارة إلى السعودية وقطر،»دولة أو دولتان طالبتا بتسليح المعارضة السورية لإشعال نار في المنطقة. نحن ضد تسليح المعارضة السورية وضد أي تدخل خارجي أو قوات دولية للتدخل في الشأن السوري، كما أننا نعتقد أن الحل الذي قدم من قبل أنان يمثل نصف المرحلة وقدمنا حلولاً أخرى رفضها العرب. علينا أن نعمل على مبادرة كاملة لا أنصاف حلول، نحن نريد أن يحتكم الجميع إلى صناديق الاقتراع ويأخذ كل ذي حق حقه».
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي قال، للتلفزيون السوري الجمعة الماضي، ان انان، الذي اجتمع مع الأسد في دمشق في 10 آذار الماضي، أقر بحق الحكومة في الرد على العنف المسلح اثناء مرحلة وقف اطلاق النار. وأضاف ان شروط سوريا للموافقة على خطة انان شملت الاعتراف بسيادتها والحق في الامن.
وأعلن المشاركون في مؤتمر «اصدقاء سوريا»، في بيان في ختام اجتماعهم في اسطنبول، ان «مجموعة الاصدقاء تجدد التأكيد على اهمية التطبيق الكامل من جانب النظام السوري لمقررات الامم المتحدة وجامعة الدول العربية وخطة انان» المؤلفة من ست نقاط، «الا ان مجموعة الاصدقاء تعبر عن اسفها لاستمرار اعمال النظام السوري نفسها رغم اعلانه الموافقة على خطة النقاط الست. فمنذ الاعلان عن الموافقة في 27 آذار، لم يتوقف العنف الذي يقوم به النظام، ومنذ ذلك التاريخ، فقد كثيرون حياتهم».
واعتبر البيان ان ذلك «يبرز كنموذج جديد على عدم صدق النظام»، مضيفا ان «الحكم سيكون على افعال النظام لا على وعوده».
وأكد ان «الفرصة المتاحة للنظام لتنفيذ التعهدات التي قام بها للموفد المشترك انان ليست مفتوحة من دون نهاية». ودعت المجموعة انان الى «تحديد جدول زمني للخطوات المقبلة، بما فيها عودة الى مجلس الامن الدولي اذا استمرت عمليات القتل».
واعترف المؤتمر «بالمجلس الوطني السوري المعارض ممثلا شرعيا لجميع السوريين والمظلة للمنظمات المعارضة الموجودة فيه». وأكدت المجموعة «دعمها لنشاطات المجلس من اجل سوريا ديموقراطية، واعتبرته محاورا رئيسيا للمعارضة مع المجتمع الدولي» في صياغة لم تصل إلى حد الاعتراف الكامل بالمجلس الوطني الذي يعوقه الشقاق المزمن في صفوفه.
ورفض المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية السورية حسن عبد العظيم الاعتراف بالمجلس الوطني كممثل وحيد لقوى المعارضة, معتبرا هذا الأمر بمثابة عمل إقصائي للقوى الأخرى. ونقلت هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) عن عبد العظيم قوله «لا يحق لأي طرف معارض أن يكون الممثل الوحيد للثورة السورية، وأن يقصي باقي مكونات الحراك السياسي في البلاد». وأضاف «مع احترامنا لما يمثله المجلس الوطني السوري، فإن هناك قوى معارضة أخرى تدعو الدول إلى الاتحاد في ما بينها».
وأعلن البيان النهائي ان مؤتمر «اصدقاء سوريا» المقبل سيعقد في فرنسا من دون تحديد موعد. وأكدت مجموعة «أصدقاء سوريا» التزامها بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها السياسية ووحدة أراضيها، وانتقدت «الانتهاكات المنظمة على نطاق واسع ضد حقوق الإنسان والحريات الأساسية» من قبل الحكومة. وحثت السوريين، وخصوصا من يعملون في الأجهزة الأمنية والعسكرية والحكومة، على «ألا يشاركوا في الفظائع التي يرتكبها النظام». ودعت إلى تحرك دولي لمنع وصول إمدادات الأسلحة إلى الحكومة السورية، وطالبت بإتاحة ايصال المساعدات الإنسانية، بما في ذلك توقف يومي للاعمال القتالية لمدة ساعتين للسماح بتوصيل المساعدات.
مساعدات مالية
ولم تشر مجموعة «أصدقاء سوريا» إلى دعم أو تسليح «الجيش السوري الحر» وهو ما تدعو إليه بعض دول الخليج لكنها قالت إنها «ستواصل العمل بشأن تدابير إضافية لحماية الشعب السوري».
وقال مصدر مشارك في المؤتمر، رفض الافصاح عن هويته، ان تمويل الرواتب «لعناصر الجيش الحر سيتم من ثلاث او اربع دول خليجية»، مضيفا «سيتم دفع ملايين الدولارات شهريا» من اجل تحقيق ذلك. وأشار الى ان المعارضة السياسية السورية تخطت تشرذمها من خلال البرنامج الذي اتفقت عليه الاسبوع الماضي لبناء «سوريا الجديدة».
وذكرت مصادر مشاركة في المؤتمر أن هذه الدول ستقدم ملايين الدولارات إلى «المجلس الوطني السوري لدفع رواتب جنود انشقوا عن الجيش السوري للانضمام إلى الجيش السوري الحر».
وأعلن وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو، في مؤتمر صحافي عقده بعد انتهاء المؤتمر، ان «83 دولة شاركت في المؤتمر، ما يدل على اهتمام متزايد» بالقضية السورية. ولم تحضر الصين وروسيا العضوان الدائمان بمجلس الامن المؤتمر.
وقال داود اوغلو «لن نسمح للنظام السوري بإساءة استخدام فرصة أخرى، وهي الفرصة الأخيرة للوضع في سوريا». وأضاف «في حالة البوسنة كذلك تباطأ المجتمع الدولي أكثر مما يلزم، ولذلك قتل الكثير من الناس»، مضيفا «في حالة سوريا ينبغي على المجتمع الدولي ألا يتأخر كما حدث في البوسنة. علينا أن نتحرك من دون إبطاء». وتابع «يجب أن يكون لنا موقف واحد للدفاع عن المدنيين، ويجب أن تكون لدينا خطة عمل ومبادرة واحدة لايصال المساعدات ووقف العنف في سوريا».
وقال رئيس «المجلس الوطني» برهان غليون، في مؤتمر صحافي بعد المؤتمر، ان اعتراف مجموعة «اصدقاء سوريا» بالمجلس «كممثل شرعي للشعب السوري ومحاور رئيسي للمجتمع الدولي يعني ان النظام اصبح غير شرعي، وأن السلطة القائمة في سوريا اصبحت لا شرعية، وأن من حق الشعب مقاومة هذه السلطة اللاشرعية المغتصبة».
وقال غليون، ردا على سؤال عن الجهة التي ستقوم بتمويل رواتب عناصر «الجيش السوي الحر»، وهو الامر الذي اعلنه في كلمته امام المؤتمر، ان «التمويل سيتم من ميزانية المجلس الوطني الذي يتلقى مساعدات ومساهمات من دول عديدة يستخدمها في انشطته العسكرية وغير العسكرية».
واعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، في مؤتمر صحافي بعد المؤتمر، إن الرئيس السوري بشار الأسد «يخطئ» إذا اعتقد انه قادر على هزيمة المعارضة السورية. وقالت «إن قراءتي للوضع هي أن المعارضة تزداد قوة وليس العكس»، مضيفة ان «الاسد يتصرف كما لو انه قادر على سحق المعارضة».
وكانت كلينتون قالت، امام المؤتمر، ان النظام السوري يضيف وعودا الى «لائحة الوعود التي يخل بها»، معتبرة ان «الاسد وعد بتنفيذ خطة انان الا انه شن هجمات جديدة على مدن سورية ومنع تسليم المساعدات». ودعت الى تشديد العقوبات وإلى دعم جهود المعارضة لقيام رؤية ديموقراطية وتعددية لسوريا المستقبلية، معلنة عن مساعدة انسانية الى سوريا بقيمة 12 مليون دولار، ما يرفع قيمة المساعدات الاميركية الى 25 مليون دولار.
وأعلنت كلينتون أن الولايات المتحدة تزود المعارضة المدنية السورية بمعدات اتصالات. وأكدت ان واشنطن سترسل مساعدات اخرى على غرار معدات الاتصال لمساعدة «الناشطين على تنظيم صفوفهم وتجنب هجمات النظام والاتصال بالعالم الخارجي». وقالت ان بلادها «ستدرب مواطنين سوريين يعملون على توثيق الفظائع، والتعرف الى المنفذين والحفاظ على الأدلة من اجل تحقيقات ومحاكمات مقبلة».
وحض رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، في كلمته في افتتاح المؤتمر، مجلس الأمن الدولي على تحمل مسؤولياته. وقال «إن فوت مجلس الامن مرة جديدة فرصة تاريخية، فلن يكون هناك من خيار امام الاسرة الدولية سوى دعم حق الشعب السوري في الدفاع المشروع عن نفسه»، منددا «بإعدام جماعي تقوم به قوات النظام بحق السوريين».
ودعا الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي «لاصدار قرار ملزم عن مجلس الامن تحت الفصل السابع يقضي بوقف جميع اعمال العنف فورا بشكل متزامن من الجميع». وقال، في افتتاح اعمال المؤتمر، ان «عنصر الوقت له الآن اولوية كبرى». ويسمح الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة للمنظمة الدولية باستخدام القوة من اجل وضع القرارات الدولية موضع التنفيذ. وأكد ان «مستقبل سوريا يقرره ابناء الشعب السوري، وأن الحل يجب ان يكون سوريا بامتياز بعيدا عن التدخل الخارجي».
وقال رئيس الحكومة القطرية وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني إن «العمل المضني الذي يقوم به انان بشأن الازمة السورية يجب ان يحدد له وقت واضح إذ من غير المقبول الاستمرار في عمليات القتل والقمع في الوقت الذي يتحدث فيه النظام مع المبعوث المشترك للسلام. إن أساليب النظام السوري في شراء الوقت يجب ألا تنطلي على أحد فطول أمد الأزمة السورية ليس في مصلحة سوريا ولا دول المنطقة ولا المجتمع الدولي».
وأكد حمد «دعم مقترح النقاط الست الأولية للمبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية مع التأكيد على مبادرة الجامعة العربية القائمة على قراري مجلس الجامعة وهي تستوعب بالكامل مقترح النقاط الست الأولية وما يتفرع عنها من مقترحات، وضرورة إرسال قوات عربية أممية مشتركة إلى سوريا لحفظ السلام، وإقامة مناطق آمنة على الأراضي السورية، وتوفير كافة أشكال الدعم بما فيها المساعدات الإنسانية العاجلة والضرورية للشعب السوري، والارتقاء بأساليب الضغط السياسي والاقتصادي على النظام السوري لحمله على الانصياع إلى إرادة الشعب السوري في التطلع إلى الإصلاح والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان».
وقال وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل إن «اجتماعاتنا المتتالية مع الأسف لم تخرج حتى الآن بنتائج عملية توفر للشعب السوري الحماية التي يحتاج إليها، فإذا كان استخدام الفيتو في مجلس الأمن قد أعطى النظام السوري رخصة لمواصلة حملة التقتيل والإبادة ضد شعبه، فإن مبادرة الجامعة العربية الموضحة لسبل الحل السلمي قد قوبلت بإصرار النظام السوري على انتهاج الحل الأمني القمعي غير عابئ بالكلفة الإنسانية والسياسية لهذا النهج».
وأضاف أن «الشعب السوري يتطلع أن يكون مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في اسطنبول نقطة تحول في التعاطي مع المشكلة السورية، على أساس الجمع بين السعي للتخفيف من المعاناة الإنسانية للشعب السوري وتوفير الحد الأدنى من وسائل الدفاع المشروع لمن هم هدف لآلة التقتيل وأدوات القمع التي يمارسها النظام السوري، عندها فقط سيصبح الحل الأمني أكثر كلفة للنظام وسيكون من الواقعي وقتها التحدث عن فرص القبول بصيغ الحوار وأسلوب الحل السياسي لهذه الأزمة، وستتوفر حينها فرص أفضل لانان لكي يقوم بمهمته العسيرة وفقا للمرجعيات التي تستند إليها هذه المهمة في إطاريها الأممي والإقليمي».
ميدانيات
وذكرت وكالة الانباء السورية (سانا) أول أمس ان السلطات السورية احبطت محاولة تسلل «مجموعة ارهابية مسلحة قادمة من لبنان الى سوريا اسفر الاشتباك معها عن مقتل وجرح عدد من افرادها فيما لاذ آخرون بالفرار». وقالت «أحبطت الجهات المختصة محاولة تسلل مجموعة إرهابية مسلحة من لبنان الى سوريا بالقرب من قرية بعيون الحدودية التابعة لتلكلخ» في ريف حمص.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد