450 مسجداً يتوسطها الأموي

تزهو دمشق الفيحاء بحوالي 450 مسجداً ومن أهمها وربما اشهر معالمها الجامع الأموي الكبير الذي يشكل قلبها النابض وتتجه اليه القلوب والابصار في كل العصور الاسلامية.

فجامع بني أمية الكبير كان ومازال مهوى الافئدة وملاذ النفوس وتظل عمارته الشامخة تبرز من قلب المنظور العام لدمشق بمآذنه وقبته المنتصبة التي تتوج سطوحه الفسيحة وأبراجه الحجرية الشاهقة لتظل شاهداً عملاقاً وحياً على فجر الحضارة العربية الاسلامية، ويعتبر الجامع الأموي الكبير آبدة فريدة جمعت بين مظاهر العظمة والمتطلبات اليومية لفرائض العبادة وقد أصبح مبدأ هندسياً للجوامع الكبرى التي شيدت بعده وأصبح مصدر الوحي والالهام للمعماريين لقرون عدة حيث لقب بإمام الابنية. 
وقد بنى المسجد الخليفة الوليد بن عبد الملك وأقدم مانعرف عن المعبد الذي قام الجامع مكانه لايتجاوز عام 605 قبل الميلاد حيث كان آنذاك معبداً آرامياً يحمل اسم حدد وفي العصر الهلنستي منذ عام 333 قبل الميلاد انشئ مكانه معبد جوبيتر واقترن ذلك بالتخطيط اليوناني لمدينة دمشق وفي عام 64 قبل الميلاد أعيد تنظيم المدينة وفقاً للاسلوب الروماني وأعيد بناء معبد جوبيتر وأحدث له سور خارجي لتوسيع نطاقه. ‏

وفي العصر البيزنطي وفي عام 365 للميلاد تم تحويل معبد جوبيتر الى كنيسة باسم يوحنا المعمدان المعروف عند المسلمين بالنبي يحيى وقد أمر الخليفة الوليد بتشييد الجامع سنة 86 هجرية 705 للميلاد واستغرق بناؤه عشر سنوات واستمر الجامع الأموي محافظاً على شكله الأصلي رغم ماتعرض له من حرائق وزلازل وأحداث على مر العصور. ‏

ووصف الرحالة ابن جبير الجامع الأموي عندما زاره أواخر القرن السادس الهجري وصفا دقيقاً ورائعاً فقال كان هذا الجامع المبارك ظاهرا وباطناً منزلا كله بالفصوص المذهبة مزخرفا بأبدع زخاريف البناء المعجز الصنعة وقد أدركه الحريق مرتين فتهدم وجدد وذهب أكثر رخامه فاستحال رونقه فأسلم مافيه قبلته والثلاث قباب المتصلة بها ومحرابه من أعجب المحاريب الاسلامية حسناً وغرابة صنعة. ‏

وكان أول حريق تعرض له هذا الجامع عام 461 للهجرة وبعد عدة حرائق جزئية حدث الحريق الأخير حوالي عام 1890 فأحال الحرم كله الى أنقاض أما الزلازل فقد سجل المؤرخون ستة منها كان الأخير عام 1173 للهجرة. ‏

هذا وكان اصلاح الجامع هاجساً عميقاً يحفز الهمم على ترميم هذه الآبدة العظيمة وقد أصدر القائد الخالد حافظ الأسد القرار الجمهوري رقم 36 تاريخ 6/10/1991 بتشكيل لجنة عليا لاصلاح وتطوير الجامع الأموي حتى يعود الى سابق عهده ايام بانيه الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وليبقى شامخاً على مدى الدهر كأحد المعالم الكبرى للحضارة العربية الاسلامية. ‏

وللجامع الأموي ثلاث مآذن وأربعة أبواب وقبة تعلوه وثلاث قباب في صحنه وحرم في داخله وقد كانت المآذن أو المنارات أربعة ولكن زلزالاً أتى على المنارتين الشماليتين فاستعيض عنهما بمنارة في وسط الجدار الشمالي وهي التي تسمى مئذنة العروس أو البيضاء أو الكلاسة نسبة الى حي الكلاسة الذي تقع عنده. ‏

والمأذنة الثانية الشرقية وتسمى مئذنة عيسى وتعرف أيضاً بمأذنة النوفرة نسبة الى حي النوفرة فيما تدعى المئذنة الغربية بمئذنة قايتباي نسبة الى الملك قايتباي المحمودي من العصر المملوكي الذي أمر باعادة بنائها سنة 1488 ميلادية اثر حريقها. ‏

والى الجهة الغربية من صحن الجامع الكبير تقع قبة الخزنة بيت المال اما في الجهة الشرقية من الصحن فتقع قبة الساعات أو قبة زين العابدين أما بين القبتين فتقع بركة الوضوء وهي الأثِر الذي بقي ليدل على القبة الثالثة قبة النوفرة التي كانت تعرف باسم قبة عائشة والتي لم تعد موجودة حالياً. ‏

أما حرم المسجد أو المصلى حيث تقام الصلاة فتعلوه قبة بارتفاع يقارب 36 متراً تسمى قبة النسر وذلك لأن العرب يسمون الحرم بالنسر حيث القبة رأسه والرواق القاطع جسمه والرواقان عن يمينه وشماله جناحاه . ‏

وللجامع الاموي اربعة أبواب وهي الباب الشمالي الذي يعرف حالياً بباب العمارة وكان يعرف بباب الفراديس ثم باب الناطفانيين والباب الشرقي ويسمى باب النوفرة وكان يسمى سابقا باب جيرون والباب الغربي ويسمى حالياً باب البريد والباب الجنوبي ويسمى بباب الزيارة أو باب القوافين ويفتح في الحرم مباشرة من جهة سوق البزورية. ‏

تبلغ مساحة المسجد كله 15229 متراً مربعا بأبعاد 157 ھ 97 متراً وتبلغ مساحة الحرم 5032 متراً مربعاً بأبعاد 136ھ37 مترا اما مساحة الصحن فهي 1350 مترا مربعا بأبعاد 5،22 ھ60 متراًَ أما الصحن فانه محاط من جوانبه الثلاثة بأروقة شامخة ارتفاعها 35،15 مترا ومن الجنوب تنفتح أبواب الحرم التي أصبحت مغلقة بأبواب خشبية تعلوها قمريات زجاجية ملونة مع كتابات. ‏

وحرم المسجد مؤلف من قناطر متشابهة عددها 24 قنطرة تمتد عرضانياً موازية للجدار القبلي يقطعها في الوسط جناح متوسط يمتد من باب الجبهة الرئيسي وحتى المحراب ويغطي هذا الجناح المتوسط سقف سنمي في وسطه تنهض قبة النسر المؤلفة من قبة نصف كروية من الخشب المصفح ومن قبة ثمانية تنفتح فيها 16 نافذة وترتفع القبة عن أرض الجامع 45 متراً وهي بقطر 16 متراً. ‏

وفي حرم الجامع أربعة محاريب مخصصة للمذاهب الأربعة الحنفي ... الشافعي... ‏

المالكي.. الحنبلي والمحراب الأصلي في منتصف الجدار القبلي وفي أعلى جدار القبلة تتفتح على امتداده نوافذ ذات زجاج ملون عددها 44 نافذة مع ست نوافذ في الوسط ويقوم الى جانب المحراب الكبير منبر حجري رائع. ‏

ومن الملاحظ ان جميع الزخارف الرخامية المنقوشة في المحراب والمنبر وفي المحاريب الأخرى هي آيات فنية صنعها المبدعون الدمشقيون الذين نقلوا فتونهم الى أنحاء البلاد العربية والاسلامية، ولقد زينت جدران حرم الجامع الأموي بالفسيفساء والرخام ومازلت أقسام كثيرة من الفسيفساء الأموي قائمة في الحرم من الشمال على الرغم من النكبات الكثيرة التي أصابت المسجد. ‏

ولقد وصف ابن عساكر بأن فسيفساء الجدار الجنوبي كانت على شكل كرمة ذهبية. ‏

ولقد اعيد بعض ماسقط من الفسيفساء وخالصة قبة الخزنة التي استعادت زخرفتها الفسيفسائية مؤخرا وهذه القبة هي غرفة مثمنة تعلوها قبة محمولة على ثمانية أعمدة وكانت تحفظ فيها أموال المسلمين ثم أصبحت لحفظ المخطوطات الثمينة ولقد أنشئت هذه القبة في العصر العباسي عام 780 ميلادية وثمة قبة أخرى هي قبة زين العابدين او الساعات ومازالت قائمة حتى اليوم ولقد أعيد عام 1995 بناء قبة الوضوء العثمانية التي بنيت عام 1769 ميلادية والتي كانت في منتصف صحن الجامع تحمي بركة ماء الوضوء. ‏

هذا وقد أقيم عام 1989 ميلادية في ركن الزاوية الشمالية الغربية من الجامع متحف اتبع للجامع الاموي ويضم نفائس الجامع القديمة وبعض الاحجار والسجاد واللوحات الخطية الجميلة مع مصابيح انارة وقطع فسيفسائية وخزفية وزجاجية ونقود اسلامية وساعات وصفحات من المصاحف المخطوطة القديمة. ‏

المصدر: تشرين