أدوار تركيا والسعودية وقطر في الأزمة السورية وحاجتها إلى الحل السياسي
أكثر فأكثر تتأكد معالم النزاع الدولي الاقليمي في الأزمة السورية. وهذا ما يجعل المخرج السياسي محكوما إلى موازين القوى العسكرية الداخلية. وإلى العامل الخارجي ممثلا باللاعبين الأساسيين من واشنطن إلى موسكو إلى طهران وأنقرة مع "مساهمات" من القاهرة والرياض.
والواضح أن ثمة مراجعة في الحسابات الاقليمية. فتركيا والمملكة العربية السعودية وقطر دول كانت تعتبر أن سقوط النظام السوري مسألة وقت وأخطأت في تقديراتها. ولذلك رفضت هذه الدول أي حوار مع النظام السوري وفرضت على المعارضة السورية أجندة خاصة بها. فدوافع الدول الثلاث هذه غير مفهومة تماما ولا تستوي في سياق واحد. فتركيا كانت على علاقة جيدة بسوريا وكانت تعتبرها نافذتها على العالم العربي كما أن وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو انطلق في مقارباته الاقليمية من "صفر مشاكل" مع سوريا. وبهذا المعنى كان يمكن لتركيا أن تسهم إلى حد بعيد بارساء قاعدة حوار بين النظام والمعارضة. ولكن على ما يبدو أن أنقرة تطلعت إلى إقامة نظام إسلامي سياسي في سوريا موصول بها باتجاه استعجال إحياء الامبراطورية العثمانية من دون الأخذ في الاعتبار أن "التاريخ" لا يتكرر على نفس الوتيرة والقاعدة ومن دون مراعاة التنوع الاتني والطائفي والقومي الذي صهرته فكرة المواطنية السورية في ظل حضور الدولة في بناء المواطنية. ومن هنا كانت مفاجأة الدولة التركية أن النظام السوري أقوى مما توقعته... كما أن تداعيات الأزمة السورية في تركيا جاهزة لتتفاعل بما يهدد وحدة تركيا ويربك النظام الاسلامي فيها ويستعيد حضور المعارضة والمؤسسة العسكرية وكذلك دور الأكراد والأرمن تحت عناوين مختلفة كما إلى استفاقة غير محسوبة للعلويين الذين لا يستهان بنسبتهم العددية..
هذا عن تركيا. أما المملكة العربية السعودية فموقفها يحتاج إلى تشخيص فيه شيء من التروي والعقلانية. فعادة المملكة تدرس أي فكرة بعناية فائقة وتبتعد عن التهور. وتحرص على إبقاء الجسور مفتوحة. وإذا كان من الطبيعي أن الرياض تريثت في انحيازها إلى "الربيع العربي" وأبدت اعتراضا على التغيير في مصر و"احتوت الوضع اليمني" إلا أنها بدت في الموضوع السوري كمن يحاول أن يوحي بأنه لا يجاري عملية الإصلاح ويدعم سياسة التغيير بقوة السلاح. قد يكون في هذه المقاربة السعودية دخلت عناصر مستجدة من نوع أن "الربيع العربي" ينجح في كل مكان وأنه من الأفضل الدخول عليه والعمل من داخله للتحكم بمساره. هذا أولا. وثانيا قد تكون المملكة العربية السعودية استاءت فعلا من استبعاد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري واستشعرت في ذلك انفرادا سوريا وايرانيا بالوضع اللبناني. وثالثا الميل السعودي لاحتضان الحركات الإسلامية وإبقائها في دائرة الحسابات السعودية خوفا من أن يكون البديل هو تنظيم القاعدة. ورابعا البحث في إمكانية أن تكون الصياغات السياسية لـ"الربيع العربي" الجديدة في "الجامعة العربية" تحت إشراف المملكة وخصوصا أن هذه الدول الجديدة تحتاج إلى المال والنفط... وهكذا يكون إنجاز "سقوط" النظام السوري من "إبداع" الجامعة. وخامسا إذا ما نجحت السياسات السعودية من خلال الجامعة العربية ازاء سوريا فإن ذلك يستتبع محاصرة سياسية واقتصادية ودولية لايران وطموحاتها. وسادسا في الموقف السعودي من النظام السوري تكون السعودية قد انخرطت في سياسة غربية عامة تشكّـل شبكة أمان واسعة لها على ما تعتقد.
أما دولة قطر فكانت تجمعها بسوريا علاقات وثيقة وخصوصا بين أميرها والرئيس السوري بشار الأسد. ومثل تركيا كسرت كل الجسور. ولا يمكن لهذه الدولة الصغيرة والغنية بموارد النفط والغاز أن تكون رأس رمح تنفيذا لاستراتيجية خاصة بها أو تلبية لطموح واسع بدور اقليمي. فقناة "الجزيرة" التي أعطت قطر مكانة إعلامية في وقت ما لا توفـّر لها حضورا عسكريا أو مكانة اقليمية فائقة. فأدوار الدول محكومة بأوزانها وبعديد بشرها وموقعها الجيوسياسي. ومثل هذه الأدوار ليست لدولة قطر التي تعتبر إلى حدود بعيدة "قاعدة أميركية" توفـّر للولايات المتحدة الأميركية أن تكون جزءا عسكريا من نسيج المنطقة خصوصا في لحظة تراجع المشروع الأميركي بسبب العراق وأفغانستان وفي ظل أزمة اقتصادية ومالية أميركية تعمل واشنطن على معالجتها. وهكذا يمكن قراءة المقاربات القطرية في الموضوع السوري أنها قد تكون تخدم تطلعا ما إلى منافسة السعودية في العلاقة مع الأخوان المسلمين... كما أنها تندرج في سياق انتزاع اعتراف أميركي بالحاجة إلى الخصوصية القطرية وقدرتها في المكانين المالي والاعلامي. قد تكون قطر أقرب إلى تركيا منها إلى المملكة العربية السعودية... ولذلك هي في دائرة الإستتباع لواشنطن وأنقرة ليس أكثر.
نستنتج من ذلك أن اللاعبين التركي والسعودي هما اللذان يمكن أن يشتركا في أي تسوية للموضوع السوري. وهي تسوية سياسية لا يبدو أن هناك أي مخرج من دونها. فالحل العسكري أقرب إلى الإستعصاء المطلق كما أن الولايات المتحدة الأميركية لا ترغب لا في مناطق آمنة ولا في حظر جوي ولا في تدخل عسكري.. كما أنها تتخوف من أن تستفيد "القاعدة" والسلفية الجهادية من تعدّد المعارضات وغياب البرنامج السياسي. وهذا الوضع يعطي لدخول مصر على خط المبادرات السياسية إلى جانب ايران بعدا جديدا للموضوع السوري... فالمبادرة الايرانية تأتي في سياق محاولة "تطبيع العلاقة" مع الرياض بعد زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد إلى المملكة وفي سياق قمة دول عدم الإنحياز التي انعقدت في طهران والتي كان فيها الموضوع السوري هو الموضوع الأساسي.
لا شك أن المخرج السياسي يأخذ في الإعتبار ضرورات الإصلاح للنظام السياسي في سوريا وأيضا اعتراض السلطة السياسية في سوريا على التدخلات الخارجية... وهكذا فإن التنازلات المتبادلة هي المدخل... وفي هذه اللوحة ثمة تقاطعات بين الموقفين الروسي والأميركي من حسابات مختلفة... ومع ذلك الحل ليس قريبا. فهو يرتبط بتعب المتحاربين وبخشية اللاعبين الاقليميين من تداعيات الأزمة السورية داخل بلدانهم وعلى مصالحهم.
*عبد الهادي محفوظ
رئيس المجلس الوطني للاعلام اللبناني
إضافة تعليق جديد