آه لو يقرأون
الرواية المنقولة عن وزير الحرب «الإسرائيلي» الأسبق موشيه دايان عام 1967، يبدو أنها صحيحة. فحين كانت «إسرائيل» تعدّ للحرب، عمد دايان في عملية الانتشار وتوزيع القوّات واختيار مواقع الهجوم إلى تطبيق خطّة سابقة كان قد اعتمدها عام 1956، ولمّا سئل: ألا تخشى أن يكون المصريّون قد استعدوا لما فعلت سابقاً وتحسّبوا له؟ قال والكلام منسوب إليه: «العرب لا يقرأون».
تذكّرت هذه الكلمات وأنا أقرأ في نسخة قديمة وجدتها بين أوراقي من برنامج إذاعي كنت أُعدّه في إذاعة الكويت عام 1981، استشهدت فيه بما نشرته آنذاك جريدة ألمانية أسبوعية واسعة الانتشار وقوية النفوذ اسمها «هاندلز بلات». الجريدة تعنى بالأمور الاقتصادية وكلّ ما يتعلق بها، ومنها طبعاً السياسات الاقتصادية، والبترول العربي يأتي في رأس اهتمامات اقتصاديات العالم.
ماذا قالت الجريدة الألمانية قبل 31 سنة ويزيد؟ بعد تحليل الوضع الاقتصادي في دول الخليج، خصوصاً السعودية والكويت، تخلص إلى القول أنّ هناك توافق تفرضه المصلحة، إذ تعمد الدول الغربية تدريجياً إلى تشجيع الدول منتجة النفط إلى زيادة أسعاره، وهي تعلم أنّ العائدات التي تجنيها تلك الدول ستعود إليها ثمن بضائع استهلاكية ومنتجات من الضروري أن تظلّ تنتجها لتشغيل اليد العاملة في مصانعها. أي أنّ خيرات النفط تقسم إلى منتجات استهلاكية، وفي دول النفط تطير في الهواء، وإلى ازدهار في صناعات الدول الغربية التي تشتري ذلك النفط، وإلى رخاء ورفاهية ينعم بها العامل في الدول الغربية.
تخلص الجريدة الألمانية إلى استنتاجات مبنيّة على دراسات وحقائق، وتقول: «إنّ النفط العربي يتحوّل إلى حبل يشنق به العرب أنفسهم».
هذه الجملة الأخيرة هي المفتاح، وهي التي جعلتني أتذكّر رواية موشيه دايان عن أنّ العرب لا يقرأون، لا يقرأون العبرية ولا الألمانية، لا يقرأون خرائط الحرب التي اعتمدتها «إسرائيل» ولا خططها، ولا ما يقوله الخبراء وتنشره الصحف ويتعلّق بهم وبحياتهم ومستقبلهم.
عام 1973، وإبّان أزمة النفط، حين اتّخذ العرب موقفاً بوقف ضخّ النفط إلى أوروبا وأميركا، قال هنري كسينجر كلمةً، هات من يسمعها أو يدرس أبعادها. أيضاً أنقلها حرفياً كما قيلت يومها: «لن نسمح بعد اليوم لدول النفط أن تتحكّم بمصير حضارة الغرب».
هل يقرأ العرب؟ طبعاً لا، ربّما لا لزوم للقراءة بمعناها السياسي والقومي، والمسموح به اليوم فقط القراءة على «فايسبوك» و«تويتر» وما إلى ذلك.. يا فرحتنا.
نعم، العرب يشنقون أنفسهم بحبال النفط، كما قالت صحيفة «هاندلز بلات» الألمانية قبل 31 سنة. قبل سنوات كان الشنق في اليمن، وقد عرفت أميركا الخيرات الدفينة هناك، وراحت تعدّ الأجواء لإرساء أساطيلها الحربية وقواعدها العسكرية استعداداً ليوم تنتظره. أمس في العراق، جرى تدمير أقوى اقتصاد عربي في المنطقة، واليوم في سورية، بين جيش يسمّونه «كتائب الأسد»، ومجموعات إرهابية مسلّحة يسمّونها «الجيش الحرّ»، والغاية البعيدة هي تدمير سورية، تدمير اقتصاد دولة واعدة بالنفط، ويسرقون تراثها من المتاحف. مكامن النفط والغاز الموعودة التي يتحدّثون عنها ليست محصورة بالشواطئ اللبنانية، بل هي أغنى وأكثر غزارة قبالة الشواطئ السورية، كما دلّت الدراسات المنشورة في الدوريات الأميركية والبريطانية والألمانية وغيرها ولكن، على من تقرأ مزاميرك يا داود؟!
هل يقرأ السياسيون اللبنانيون ويتوقّعون ما ينتظرهم، أَم هم كغيرهم من العرب لا يقرأون في انتظار الكارثة؟!
هل عرفتم الآن لماذا يرقص الغرب وأتباعه في المنطقة على نغمات أغنية تقول كلماتها: «العرب لا يقرأون»؟
سليم سعدو سالم
التعليقات
ناهض حتر
المشكلة اين استاذ صالح
إضافة تعليق جديد