التعليم في سورية رهن بوصول الأجساد إليه
لدى «أم سهيل» أربعة أطفال في مدارس مدينة داريا اضطروا أخيراً الى مغادرة منزلهم في المدينة والتوجه إلى بيت أقاربهم في دمشق، ما حرمهم من الذهاب إلى المدرسة. وفي حين تعزّي نفسها بالقول إن ابنها البكر سوف يترك المدرسة ويعمل في ورشة للحدادة، فإنها تفتش عن مدارس في دمشق لأولادها الثلاثة الآخرين، على رغم صعوبة الأمر حالياً. وليست حال هؤلاء الأطفال بغريبة عن بقية أطفال ريف دمشق ومحافظات سورية الذين حرمتهم الحرب من ارتياد المدارس، بل أن الأوفر حظاً هم من اقتصر أثر المشاكل الأمنية عليهم، على تغيير أمكنة الاقامة والدراسة.
وفي ريف دمشق، كمدن حرستا ودوما وبلدات يلدا والست زينب والحجيرة والحجر الأسود والتضامن وغيرها، حُرِم أطفال في هذه المناطق من الذهاب إلى المدارس التي تحول معظمها إلى مجرد ركام. وطاول هذا الخراب المدارس، مُضافاً إلى خطورة التوجه إلى تلك التي بقيت مبانيها متماسكة.
وزاد الضغط على مدراس دمشق بمستوياتها المختلفة، في ظل وجود توجيهات باستقبال الأطفال جميعهم في مدارس دمشق، ما جعل صفوف مدارس العاصمة تغصّ بالطلاب.
وأشار طالب في مدرسة ابتدائية قريبة من مركز دمشق، إلى وجود 51 طالباً في أحد الصفوف، بل 70 في صفٍ آخر، جاء بعضهم من حمص وحلب، ومناطق ريفية كيبرود وببيلا، ومناطق في دمشق كالقدم والعسالي وغيرها.
نصف دوام
بسبب ازدحام المدارس في قلب العاصمة، عادت وزارة التربية السورية إلى أسلوب الدوام النصفي (صباحي ومسائي) بعد أن تخلت عنه أخيراً. وفي هذا الإطار، أوضحت إحدى مُدرّسات اللغة العربية في إحدى الثانويات أنه «على رغم وجود إشكاليات سابقة في منظومة التدريس كموضوع المناهج المدرسية وأساليب التعليم، تتمثّل المشكلة الأهم حاليّاً بوجود عدد كبير من الطلاب في غرفة الصف، ما يُصعّب التدريس والشرح ومتابعة فهم الطلاب للدروس وغيرها من مكوّنات العملية التعليمية».
وتحدثت هذه المعلمة عن فقدان الهيئة التدريسية أكفأ المدرسين والمدرسات ممن توجّهوا للعمل في دول مجاورة بأثر الحوادث، فخسر الطلاب السوريون هذه الكفاءات.
ولا ينحصر هذا الأمر في مدارس دمشق، بل يتعداه إلى الجامعة فيها التي استقبلت طُلاّباً من جامعة «البعث» في حمص وجامعة حلب وجامعة الفرات (في دير الزور).
وبذا، غصّت مُدرّجات الجامعة بالطلاب المتقاطرين من أنحاء سورية. وأصبح حضور محاضرة في كلية الطب البشري في دمشق مثلاً، يفرض حجز مكان للجلوس قبل ساعة من بدئها، أو متابعتها وقوفاً.
يحدث في قلب دمشق
على رغم أن مدارس دمشق أصبحت تستقبل الأطفال من المحافظات جميعها، إلا أن روادها غالباً ما تمنعهم الظروف من الوصول إلى المدرسة. وفي هذا الإطار، أشارت إحدى السيدات إلى أنها تمتنع حالياً عن إرسال ابنها الى المدرسة، وهو في الصف الخامس الابتدائي، بعد وقوع انفجارين في وقتين متلاحقين قرب مدرسته الواقعة في منطقة المزّة بدمشق، إضافة إلى الاشتباكات التي تتكرّر هناك. وكذلك تمنع الحواجز المنتشرة في قلب مدينة دمشق الأطفال من الوصول إلى مدارسهم أو تؤخرهم عنها.
وفي هذا السياق، أوضح أحد الطلاب المقيمين في برزة، ويدرس في مدرسة نموذجية في دمشق، أن الحواجز المنتشرة بكثرة تخلق زحاماً شديداً وتجعل الطلاب والأساتذة على حد سواء يتأخرون عن الوصول إلى مدارسهم. وكذلك بيّنت إحدى المدرسات الساكنات في جديدة عرطوز، أن إغلاق الطرق المؤدية إلى مدينة دمشق يجعلها في بعض الأحيان تعود إلى منزلها، بدلاً من الذهاب لتدريس طلابها. ودفعت هذه الصعوبات في الوصول إلى مراكز التعليم، إحدى المعلمات للقول إن التعليم في سورية أصبح قصراً على من يستطيع الوصول بخير إلى المدارس!
الدراسة في دول مجاورة
على رغم الأضرار الكبيرة التي لحقت بأبنية المدارس والجهاز التعليمي، التحق كثير من أطفال سورية بالمدارس عند مفتتح العام الدراسي الجاري. وعلى غرارها سارت الجامعات والمعاهد وهيئات التدريس. وذكرت مصادر في وزارة التربية السورية ان الأضرار في قطاع التربية اصابت 2073 مدرسة، يحتاج بعضها إلى إعادة بناء كليّاً. وتحوّلت 796 مدرسة اخرى مراكز إيواء للمهجرين والنازحين من بيوتهم ومدنهم في الداخل السوري.
وقالت الوزارة أنها وثّقت «اغتيال» 88 شخصاً من العاملين في قطاع التربية، مُعلنة أن أضرار هذا القطاع تقدر بـ 5.444 بليون ليرة سورية (حوالى سبعين مليون دولار)، إضافة إلى إلحاق الأذى والضرر بجامعات ومؤسسات اخرى. والأرجح أن هذه الأضرار مرشّحة للزيادة في ظل استمرار القتال والقصف في مدن ومناطق عدّة.
وفضّل أهالي بعض الطلاب السوريين من الطبقات الوسطى والثريّة، التوجّه مع أبنائهم إلى بلدان مجاورة (لبنان والأردن وتركيا).
وأشار مهندس سوري إلى أنه اضطر لتسجيل ابنه الشاب الوحيد في مدرسة داخلية في بيروت، على رغم ارتفاع قسطها السنوي، خوفاً عليه من الحوادث في سورية. وروت إحدى السيدات أنها صدّقت وثائق مدرسية لطفليها، وذهبت إلى القاهرة حيث تقيم أختها وزوجها المصري، ثم سجّلت الطفلين في مدرسة مصرية.
وتبدو أحوال أطفال اللاجئين السوريين عند حدود الدول المجاورة، سيئة على غرار أحوالهم عموماً. وفي تركيا، تتحدّث مصادر تربوية عن وجود أعداد كبيرة من السوريين في المدارس التركية العامة، بعد أن وجّهت الحكومة التركية مديرية التربية باستيعاب الطلاب السوريين في المدارس، حتى في غياب وثائق تثبت مستواهم التعليمي. وما زالت الأعداد الدقيقة لهؤلاء في حاجة لاحصاءات تشمل المدن التركية كافة. وأوضحت هذه المصادر أن الطلاب السوريين يبقون «ضيوفاً»، وفي حال حصولهم على أوراق الإقامة، يعاملون كالطلاب الأتراك لجهة التسجيل الرسمي والحصول على رقم إلكتروني في المدارس.
وفي الوقت نفسه، برزت صعوبات في وجه هؤلاء الأطفال السوريين في المدارس، بأثر من عدم معرفتهم اللغة التركية وصعوبة اتقانها، واختلاف المناهج التركيّة بشدّة عن نظيراتها في سورية. وفي مدينة إسطنبول، يشير اسم مدرسة أهلية سورية قام بإنشائها شبان سوريون إلى توجه سياسي أكثر منه تربوي. إذ حملت المدرسة اسم «قادمون». ومن المفترض أن تستوعب هذه المدرسة المُنشأة حديثاً أطفال السوريين المقيمين حالياً في تركيا، وهؤلاء يجدون صعوبة في الاندماج في المدارس التركية.
في المقابل، لم تتوان وزارة التربية السورية عن التعبير عن ترحيبها بمبادرة «التعليم أولاً» التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة، ونالت «اليونيسكو» امتياز قيادتها. وأكّدت الوزارة أن سورية أوفت بمساهمتها المالية السنوية للعام 2012 على رغم الظروف السائدة فيها، بل في وقت لم يعد فيه التعليم أبداً من أولويات الحكومة ولا المواطن السوري.
فحاضراً، يأتي الأمان والبقاء على قيد الحياة في مقدّمة أولويات المواطن، وليس قدرة أطفاله على الذهاب إلى المدرسة، حتى لو افترش مع عائلته حديقة عامة من حدائق مدينة دمشق.
رنا إبراهيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد