«النصرة» تحت لواء «القاعدة»
برغم كل ما حصل ويحصل في سوريا، لا تزال «جبهة النصرة» الملف الأكثر إثارة للجدل. فالتنظيم السلفي الذي تقدم واجهة الأحداث منذ سنة تقريباً تنصّل بهدوء من قرار إعلان «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام» من قبل أمير «دولة العراق الإسلامية» أبي بكر البغدادي، ورد عليها بالمبايعة المباشرة لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري الذي طالب بإعلان دولة الخلافة في سوريا.
كل هذا الكلام الإعلامي تباينت ردات فعله على أرض الواقع السوري، بين من وجده ضربة قاصمة للمعارضة السياسية التي احتفت بـ«النصرة» على أساس أخوة السلاح وبين من حذر منه على اعتبار أنها الأقوى بين تشكيلات المعارضة المسلحة، وبالتالي خطر تحول الكلام إلى فعل.. وبين من اعتبره بداية لمرحلة التقسيم والصراع مع تشكيلات أكثر اعتدالاً في الجيش «الحر».
أما في الموقف الرسمي، فقد طالبت دمشق مجلس الأمن الدولي بإدراج «جبهة النصرة» على لائحته السوداء للتنظيمات والأفراد والكيانات المرتبطة بتنظيم «القاعدة». وقالت وزارة الخارجية السورية، في رسالتين بعثت بهما إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، ان «سوريا تقدمت بطلب ادراج تنظيم جبهة النصرة لأهل الشام على القائمة الموحدة للتنظيمات والكيانات المرتبطة بالقاعدة عملا بقرار مجلس الأمن 1267». وينص هذان القراران على عقوبات مشددة على الأفراد أو المؤسسات أو المنظمات التي تقيم علاقات مع «القاعدة»، وبينها تجميد أرصدة ومنع سفر وحظر على الأسلحة. وتضم هذه اللائحة حاليا 64 كيانا و227 فرداً.
وفي السياق، توقفت الوزارة مجددا عند «تقارير إعلامية ودولية» تتحدث عن شحنات أسلحة إلى «المجموعات الإرهابية المسلحة» من خلال تركيا أو شمال لبنان، وتورط قطر وليبيا وتركيا والسعودية في «تمويل وتسهيل عبور شحنات الأسلحة».
«النصرة» وحلم دولة الخلافة
لعلّ المشكلة الأساسية في التنظيم السلفي أنه الأكثر غموضاً، فقد تقدم واجهة «الثورة» السورية مع تبنيه تفجيرا في حيّ الميدان مطلع العام الماضي، تلاه تفجير آخر في منطقة القزاز في دمشق أمام فرع الأمن العسكري، لكنه أصرّ على التخفي الدائم. وهنا يعتبر مروان (24 سنة)، وهو ناشط في حلب، أن عناصر «النصرة» باستثناء حديثهم عن دولة الخلافة لا يظهر الكثير عنهم ويصرون على الغموض المستمر، لكن فعاليتهم وتنظيمهم الشديدين دفعا الكثيرين للدفاع عنهم ورفض إدراجهم على لائحة المنظمات الإرهابية». والمشكلة هنا ليست في ناشطي الثورة بقدر ما هي في المعارضة السياسية وخاصة «الائتلاف» و«المجلس الوطني» الذي اعتبر رئيسه جورج صبرا أن «النصرة» هم أخوة السلاح. وقد حذا رئيس الائتلاف معاذ الخطيب حذوه قبل أن يتراجع بالأمس ويكتب على صفحته على موقع «فايسبوك» أن «فكر «القاعدة» لا يناسبنا»، في محاولة للتنصل من الفكر المتشدد خاصة أن هذا الإعلان تزامن مع زيارة وفد «الائتلاف» لندن وطلب تسليح المعارضة، ما وضعها في موقف حرج للغاية.
بدوره، اعتبر سليم قباني (25 سنة)، وهو ناشط في حمص، أن العملية هي لعبة غربية لعرقلة أي دعم عسكري. وقال «لم أكن أستبعد أن تقوم جبهة النصرة بمبايعة الظواهري والقاعدة وإن كان قد أتى متأخرا قليلاً، فالنصرة هي جزء من القاعدة وتهدف إلى إقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية في أرض الشام كما تدعي»، معلقا «هذا سوف يشكل تحدياً كبيراً للسوريين بكافة أطيافهم وطوائفهم».
ولفت قباني إلى أن «هذا الفكر شبه التكفيري هو شيء جديد على الشعب السوري بشكل عام، فالمجتمع في سوريا هو مجتمع محافظ بكافة طوائفه». وتابع «عندما دخلت النصرة الرقة مثلاً منعت الكثير من الأشياء كالتدخين ورفع راية العقاب وأعتقد أن هذه الخطوة من إعلان التبعية للقاعدة من قبل جبهة النصرة ما هي إلا لتغيير الرأي العام بعدم دعم الثورة السورية عسكرياً مع العلم بأن جبهة النصرة ليست سورية مئة في المئة، فأمير جبهة النصرة يمكن أن يكون غير عربي، إذ لا نستطيع أن نؤكد أن أبا محمد الجولاني هوا أمير جبهة النصرة فمن المعروف أن تنظيم القاعدة لا يظهر القيادات العسكرية على الإعلام ولا يعرفهم أحد إلا قلة قليلة من التنظيم».
ورأى الشاب الحمصي أن دخول «النصرة» سوريا سببه الأول هو النظام والثاني هو كتائب «الجيش الحر»، فلكثرة الخلافات بين الكتائب دخلت الجبهة سوريا وقد حصلت على حاضنة شعبية كبيرة من الداخل لأنها حمت بعض المناطق، وقد قامت بنسف عدد من الحواجز التابعة للنظام إضافة لعملياتها العسكرية. وهنا تساءل «كيف تستطيع الجبهة الوصول إلى حواجز عسكرية محصنة وأماكن يعتبر الوصول لها في غاية الصعوبة إن لم تكن مدعومة من استخبارات غربية؟».
«قاعدة» الشام والعراق: عتب متبادل
يحلل الناشط المهتم بشؤون المجموعات السلفية خطاب البغدادي لأمير «النصرة» أبي محمد الجولاني على اعتبار انه رسالة تؤكد أن الأخير يعمل لمصلحة أمير «دولة العراق الإسلامية» وتبدي استياء من القرار المتفرد للجولاني وصعود اسمه على عكس البغدادي الذي يعيد محاولة إحياء «دولة العراق والشام الإسلامية». وهي فكرة سبق ان تحدث بها أبو مصعب الزرقاوي منذ أن كان في أفغانستان، مؤسساً لأجلها جماعات جهادية في بلاد الشام لكنها بقيت نائمة حتى السنة الفائتة. لكن تراجع نشاط دولة العراق في السنوات الأخيرة، إثر فقدانها الدعم الشعبي وظهور الصحوات، دفعه لإعلان الدولة في العراق والشام. وبهذه الخطوة بدا خائفا من أن يعمد الظواهري لتفضيل «النصرة»، وتعيين الجولاني أميرا بدلاً عنه، لا سيما ان الحديث عن الحاضنة الشعبية لـ«النصرة» يفوق بكثير تلك التي في العراق، خاصة أن جهادييها قد استفادوا من تجارب بلاد الرافدين. لكن الجولاني رد بطريقة ديبلوماسية تظهر عتبه على كلام البغدادي الذي لم يستشره، ثم يزيد على ذلك بمبايعة الظواهري وبالتالي فتح قنوات الاتصال مباشرة مع زعيم «القاعدة» الذي طالب بإعلان دولة الخلافة.
خطر التقسيم
المعارضة السياسية والميدانية انقسمت بين من فضل الصمت وعدم إبداء أي رد فعل على خطوة «النصرة» بمبايعة الظواهري، وبين من رفض الأمر برمته كما فعلت لجان التنسيق المحلية التي رفضت تصريحات الظواهري واعتبرتها تدخلاً بالشأن السوري مؤكدة أن حلم السوريين هو إرساء نظام قائم على الحريات العامة والمساواة الحقوقية والسياسية بين السوريين.
وقالت اللجان في بيان ان «لجان التنسيق ترفض ما ورد على لسان الظواهري ودعوته إلى إقامة دولة إسلامية في سوريا. وإذ تستنكر اللجان هذا التدخل السافر في الشؤون الداخلية السورية، فانها تؤكد مجددا ان السوريين وحدهم هم من يقررون مستقبل بلدهم».
بدوره، قال الناطق باسم «الجيش الحرّ» لؤي المقداد ان «سوريا المستقبل التي ننشدها هي سوريا جمهورية ودولة مدنية»، رافضاً أيديولوجية «النصرة» مؤكداً أن قيادة «الجيش الحر» لم تتعاون معها بينما بعض الكتائب تقوم بذلك في المعارك الميدانية بحكم امتلاكها السلاح والتمويل.
لكن كلام المقداد عن «الدولة المدنية» قد لا يسري على جميع فصائل «الجيش الحر»، خاصة أن المعارضة المسلحة تضم جبهات عديدة تعلن النهج السلفي وتطمح إلى دولة الخلافة الإسلامية من دون أن يعني ذلك أنها تحت راية «النصرة» كـ«الجبهة الإسلامية السورية» و«لواء الإسلام» وعشرات الألوية والفرق والكتائب التي ترفع رايات الدولة الدينية كما تسميها وتنشئ مجالس وهيئات شرعية باسم الدولة العتيدة وتصدر الأحكام باسمها، ما يضع البلاد أمام خطر التقسيم وتشكيل دويلات تحارب بعضها البعض أكثر من أي وقت مضى.
طارق العبد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد