مقاربة بندر والغرب بشأن سوريا: صواريخ جنوباً وتسليح عشائر شمالاً
الأغلب أن الغربيين أنفسهم يطرحون فرضيات كثيرة حول سيارة بئر العبد المفخخة. إلا أنها تدور في حلقة واحدة وتتجه نحو سلسلة مترابطة، من الجماعات السلفية، يجمع بينها الحرب على «حزب الله».
ديبلوماسي غربي، وأحد العاملين على ملف المعارضة السورية وتشكيلات الجماعات «الجهادية فيها»، رفع الحدود القائمة بينها وبين الجماعات السلفية المسلحة العاملة على الساحة اللبنانية، وبينها «جبهة النصرة».
ويجيء الحديث عن «جبهة النصرة» في معرض إعادة ترتيب الأوضاع داخل المعارضة السورية، بعد انتخاب رجل السعودية احمد الجربا رئيساً لـ«الائتلاف السوري» في اسطنبول الأسبوع الماضي، وبدء الرهان مجدداً على الائتلافيين و«الجيش الحر»، وهو رهان غربي لم يكف، لكسر صعود الجماعات «الجهادية»، ومنع سيطرتها على الشمال السوري، ذلك أن أحداً من كل القوى المسلحة، التي تجابه النظام السوري، لا ينفرد بسيطرة مطلقة على المناطق التي خرج منها الجيش السوري.
ويقول ديبلوماسي فرنسي، يعمل مع المعارضة في اسطنبول، ما بات نافلاً لا نقاش فيه لأي متابع للوضع السوري. ويرى أن أحداً من «الجيش الحر» أو «جبهة النصرة» أو تنظيم «القاعدة»، لا يمسك بتلك المناطق، «فالجيش الحر» لا يزال بعيداً عن بسط سيطرته عليها، بسبب تعدد الكتائب المقاتلة، ونقص التنسيق بينها، و«الجهاديون»، لا سيما في «النصرة»، لا يحكمون الشمال بسبب الخلافات بين تيارهم «الجهادي الأممي» الذي تمثله «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وجماعة «النصرة في بلاد الشام» ذات الاتجاه «الجهادي» المحلي.
ويبدو «الائتلاف» منعطف رهان غربي كبيراً لاحتواء زخم الاتجاه «الجهادي»، فمع التخلص من الاستقطاب السعودي - القطري داخل صفوفه، وانتخاب الجربا رئيساً، يسود تفاؤل أن تقود يد رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان المعارضة السورية نحو الخروج من مآزقها وانقساماتها.
والأرجح أن خطة بندر، التي بدأت تشق طريقها مع ترئيس الجربا، لم تهدف من الاستعانة بميشيل كيلو سوى لحشد كتلة العلمانيين من حوله في مواجهة القطريين و«جماعة الإخوان المسلمين» لا أكثر، فعلى سطح «الائتلاف» طفت شريحة من العناصر السورية التي تحسن السعودية العمل معها، ويمكن إيكال القيادة إليها من دون عناء.
ويبدو أن السعوديين حققوا ما يهدفون إليه من تقليص تأثير القطريين على المعارضة، وانتزاع قيادة «الائتلاف» وتحويلها إلى قيادة اقرب إليهم سياسياً وعشائرياً. إذ تبدو قيادة «الائتلاف» بعد أيام اسطنبول الثلاثة، الأسبوع الماضي، مجرد تحالف قبائل وعشائر وعائلات الشمال الشرقي السوري بالدرجة الأولى. فالشمري، قبيلة الجربا، تنتمي إلى منطقة الحسكة، ونائبه سالم المسلط، شيخ ينتمي إلى قبيلة الجبور في منطقة الجزيرة، ونائبه الآخر محمد فاروق طيفور، وجه عائلي حموي بارز وقيادي إخواني. أما سهير الاتاسي، فرغم فشلها الذريع في منصبها السابق، والانتقادات القاسية التي وجهت إليها، فقد جيء بها نائباً ثالثاً لرئيس «الائتلاف» لتدعيم صورة التحالف العائلي العشائري، وتضامناً مع ما تقاسيه حمص من حصار وتدمير ومعارك.
ولا يبدو تجمع القيادة مجرد إطار لاجتراح وطنية سورية عشائرية، في مواجهة النظام البعثي، تخدم السعودية ورئيس استخباراتها وحدهما، أو المسعى الغربي بإعادة توازن القوى مع النظام. فالسعودية تتمتع بنفوذ تقليدي بين هذه العشائر، خصوصاً الشمر.
ويقول مسؤول سوري معارض إن شيوخ العشائر في المناطق الشمالية، يقدمون بعض أفراد عشائرهم لتشكيل نواة القوة التي يقوم الأميركيون ببنائها، والتي يثقون بها أكثر من أي قوة أخرى يتعاملون معها. وأضاف إن الأشهر الأخيرة شهدت انقلاباً غير مفهوم في الموقف الأردني من عمليات تجنيد العشائر السورية، وإن الاستخبارات الأردنية تعرقل عمليات التجنيد لمصلحة الاستخبارات الأميركية، وتؤجل بعضها. كما أن عدداً من زعماء العشائر الذين توجهوا إلى الأردن لتسليم لوائح بأسماء مقاتلين جدد لم يلقوا أذناً صاغية، ولم يتلقوا المبالغ المتفق عليها، بسبب تردد الأردنيين وتراجعهم عن الاتفاقات المعقودة معهم.
وبديهي أن متطلبات المضي بالرهانات الغربية والسعودية قدما من إعادة التوازن مع النظام أو إعادة تمكين «الائتلاف» و«الجيش الحر» في ميادين القتال ومدن الشمال تفضي إلى اعتبار مؤتمر «جنيف 2» في غياهب المجهول. ويقول الديبلوماسيون الغربيون إن أحداً لا يرى كيف يمكن أن ينعقد مؤتمر جنيف في المدى المنظور، وقبل إجراء تعديلات جوهرية في ميزان القوى بين النظام والمعارضة. ولا يوجد مع ذلك إجماع في أوساط الديبلوماسيين الغربيين على واقعية الرهان على استعادة توازن ما بين المعارضة المسلحة والجيش السوري.
ويقول مسؤول ديبلوماسي أوروبي رفيع المستوى إن الغربيين يرتكبون خطأ كبيرا في الرهان على المجموعات السورية المسلحة، وان الروس سيُدخلون الجميع في سباق تسلح لمنع عمليات التسلح الجديدة من تحقيق أي مزايا تكتيكية لمقاتلي «الجيش الحر». ويرى الديبلوماسي الفرنسي المشرف على الملف السوري أن التقدم الذي أحرزه الجيش السوري على الأرض مبالغ فيه.
وفي معرض تبرير الرهان على احتمالات تغيير موازين القوى يجري القول إن القوة التي حسمت الأمر لمصلحة النظام ليست الجيش وإنما «حزب الله» وقواته، وان استعادة الفرصة لن تتحقق إلا بعزل النظام عن حليفه اللبناني والإيراني، والاستفراد مرة ثانية بوحدات الجيش السوري المبعثرة وإنهاكها بحرب مدن لا قبل له بها. ومن البديهي أن خلاصة كهذه توضح ضرورة تشديد الحملة على «حزب الله»، الذي فوّت على الغربيين، كما قال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الفرنسية، فرصة إسقاط النظام منذ الشتاء الماضي.
وتتزامن الحملة ضد «حزب الله» مع تباشير التغيير في صفوف المعارضة المسلحة وتحسين أدائها، مع توحيد «حنفية» التسليح واتجاه السعوديين إلى تجهيز الوحدات التي تأتمر بشكل خاص بأوامر اللواء سليم إدريس حصراً من دون الجماعات السلفية الأخرى. ويبدو أن وحدات من الكتائب المقاتلة بدأت تتجه إلى الالتحاق بالمجلس العسكري الموحد الذي يقوده إدريس، بحسب الديبلوماسي الفرنسي .
وليس من الواضح لأحد كم من الوقت سيحتاج تحالف الغربيين مع بندر، وهيئة التسليح السعودية وأجهزة الاستخبارات الغربية، لتحقيق الهدف المطلوب، لكن غياب التقديرات الزمنية الضرورية المطلوبة لذلك، جزء من حالة انعدام الرؤية التي تحيط بمن يقود «الائتلاف»، واقتصار الخيارات حتى الآن على الحسم العسكري أو اقله قلب موازين القوى بصواريخ بندر بن سلطان.
وهناك بوادر مشجعة للبعض للذهاب ابعد في الرهان على المجهول، إذ تسود تساؤلات عن أسباب غياب الطيران السوري عن سماء المنطقة الجنوبية، منذ أكثر من أسبوعين، وعدم اللجوء إليه في العمليات العسكرية ضد مواقع المعارضة في تلك المنطقة التي تلقت تعزيزات سعودية بالصواريخ. كما ورفض ديبلوماسي فرنسي أن يؤكد أو ينفي وجود صواريخ فرنسية في أيدي المقاتلين السوريين، من ضمن صواريخ ارض - جو تلقاها هؤلاء من السعودية. ونشرت بعض المواقع صوراً لصواريخ ميلان الفرنسية الألمانية الصنع بأيدي مقاتلين سوريين، من دون أن يمكن التأكد من وجودها إلى جانب صواريخ «اوسا» الروسية التي وصلت دفعة كبيرة منها من ليبيا. كما أن أحداً لا يجادل الديبلوماسي الفرنسي في إطرائه لصواريخ «كونكرس»، التي جعلت مقاتلي المعارضة، يقدمون على مهاجمة مدرعات الجيش السوري، بأمان اكبر، وبثقة عالية بالنفس، وتدمير عدد منها، في بداية معركة الغربيين والخليجيين و«الائتلاف» الجديدة من أجل تعديل ميزان القوى مع النظام السوري.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد