أزمة اوكرانيا تضع الازمة السورية في مرحلة متدنية للاهتمام العالمي والاسد يكسب مرحليا
بعد يومين تدخل الازمة السورية عامها الرابع وكل المؤشرات على الصعيدين الداخلي والخارجي ترجح كفة النظام السوري والمعسكر الداعم له، وهو استنتاج قد يثير الغضب وربما الاكتئاب في صفوف المعارضة والمؤيدين لمشروعها في التغيير.
نتحفظ هذه المرة عن استخدام توصيف “التغيير الديمقراطي” الذي كنا نتبناه، ونؤيده في بداية الثورة، لان الصراع بات صراعا على السلطة اولا، ولان غالبية الفصائل والجبهات المقاتلة على الارض، تطالب بقيام نظام اسلامي، وليس نظاما ديمقراطيا كبديل للنظام الحالي الديكتاتوري، يطبق الشريعة الاسلامية تطبيقا متشددا ثانيا، والفصائل الاسلامية هي الاقوى على الارض السورية، والاكثر شراسة في التصدي لقوات النظام.
هناك عدة مؤشرات تؤكد ان وضع النظام السوري افضل بكثير من وضعه قبل عام او عامين، وان ايامه لم تعد معدودة حتما، بينما يتضعضع معسكر اعدائه، والقوى العظمى والاقليمية التي كانت تحشد كل قواها من اجل اسقاطه:
***
*اولا باتت ايران الحليفة الاقوى للنظام السوري محجا لوزراء الخارجية الاوروبيين والعرب من معارضي النظام، فبعد الزيارة التي قام بها ديدير رايندرز وزير خارجية بلجيكا الى طهران يوم الثاني والعشرين من كانون الثاني (يناير) الماضي، ها هي السيدة كاثرين اشتون وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي تحط الرحال في العاصمة الايرانية يوم (الاحد) لنقل تحيات وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي الآخرين ورغبتهم في تحسين العلاقات مع ايران.
*ثانيا: الرسالة القوية التي ابلغها الايرانيون لزوارهم الاوروبيين ان الحل في سورية يكمن في تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة تضم ممثلين عن النظام والمعارضة ولكن تحت زعامة الرئيس بشار الاسد.
*ثالثا: يناقش البرلمان السوري هذه الايام مشروع الانتخابات العامة، وهي شروط تقصي غالبية اعضاء المعارضة السورية من الحق في الترشح، لانها تشترط ان يكون المرشح قد اقام في سورية عشرة اعوام، وان لا يحمل اي جنسية اخرى، وان لا يكون محروما من حق الانتخاب، وبما ان السلطة تتهم جميع معارضة الخارج، ومعظهم الداخل، بانهم ارهابيون وعملاء للغرب فانهم مستثنون.
*رابعا: الخلاف المتفاقم حاليا بين قطر وثلاث دول خليجية اخرى بزعامة المملكة العربية السعودية، احدث شرخا كبيرا في اكبر جبهة عربية معارضة للنظام السوري، وممولة للجماعات الاسلامية والجيش الحر المقاتلة لاسقاطه، وآثار هذا التصدع ستظهر في المستقبل القريب ان لم تكن قد بدأت في الظهور بالفعل.
*خامسا: وزير خارجية قطر السيد خالد العطية زار طهران قبل ايام، واشرف على عملية الافراج عن راهبات معلولا، والمفاوضات التي دارت في هذا الخصوص، وتردد ان قطر دفعت مبالغ كبيرة من الاموال لتسهيل عملية الافراج هذه في محاولة لكسر عزلتها الاقليمية والخليجية وفتح قنوات غير مباشرة مع النظام السوري تمهيدا للتراجع عن موقفها، والسيد العطية من ام سورية ويعتبر الاقل تشددا وغلوا في نظرته للنظام السوري من سلفه الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني الذي اطاح به وامبراطوريته السياسية والمالية الشيخ تميم بن حمد امير قطر الجديد في حزيران (يونيو) الماضي.
*سادسا: انشغال العالم الغربي، والمجتمع الدولي بالتالي بأزمة اوكرانيا، والحرب الباردة التي تزداد سخونة بين الولايات المتحدة وروسيا، بحيث انخفض ترتيب الازمة السورية الى المرتبة الثانية وربما الثالثة.
*سابعا: تفاقم الخلافات والانقسامات داخل صفوف المعارضة السورية، والائتلاف الوطني السوري المظلة الاعم وتحول بعض الاجتماعات الى حلبة ملاكمة بين الرئيس احمد الجربا ومعارضيه.
*ثامنا: تجريم المملكة العربية السعودية لحركة الاخوان المسلمين وكل فروعها ووضعها على قائمة الارهاب، وهذا ينطبق حتما على حركة الاخوان في سورية التي تشكل العمود الفقري للمعارضة السورية.
*تاسعا: ضعف موقف رجب طيب اردوغان احد ابرز داعمي المعارضة السورية، واشد اعداء النظام السوري، وتصاعد الضغوط التي تمارسها عليه المعارضة الداخلية بقيادة حزب الشعب الجمهوري والخارجية من قبل فتح الله غولن الملياردير ورجل الدين التركي المقيم في الولايات المتحدة، مضافا الى ذلك ضغوط قضايا فساد تورط فيها وزراء في حكومة العدالة والتنمية.
*عاشرا: تزايد قوة المعسكر الذي يطالب بتقدم توجه مكافحة الارهاب كأولوية قصوى في سورية على اولوية اسقاط النظام التي تؤيدها فرنسا والسعودية وقطر.
احد عشر: حدوث تغيير في المزاج الشعبي العربي تجاه ثورات الربيع العربي، وتقدم نظرية المؤامرة والمؤمنين بها التي تقول بان هذه الثورات التي حملت اسمه تهدف الى تمزيق الوطن العربي وتدمير بلاده وجيوشه لمصلحة اسرائيل والهيمنة الامريكية والغربية على المنطقة.
اثنا عشر: الاعلام العربي الذي لعب دورا كبيرا في دعم المعارضة السورية المسلحة، على مدى الاعوام الثلاثة، وخاصة محطات تلفزيونية من “الجزيرة” و”العربية” انشغلت في هموم اخرى وانقسم على نفسه، فقد انشغلت محطة “الجزيرة” في دعم الاخوان المسلمين وتغطية احتجاجاتهم ضد نظام المشير السيسي، بينما ركزت محطة “العربية” على دعم الاخير، وشن حرب على الاخوان، حتى ان الاخيرة لم تغط حدث الافراج عن راهبات معلولا لانها تمت بوساطة قطرية.
***
بالنظر الى المؤشرات والنقاط المدرجة سابقا، يمكن القول ان النظام السوري يعيش الآن افضل ايامه، وبدأ يخرج تدريجيا من عنق زجاجة الازمة ولو الى حين، وساهم في وصوله الى مرحلة التقاط الانفاس هذه تفكك المعسكر المعارض له، وحدوث انقلاب في اولوياته، علاوة على صمود قواته في ميادين القتال وتحقيقها تقدما ملموسا خاصة في جبهة القلمون.
زيارة الرئيس الامريكي باراك اوباما للسعودية بعد اسبوع ربما تأتي لتثبيت هذا الوضع، وتقديم ضمانات للسعودية بشأن التهديد الايراني، وبما يؤدي الى تخفيف حدة العداء بين طهران والرياض، وتهيئة الاجواء لفتح حوار بينهما.
هذا لا يعني ان الازمة السورية في طريقها الى الذوبان والخروج من شاشة رادار الاهتمام العالمي، لانها ازمة مرشحة للاستمرار لعدة سنوات مقبلة، ولكن مثلما بدأت بضعف النظام وحصاره وتزايد الانشقاقات في صفوفه، وتوحد معظم دول العالم خلف المعارضة، تنقلب الصورة الآن بشكل تدريجي ومتناقض، فما هي اخبار منظومة اصدقاء الشعب السوري ولماذا لم تنعقد منذ وقت طويل، ومتى اجتماعها المقبل؟
عبد الباري عطوان: رأي اليوم
إضافة تعليق جديد