بوتين يضم القرم ويندّد بـ«وقاحة» الغرب
وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس، معاهدة تاريخية ألحقت القرم بروسيا، متجاهلا التهديدات الأميركية والأوروبية ضد بلاده. لكن أكثر ما أثار الانتباه في الخطاب الذي القاه بوتين، نبرة التحدي والتشهير بالسياسات الغربية «الوقحة» كما وصفها، ومحاولة احتكار مصائر العالم، معززا صورته كـ«قيصر» يتشدد في لهجته مع قوى الخارج عندما تُمسّ مصالح روسيا، لكنه لا يقطع «شعرة معاوية» معه.
ومع أن النزعة الوطنية غلبت على خطابه أمام البرلمان الروسي، إلا أن بوتين الذي استعاد التجربة الغربية في التعامل مع انفصال اقليم كوسوفو الالباني عن صربيا، أكد أن روسيا لا تريد تقسيم أوكرانيا. وقال الرئيس الروسي إنه «في قلوب وعقول الناس، القرم كانت وتبقى جزءاً لا يتجزأ من روسيا»، مؤكداً أن روسيا «تخون» سكان شبه الجزيرة لو لم تستجب لنداءاتهم لحمايتهم من كييف.
والجدير بالذكر، أن الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف كان وهب أوكرانيا في العام 1954 القرم التي كانت تنتمي إلى روسيا في إطار الاتحاد السوفياتي، ووصف بوتين ذاك القرار بأنه كان «انتهاكاً للمعايير الدستورية» في تلك الفترة.
وتوجّه بوتين إلى الأوكرانيين الخائفين من سيناريو على طريقة القرم في شرق أوكرانيا الناطق باللغة الروسية، قائلاً «لا تصدقوا من يخيفكم من موضوع روسيا ويقولون لكم إنه بعد القرم ستتبع مناطق أخرى»، مضيفاً «لا نريد تفكك أوكرانيا، لسنا بحاجة إلى ذلك».
وأعلن بوتين أن «الاستفتاء في القرم جرى بتوافق تام مع الإجراءات الديموقراطية وأحكام القانون الدولي». وذكر أن أكثر من 82 في المئة من الناخبين شاركوا في الاستفتاء، مشيراً إلى أن ما يزيد عن 96 في المئة منهم صوّتوا لصالح عودة القرم إلى حضن الدولة الروسية.
وأكد الرئيس الروسي مجدداً على أن القرم لم تشهد اشتباكات مسلحة، الأمر الذي يثبت بطلان الأحاديث عن «عدوان» روسي في شبه الجزيرة، موضحا «يقال لنا عن تدخل أو عدوان روسي في القرم. هذا كلام يثير الاستغراب، فلا أذكر في التاريخ حادثاً جرى فيه تدخل من دون إطلاق عيار واحد ومن دون سقوط ضحايا». وأضاف أن «فضل تفادي سقوط الضحايا يعود إلى لجان الدفاع الشعبي التي بسطت سيطرتها على الوضع. الاشتباكات العنيفة لم تحدث لأن محاربة الشعب أو إرادته أمر صعب أو مستحيل عملياً».
من جانب آخر اعتبر الرئيس الروسي أن الغربيين «تجاوزوا الخط الأحمر» في الأزمة الأوكرانية، «وتصرفوا بشكل غير مسؤول». كما ندد بشدة بالغربيين الذين اتهمهم باعتماد «شريعة الأقوى وتجاهل القانون الدولي».
واتهم بوتين الولايات المتحدة وحلفاءها باحتكار الحق في تقرير مصائر العالم، واستخدام القوة ضد دول ذات سيادة، وتشكيل ائتلافات على أساس المبدأ القائل «من ليس معنا فهو ضدنا»، وانتزاع قرارات دولية تناسب مصالحهم متجاهلين قرارات أخرى.
وفي هذا الخصوص، ذكّر الرئيس الروسي بالغارات على بلغراد والتدخل في العراق وأفغانستان وليبيا، معلنا أن «الربيع العربي تحول إلى شتاء عربي».
وذكّر بوتين أيضاً، أن سلطات القرم اعتمدت على سابقة كوسوفو، موضحاً أن «هذا الإقليم حظي انفصاله عن صربيا من جانب واحد بالاعتراف من قبل الدول الغربية».
وفي هذا السياق أشار الرئيس الروسي إلى وثيقتين تقرّان حق كوسوفو في الاستقلال، هما قرار المحكمة الدولية الخاصة بكوسوفو والمذكرة في الشأن ذاته التي وجهتها الولايات المتحدة إلى هذه المحكمة، والوثيقتان تقرّان بأن القانون الدولي العام لا يتضمن حظراً على إعلان الاستقلال من جانب واحد.
وتساءل بوتين عما إذا كان منطقيا «أن يحظر على الروس والأوكرانيين وتتار القرم في القرم ما يسمح به للألبان في كوسوفو؟». وعلّق على تصريحات بعض الساسة الأميركيين والأوروبيين الذين يتهمون روسيا بانتهاك القانون الدولي، واصفاً هذه التصريحات بأنها «أسوأ من المعايير المزدوجة بل هي عبارة عن وقاحة عنيدة ومثيرة للدهشة، تكمن وراءها مصالح الدول الغربية».
وفي موضوع العقوبات، لفت الرئيس الروسي إلى أن «الغربيين لا يرهبون روسيا بالعقوبات فقط، بل وبتفاقم المشاكل الداخلية»، متسائلاً عما إذا كانوا يقصدون بذلك نشاط «الطابور الخامس المكوّن من الخونة، أم أنهم يخططون لإثارة غضب السكان من خلال ضرب الوضع الاقتصادي والاجتماعي في روسيا؟».
وأكد أن روسيا سترد على هذه التصريحات «باعتبارها استفزازية وغير مسؤولة»، لكنها لن تسعى إلى المواجهة مع شركائها بل ستعمل على بناء علاقات حسن الجوار معهم.
وبعد الخطاب في قصر الكرملين، وقّع بوتين مع قادة القرم اتفاقاً يؤيد انضمام منطقتين جديدتين إلى روسيا الاتحادية هما القرم ومدينة سيباستوبول التي تتمتع بوضع خاص في شبه الجزيرة.
وأوضح الكرملين لاحقاً أن الوثيقة تدخل حيّز التنفيذ من لحظة توقيعها، حتى لو أنه ما زال يتعين على البرلمان الروسي التصديق على قانون في هذا الشأن، وهو ما يعتبر إجراء بسيطاً.
بعد خطاب بوتين، جاء الرد الأميركي على لسان وزير الخارجية جون كيري، الذي حذّر من أي توغل عسكري تقوم به روسيا في شرق أوكرانيا، وشبه «الحماسة القومية» التي أشعلتها الأزمة في القرم بالفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية.
وقال كيري أمام عدد من الطلاب في مبنى وزارة الخارجية الأميركية، إن أي توغل روسي في شرق أوكرانيا «سيكون أكثر خطوة مشينة يمكن أن يتخذها أي بلد في عالم اليوم، بحسب رأيي، وخصوصاً كبلد مثل روسيا».
وأضاف وزير الخارجية الأميركي «آمل في أن لا يصل الأمر إلى ذلك»، لأنه «سيكون تحدياً كبيراً للمجتمع الدولي، وسيتطلب رداً يتناسب مع مستوى التحدي»، مؤكداً أنه لا يرغب في البدء بطرح خيارات لأي رد أميركي أو دولي على أي خطوة روسية داخل شرق أوكرانيا «حتى نقيّم المرحلة التي نحن فيها الآن».
وإذ اعتبر كيري أن «اليوم، ستكون أمراً شائناً إثارة هذه الحماسة القومية التي يمكن أن تنتقل عدواها بطريقة خطيرة للغاية»، أكد أن «كل ما عليكم أن تفعلوه هو أن تعودوا وتقرأوا تاريخ الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، والمشاعر التي أطلقت مع مثل هذه الحماسة القومية».
وأضاف أنه «من الواضح أن هناك تاريخاً صعباً مثل ما حدث في تشيكوسلوفاكيا في العام 1968 حين كانت الحجة للدخول إلى ذلك البلد هو حماية سكانه... وتستطيعون أن تسألوا البولنديين كيف شعروا بالحماية كل تلك السنين».
وقبيل ذلك، اتفق الرئيس الأميركي باراك أوباما والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال مكالمة هاتفية أمس، على أن وحدة أراضي أوكرانيا تلقت «ضربة غير مقبولة»، بحسب المتحدث باسم الحكومة الألمانية.
وجاء في بيان المتحدث أن «إعلان استقلال القرم من جانب واحد وإلحاقها بروسيا الاتحادية هو ضربة غير مقبولة لسلامة ووحدة أراضي أوكرانيا»، وشدد الجانبان أيضاً على أن «الاستفتاء المزعوم يتنافى والدستور الأوكراني والقانون الدولي».
واعتبر أوباما وميركل أن «الإجراءات التي قررها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بحق أشخاص هي منطقية في ظل هذا الوضع»، لكنهما أعربا عن «استعدادهما لمواصلة طريق الحوار السياسي والتواصل»، بحسب المصدر نفسه.
وكانت الولايات المتحدة أعلنت في وقت سابق أمس، أنها ستفرض عقوبات جديدة على روسيا بعد ساعات من إعلان موسكو «ضم» القرم. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني «ندين قرار روسيا ضم القرم رسمياً»، مضيفاً أن واشنطن ستفرض عقوبات جديدة بعد دفعة العقوبات الأولى التي أعلنت أمس الأول.
أوروبياً، أعلن وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ أن العلاقات بين روسيا والغرب يمكن أن تتغير في الأعوام المقبلة، مشيراً إلى أن لندن علقت جميع أشكال تعاونها العسكري مع موسكو ووقف صادرات الأسلحة إليها. وقال هيغ إن الرئيس الروسي اختار «طريق العزلة» بتوقيعه على مرسوم الضم.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي ألغى زيارة مقررة إلى موسكو أمس، مع وزير الدفاع جان إيف لو دريان، أن باريس يمكن أن تعلق بيع سفينتي «ميسترال» بموجب عقد موقع في العام 2011. إلا أن فابيوس قال إن الرئيس الروسي ما زال مدعواً في السادس من حزيران المقبل إلى فرنسا للمشاركة في احتفالات الذكرى السبعين لإنزال قوات الحلفاء.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد