بريطانيا و العلاقة الغريبة مع داعش
الجمل- *بقلم جين كالفاري- ترجمة: رندة القاسم:
الأربعاء السابع من كانون الثاني في الحادية عشر و النصف صباحا بتوقيت غرينتش، اندفع رجال مقنعون مسلحون ب AK47 إلى مكتب مجلة شارلي ايدو الهزلية ، و أطلقوا النيران على الموظفين بعد أن طلبوا رسامي الكاريكاتير بأسمائهم.
بعد خمس دقائق أطلق رجال مسلحون النار على شرطي مسلم و هم يهربون مخلفين وراءهم اثني عشر مواطنا فرنسيا ميتا. حطم المسلحون سيارتهم و استولوا على أخرى ، و بينما كانوا يطردون السائق منها قالوا له: "اذا سألتك وسائل الاعلام أي شيء، قل لهم انها القاعدة في اليمن".
و مع انتشار أخبار هجوم باريس الجديد في صباح اليوم التالي،غرقت المدينة بالمزيد من الخوف و الصدمة. و كانت الضحية شرطية متدربة تبلغ من العمر خمسة و عشرين عاما. و اقتحم الشخص المسؤول عن الهجوم بقالية يهودية في باريس و أخذ خمسة رهائن. أيام الرعب الأربعة في باريس أسفرت عن رهائن و موت سبعة عشر باريسي.
كانت الملكة البريطانيه سريعة جدا في ارسال صلواتها الى ضحايا الحادث، و قالت: "الأمير فيليب و أنا نبعث بعزائنا الصادق إلى عائلات أولئك الذين قتلوا و إلى من جرح في هجوم باريس هذا الصباح". و هذه البادرة أتبعها توكيد رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون : " هذه البلد تتحد مع الشعب الفرنسي في مواجهتنا لكل أشكال الارهاب"....ثم جاء دور تيريزا ماي لاعتلاء المنصة و التحدث عن مشاريع قوانين جديدة للأمن و مواجهة الارهاب.
و حتى المراقبين الاجتماعيين المتفائلين في بريطانيا يستطيعون أن يدركوا بسرعة أن الائتلاف الحكومي البريطاني ينتهز الفرصة لدفع المجتمع نحو المزيد من سياسة الدولة الانتهازية الرامية إلى تهميش المسلمين أكثر من أي وقت مضى.و الحكومة الائتلافية تعيد ثانية الجدال حول ضرورة الفحص الجدي لكل قانون مواجهة الإرهاب.
التعديلات المقترحة على القانون تمنح السلطة للحكومة من أجل مصادرة جوازات السفر لثلاثين يوما على الأقل و تضم أولئك الذين تحت الثامنة عشر.
المواطنون الذين يعتقد بتورطهم في نشاطات ارهابية في الخارج قد يمنعون من العودة لمدة تصل إلى سنتين مع احتمال التمديد الى أن يتطابقوا مع شروط صارمة محددة ،و قد يكون هناك قوانين ملاحة أكثر قسوة تضم قوائم منع من السفر و وضع الأسماء المشتبهة على قوائم سوداء و فحوصات عبور إضافية. و ستتخذ القرارات بناءا على ما يسمى "الشك المعقول" في التورط بنشاطات ارهابية.
و من الواضح أن القانون الجديد سيؤثر على قوانين موجودة متعلقة بالهجرة و المواطنة و حقوق الإنسان، بينما تؤدي مراجعة سريعة لسياسة الحكومة البريطانية خلال الأشهر القليلة الماضية ضد الارهاب التكفيري في العراق و سوريه الى طرح الكثير من الأسئلة حول صدق حكومة كاميرون في معالجة خطر الإرهابيين التكفيريين:
- لماذا تسعى الحكومة البريطانية بقوة الى شن ضربات جوية ضد داعش في وقت ثبت أنها غير فاعلة؟
أدرك البريطانيون عبر المجتمع بأن ما يسمى الجيش السوري الحر ليس سوى وهم و كذلك حال النسخة المحولة عن القاعدة و التي تعرف بداعش. و أكد المسؤولون البريطانيون أن الطريقة الأكثر فاعلية للقضاء على داعش تكمن في قصف قواعدها. و لكن أية قواعد؟ إنهم لا يملكون أيا منها، و المنطقة الواقعة الآن تحت احتلال تكفيريي داعش أكبر من حجم بريطانيا، و هناك أكثر من 25 ألف منهم يهيمون و يرتكبون أكثر الجرائم همجية و شناعة.انهم لا يحتشدون في قواعد ، و لا يتبعون تكتيكات عسكرية.
وفقا لأدلة دامغة، فان الولايات المتحدة و المملكة المتحدة و حلفاءهم يسعون الى دعم الإرهابيين في سوريه و زيادة الضغط على حكومة دمشق الشرعية بشن ما يسمى الضربات الجوية للائتلاف، و أعلنوا أن الهدف منها إبادة داعش ، و لكنها عمليا، خدمت كحجة لتدمير البنية التحتية السورية و تعزيز حضورهم في العراق. و بريطانيا قصفت العراق قبل مائة عام، و ألقوا قنابل كيماوية عليه في العشرينيات من القرن الماضي. و خلال تلك السنوات، كان قصف العراق جزءا من الحملة البريطانية للسيطرة عليه و الحملة الحديثة ليست استثناءا.
-لماذا لا تستخدم المؤسسة البريطانية نفوذها ضد الأنظمة الداعمة لداعش في المنطقة؟
اما أن السياسيين البريطانيين حمقى أو منافقون فيما يتعلق بمواجهة داعش. فهم بارعون في النقاشات الخيالية البرلمانية ، غاضين الطرف عن جذور و أسباب فظاعات داعش. فداعش فرقة موت ، انها عصابة قتلة إرهابيين، هي ليست جيشا و بالتأكيد ليست دولة. و داعش لا يمكنها البقاء لأكثر من أسبوع لو توقف تدفق مئات الملايين من الدولارات و مئات الأطنان من الأسلحة من قبل ما يسمون "أصدقاء سوريه". و التزام تركيا بتسليح و ضمان تدفق التكفيريين الى العراق و سوريه ليس سوى حقيقة على الأرض. و "الموهوبون" الذين يحكمون تركيا علقوا في الشبكة التي نسجوها، و مع ذلك لا يزالون مستمرين بعناد في سياساتهم.
و وفقا لتقرير برلماني بريطاني حول العلاقات الثنائية التركية –البريطانيه، فان دعم الحكومة البريطانية المستمر لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي يوفر قاعدة موثوقة من أجل تطوير و تعزيز العلاقات الثنائية التركية البريطانيه. هل من أحد سمع بمجرد انتقاد أو شجب لسياسات الحكومة التركية نحو داعش من قبل مسؤولين بريطانيين رفيعي المستوى؟ آخر من يجب أن يعود الى مشهد جرائهم الماضية في العراق و سوريه هم الضباط البريطانيون، و مع ذلك و بفظاعة ألفوا ائتلافا ضد داعش مع طغاة الخليج الفارسي الحقيرين. تملك السعودية 700 طائرة حربية. هل شاهد أحد صورة لطائراتهم المقاتلة في العراق و سوريه؟ فالحقيقة المجردة هي ان السعودية العش الذي خرجت منه داعش و الإرهابيين التكفيريين حول العالم. هل من أثر لوجود خلاف بين المسؤولين البريطانيين و القادة السعوديين و القطريين و الاماراتيين عندما يتعلق الأمر بسوريه؟
و بنفس الوقت يقال بان داعش أغنى منظمة إرهابية في التاريخ. و تقدر التقارير أن هذه المجموعة المتفرعة عن القاعدة حصلت خلال الستة أشهر الماضية فقط على أكثر من ملياري دولار، أي أعلى من نفقات ايرلندا العسكرية السنويه. و هذا بفضل تطور شبكات تجارة الغاز و النفط عبر المنطقة. فقط استولت المجموعة على خمسة حقول نفط زودتها بحوالي 2،5 مليون دولار يوميا و يصدر معظم النفط الى تركيا. أضف الى ذلك المنح الخاصة من الداعمين في دول الخليج الفارسي. و هذا الدخل الهائل لا يمكن أن يصل الى داعش من دون اللجوء الى الطرق المصرفية التقليدية.هل سمع أحد عن خطط لتقصي و ايقاف خطوط تمويل داعش عبر النظام المصرفي؟
-ما مدى صدق ملاحقة ناشري الايديولوجيات التكفيرية في بريطانيا؟
بالاستماع الى خطب المسؤولين البريطانيين عن داعش، قد يظن المرء ان كاميرون و شخصيات بريطانيه اخرى ليسوا سوى فرسان بدروع ساطعة في معركة أسطورية ضد التكفيريين و خطرهم على الأمن القومي البريطاني.و في آب، رفع كاميرون مستوى التهديد القومي الى "الحاد" ما يعني أن الاعتداء من قبل مؤيدي داعش محتمل جدا. و منذ ذلك الوقت ، و كل يوما تقريبا، تدور الأحاديث في كل التيار الرئيسي لوسائل الاعلام البريطاينه حول الضرورة الملحة لمحاربة الفكر التكفيري و الحيلولة دون سفر مؤيدي داعش الى الخارج و الانضمام الى الارهابيين في العراق و سوريه. هل شاركت عناصر من المؤسسة البريطانيه في نشر ايديولوجية داعش الكريهة عبر المجتمع؟ نعم بلا شك.. فهناك أكثر من 600 سلفي تكفيري من أصول بريطانية يقاتل في سوريه و العراق تحت راية داعش. و كلهم مرتبطون بشكل مباشر أو غير مباشر بواعظين سلفيين بريطانيي يقومون الآن و بشكل حر بتعزيز ما يسمى قضايا داعش.و أشباه أنجم جودهري و محمد العريفي لم يتهموا بالارهاب بينما يطوفون علنا في بريطانيا و يلقون محاضرات تدعم داعش و يعملون على التطويع من أجل العصابة الارهابية. بل ان الارهابي الذي قتل جنديا عندما اقتحم البرلمان الكندي الشهر الماضي كان يتواصل مع الجودهري على تويتر.
و مع بداية تشرين الثاني انبثق دليل جديد على تورط بريطانيا في جريمة تمرير الارهابيين الى سوريه. أبو رميسه ، بريطاني سيء السمعة من ارهابيي داعش، غادر بريطانيا و بعد فترة قصيرة شوهد في سوريه. قبل سفره ، استوقفته الشرطة البريطانيه ، سألته بضعة أسئلة و من ثم أطلقت سراحه. كيف أمكنه مغادرة المملكة المتحدة و الانضمام الى قوة أعلنت الحرب ضد بريطانيا من دون علم السلطات؟
يبقى علينا أن نرى الى متى ستستمر الشخصيات البريطانية باستغلال خطر داعش لمصالحها العسكريه و الاستبدادية قوميا و دوليا.
عن موقع Press tv
الجمل
إضافة تعليق جديد