سوريا والهبّة الشعبية الفلسطينية تربكان فكر الجيش الإسرائيلي
تبدي إسرائيل الرسمية، السياسية والعسكرية، قلقاً كبيراً من التطورات في المنطقة والعالم. وهناك في إسرائيل مدارس متصارعة حول ما يجب فعله في مواجهة هذه التطورات التي يظهر فيها أن نجم الولايات المتحدة يتجه نحو الأفول وخلاف حول النجم أو النجوم الصاعدة التي ستخلف أميركا. وهناك أيضا من يحاول تخيل الوضع في المنطقة في ظل التغييرات الدولية واندفاع الكثيرين نحو الإسلام الجهادي المتطرف. وبين هذا وذاك تتعامل إسرائيل بوجهين مع التواجد الروسي المكثّف في سوريا وتحاول قدر الإمكان الإفادة ولو بشكل مؤقت من هذا التواجد عبر إظهار نوع من المودة له.
وفيما يجري الحديث بصوت عال عن شروخ واضحة في نظرية الأمن القومي الإسرائيلي التي لم تعد تلبي متطلبات المواجهة مع الظروف الجديدة يحاول الجيش الإسرائيلي عبر خططه التسليحية والتدريبية الاستعداد لما قد يحدث ضمن سيناريوهات متطرفة. ويجري التركيز بشكل أساسي على جبهتين رئيسيتين إحداهما داخلية تتعلق بالشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع والثانية على لحدود الشمالية مع سوريا ولبنان. ولا يعني ذلك أن باقي الجبهات سواء المصرية والأردنية بل وجبهة العمق في مواجهة إيران لا تشغل إسرائيل لكن الأولوية موجهة نحو الجبهتين الأوليين.
ومن بين أولى المسائل التي يجري التركيز عليها أن الحروب، سواء على الجبهة الفلسطينية أو الشمالية، لم يعد بالإمكان حسمها لا في ساعات ولا في أيام. ويستذكر كثيرون كيف أن حرب لبنان الثانية دامت أكثر من شهر وكيف أن الحرب الأخيرة على غزة استمرت 51 يوما. وهذا يعني أن على الجيش الإسرائيلي الذي كثيرا ما اعتمد على قواته الاحتياطية أن يعمد إلى نظام جديد يكثف النيران ويحاول تقليص أمد الحرب. ولكن التجربة وخصوصا إثر حربي لبنان الثانية وغزة، بينت أن ليس كل ما يريده الجيش الإسرائيلي ممكن التحقيق. فـ «نظرية الضاحية»، التي تم تطويرها بهدف الردع وتقليص أمد الحرب، لم تردع ولم تقلص الحرب مع قوى «شبه دولة» مثل حزب الله والمقاومة الفلسطينية في غزة وخصوصا حماس والجهاد الإسلامي. وهذا يقود بالتأكيد إلى التساؤل عن عواقب الصدام في ظل وضع تنامت فيه قدرات حزب الله وصارت الجبهة الشمالية تقريبا موحدة أكثر من أي وقت مضى. والأدهى أنه أضيف إلى هذه الجبهة تواجد إيراني وروسي مباشر ويزداد كثافة مع الوقت.
وبعد إبرام الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى ازداد إحساس إسرائيل بالخطر لأنها اعتبرت الاتفاق انتصارا لإيران وتسهيلا لإزالة العقوبات عنها وفتحا لباب تطوير العلاقات الدولية معها. ورغم أن تركيز إسرائيل المهووس على الخطر الإيراني تراجع بعدما شعرت إسرائيل أنها صارت تصرخ في واد وأن أحدا لا يريد سماعها فإنها وجدت في مكافحة داعش وسيلة لبناء جبهة جديدة مع الغرب وحتى مع دول عربية. ومع ذلك تشعر إسرائيل أن ليس في مكافحة داعش ما يمكن اعتباره استراتيجية لسنوات وبالتالي ظلت تخشى من أنها قد تضطر لرؤية واقع جديد فيه مكانة أعلى لإيران وحزب الله وبدعم روسي.
ولهذا السبب، ورغم اللعاب الذي يسيل من أفواه الكثير من الإسرائيليين حول ما ستجنيه إسرائيل جراء تفكك سوريا، فإن هذه النتيجة ليست مؤكدة رغم تكرار رئيس الحكومة الإسرائيلية الحديث عنها. ويجري اليوم تسويق تفكك سوريا داخليا من أجل ضخ المستوطنين بأعداد كبيرة إلى هناك على قاعدة أن فرص إعادة الجولان المحتل إلى سوريا متدنية جدا، وخارجيا من أجل زرع بذرة أن لإسرائيل مصالح يجب الحفاظ عليها في سوريا. وقبل أيام حاول الجنرال يعقوب عاميدرور، الذي خدم كمستشار أمن قومي لسنوات مع بنيامين نتنياهو إضاءة هذه المسألة في مقالة له نشرها ضمن أبحاث مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب. ويتساءل عاميدرور في مقالته عن مدى قدرة إسرائيل على تحمل تصرفات إيران وحزب الله في ظل غطاء روسي وهل بوسع إسرائيل الرد بقوة وماذا ستفعل روسيا؟ ويرى أنه بانشغال إيران وحزب الله في القتال داخل سوريا فإنهما مقيدان في الرد على هجمات إسرائيلية على قوافل التسليح. ولكن استمرار اكتساب حزب الله الخبرة القتالية في سوريا سيجعل سرائيل تواجه مستقبلا تنظيما مجربا لم يسبق لها أن جربت مثله. وهو يقول أن حزب الله لن يكون ذلك الذي واجهته إسرائيل في حرب لبنان الثانية بل «حبة جوز يصعب كسرها». وعموما يشير عاميدرور إلى أن الخطر تحت المظلة الروسية يمكن ن يكون في الجولان باستنساخ التجربة اللبنانية لحزب الله هناك أيضا. ويرى أن هذا يلزم الجيش الإسرائيلي بمضاعفة جهوده واضطراره للعمل في جبهتين.
ولكن من الواضح أن أهم ما يمكن استخلاصه من موقف إسرائيلي تجاه ما يجري في المنطقة وخصوصا في سوريا هو ما تفوّه به ضابط كبير وأظهر حجم الارتباك من التواجد الروسي. فقد قال هذا الضابط إن إسرائيل لم تكن تتخيل في أشد كوابيسها سوءا أن ترى صواريخ إس 400 في باحتها الخلفية. فهذا العنصر الجديد مضافا إليه الخبرات التي يراكمها حزب الله والمقاتلون في سوريا والتي قد تتجه لاحقا ضد إسرائيل وحوافز الصبية والشباب الفلسطينيين لتنفيذ عمليات بالسكاكين والبلطات ضد إسرائيليين يجعل الدولة العبرية تواجه وضعا مستجدا. وفي نظر معلقين عسكريين صارت الأمور أشد اختلاطا في جوهرها من أي وقت مضى. وهنا تكمن المشكلة حيث أشد ما تخشاه إسرائيل هو ما لا تعرفه، وبالتالي ما لا تجيد التعامل معه.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد