24 مليار دولار رؤوس أموال سورية تتحرك في دول الجوار
تعد الأموال السورية المهاجرة إلى دول الجوار من أهم الملفات التي يجب العمل عليها لتعزيز الاقتصاد الوطني ودعم الناتج المحلي من خلال زيادة الاستثمارات وتقوية موقف الصناعة المحلية، فحسب تقارير صادرة عن منظمة الأمم المتحدة يشكل مجموع الأموال السورية المهاجرة إلى دول الجوار نحو 22 مليار دولار وذلك بعد مضي خمس سنوات على الأزمة في سورية، وفي ظل عدم وجود أرقام رسمية سورية يمكن الاستناد إليها، يمكن التعاطي مع أرقام المنظمات الدولية كمؤشر وسطي للعمل عليه في وضع الحلول.
وهنا يكمن السؤال الأهم عن كيفية إعادة الأموال لسورية والاستثمارات لتدعيم الاقتصاد الوطني بدلاً من أنها ساهمت بتحسين الاقتصاد في دول الجوار؟
24 مليار دولار
الخبير الاقتصادي والاستشاري الدكتور كنان ياغي أوضح أن الرقم المذكور عن تقارير الأمم المتحدة يشمل الفترة الزمنية حتى نهاية عام 2015، وقد يكون قد زاد الرقم إلى نحو 23 أو 24 مليار دولار أميركي لأن حركة خروج الأموال من سورية بدأت بشكل أساسي خلال عامي 2012 و2013 حتى نهاية عام 2014، في حين بدأت الحركة بالانخفاض حتى ضعفت في العام الحالي.
ولكن إذا تحدثنا عن الأموال السورية التي خرجت من سورية فإن الرقم سيكون أكبر من ذلك بكثير وهي أموال السوريين الذين هاجروا إلى أوروبا وغيرها من الدول حيث كل فرد نقل معه ما لا يقل عن ألفي دولار وهي مبالغ أكبر كلها خرجت كقطع أجنبي، ولكن الأغلبية نقلوا رؤوس أموالهم إلى محاور رئيسية ثلاثة هي تركيا ومصر ولبنان التي كان فيها سرعة بالتحويل، وبعد ذلك تم الحديث عن أموال وصلت إلى دبي ودول الخليج، وخاصة أن النظام المصرفي في دول الخليج لديه شروط محددة، في حين في لبنان كان هناك تسهيلات، مشيراً إلى أنه مهما قدمنا من تسهيلات لا يمكن الحديث عن عودة رؤوس أموال في ظل الظروف الراهنة الصعبة، وحتى من يتحدث عن عودته كمستثمر فهو مرتبط بتحسن الظروف.
لبنان أكبر المستفيدين
من المعروف أن الأموال السورية كانت تقدر بـ16 مليار دولار في لبنان وذلك بنهاية عام 2010، مشكلة نحو 12% من حجم الودائع المصرفية في لبنان، ولكن بعد اندلاع الأزمة في سورية ارتفع حجم هذه الودائع بشكل واضح في المصارف اللبنانية، ما زاد معها من الرقم الاحتياطي لمصرف لبنان من 29 مليار دولار إلى 37 مليار دولار، وذلك وفق بيانات رسمية عن مصرف لبنان مع أنه لم تصدر أي توضيحات رسمية من المصرف المركزي اللبناني بشأن هذه الزيادة المفاجئة ولكن يرجح أنها تعود إلى إيداعات السوريين في المصارف اللبنانية بهدف إيجاد ملاذ آمن لتلك الأموال.
وحسب منظمة الإسكوا فقد بلغت الأموال التي أدخلها السوريون إلى لبنان حتى نهاية عام 2015 نحو 11 مليار دولار، ولكن وفق مصادر اقتصادية في لبنان فإنها تبلغ بين 15 إلى 18 مليار دولار، حيث كان مدير عام مؤسسة الاستثمارات الأجنبية في لبنان قد صرح سابقاً بأن المؤسسة تلقت طلبات من صناعيين سوريين ومستثمرين لبنانيين في سورية للحصول على تراخيص لإنشاء مصانع أو لنقل استثماراتهم إلى لبنان، وذكر أن معظم تلك التراخيص المطلوبة كانت تشمل إنشاء مصانع للحلويات منها (ترخيص لمستثمر لبناني مع رجل أعمال سوري لإنشاء مصنع للحلويات في البقاع بقيمة 120 مليون دولار)، إضافة إلى مصانع للألبسة الجاهزة والمواد الغذائية وفتح مطاعم وسوبر ماركت.
مليارا دولار في الأردن
وفي الأردن بلغ حجم الاستثمارات السورية نحو ملياري دولار، تتجه في معظمها في قطاع الأغذية والحلويات، حيث افتتح السوريون نحو 3 آلاف مطعم في الأردن بنسبة 20% من المطاعم الموجودة في الأردن وذلك حسب تقرير لنقابة أصحاب المطاعم في الأردن.
وكان قد وصل عدد المستثمرين السوريين إلى أكثر من 191 مستثمراً وبلغ عدد المصانع السورية المسجلة 370 مصنعاً، وفقاً لرئيس لجنة المستثمرين للمناطق الحرة الأردنية، حيث تقدر صادرات المناطق الحرة الأردنية السنوية بـ5 مليارات دولار، منها نصف مليار دولار تأتي من الشركات السورية.
نصف مليون فرصة عمل في مصر
أما في مصر وبحسب الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة التجارية في مصر، فقد بلغ عدد المستثمرين السوريين في القاهرة وحدها ما يناهز 100 مستثمر وظفوا أموالهم في قطاعات مختلفة كان أهمها قطاع الألبسة الجاهزة وقد أنشأ السوريون هناك 70 معملاً، إضافة إلى 300 شركة قيد الإنشاء، حيث تقدر الاستثمارات السورية في مصر بملياري دولار وظفت في مشاريع متنوعة أهمها صناعة الملابس، ساهمت بتوفير نحو نصف مليون فرصة عمل.
10 آلاف شركة في تركيا
وفي تركيا فقد شكل العام 2015 عام إنشاء الشركات السورية في تركيا حيث وصلت أعدادها لأكثر من عشرة آلاف شركة مسجلة وغير مسجلة بحسب تقارير صادرة عن الحكومة التركية، مشكلة نسبة 22.3% من مجموع الاستثمارات الأجنبية عام 2015 في تركيا والتي بلغت بحدود 300 مليون دولار، حيث أسس رجال الأعمال السوريون خلال هذه الفترة 1429 شركة، منحتهم المركز الأول، وبفارق واسع عن الشركات الألمانية التي احتلت المركز الثاني بـ310 شركات. فوصل مجموع الاستثمارات السورية في تركيا لأكثر من 1.2 مليار دولار، كما استثمر السوريون نحو 71 مليون دولار في مشاريع مشتركة مع رجال أعمال أتراك، ومن المتوقع حسب تقديرات الحكومة التركية أن تزداد هذا العام بعد صدور قانون العمل للسوريين الذي سمح بإنشاء شركات برأسمال سوري خالص شرط الحصول على إقامة العمل بعد أن كانت في السابق لا تسمح بنسبة ملكية تتجاوز 49% مقابل 51% للأتراك في شركات ينشئها سوريون.
مرحلة استمرار الأزمة
كل ما ذكر هي كلها أموال سورية خرجت، ولو أنها بقيت كانت ستساهم في رفع الطاقة التشغيلية وتخفيض معدلات البطالة ورفع مستويات الإنتاج، ما يعزز موقع الاقتصاد السوري، وحول المطلوب لاستعادة هذه الأموال بينّ أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور عدنان سليمان أنه لاستعادة الأموال السورية المهاجرة والمهجرة إلى الدول المجاورة وتحديداً إلى تركيا والأردن ومصر، وفي لبنان بدرجات أقل بحكم أن الوضع الاقتصادي في لبنان لا يتحمل مشاريع استثمارية كبيرة ما عدا الجانب الخدمي، يجب التمييز بين مرحلتين المرحلة الأولى خلال استمرار الأزمة والمرحلة الثانية ما بعد الأزمة أي مرحلة إعادة البناء والتنمية.
في مرحلة استمرار الأزمة ستكون عودة الرساميل محدودة إلى حد ما وهي مرتبطة بالمناطق التي تشهد استقراراً أمنياً واستثمارياً وتحديداً في مدن الساحل السوري وفي السويداء والمنطقة الصناعية في حسياء وفي عدرا، وهنا المطلوب من الحكومة السورية متمثلة بأذرعها في هيئة الاستثمار والمدن الصناعية والمناطق الحرة أن تشتغل أكثر على موضوع نقل الاستثمار إلى مناطق آمنة وهذا ما عملت عليه جميع الدول التي شهدت حروباً كبرى وحتى في روسيا وألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية كانت تنقل الصناعات أثناء الحرب إلى المناطق الأكثر أماناً واستقراراً داخل البلاد وليس إلى خارج البلاد، ولذلك على الحكومة السورية أن تعلن عن برامج استثمارية في المناطق الآمنة لإمكانية عودة قسم من هذه الأموال المهاجرة.
مرحلة ما بعد الأزمة
وعن إمكانية عودة الاستثمارات الخارجية للمرحلة الثانية فهو موضوع آخر، حسب أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، فإذا عدنا لمرحلة ما قبل الأزمة كان هناك تحفيز استثماري كبير في سورية في ظل الاستقرار الأمني والسياسي وما يقدم من تخفيضات ضريبية وقروض وتسهيلات في المدن الصناعية، ولكن في مرحلة إعادة البناء والتنمية يجب أن يتم العمل منذ الآن على مشروعات استثمارية مدروسة يكون لها جدوى اقتصادية على المدى البعيد، أي إنه على الحكومة السورية من خلال أذرعها أن تستقطب رؤوس الأموال الخارجية بإعداد دراسات اقتصادية جاهزة ذات جدوى اقتصادية لمشاريع صناعية وخدمية مطبوعة وجاهزة وتوزع للمستثمرين عن طريق الاتصال بهم مباشرة.
ولذلك يجب ألا ننتظر أن تعود هذه الاستثمارات من الدول المجاورة وحدها لأن هناك استثمارات لن تعود بهذه البساطة وخاصة بعد أن أقامت لنفسها ثوابت في الدول الموجودة بها ولديها عمالة وتساهم في تخفيض البطالة في تلك الدول وتحقق أرباحاً، وهنا يجب الاتصال بشكل مباشر مع الصناعيين الذي هاجروا وأن تقدم لهم مشروعات استثمارية جاهزة ومدروسة وقابلة للتنفيذ مع الإعفاءات والمزايا التي يمكن الحصول عليها وإغراء بالأولوية على الاستثمار الأجنبي الخارجي.
معالجة القروض المتعثرة
أشار سليمان إلى أن موضوع القروض المتعثرة هو أمر شائك وكان يجب على الحكومات السابقة أن تنجزه منذ سنوات ولذلك يفترض على الحكومة الحالية البحث في حلول لهذا الملف الصعب، فيمكن وضع سياسة لإعادة جدولة هذه القروض معفاة من بعض الخسائر بمعنى أن الحكومة السورية يجب أن تتحمل جزءاً من هذه الخسارة.
ذلك من خلال أن يعفى المقترض من فوائد التأخير، وأن تعاد الجدولة للقروض وتقسيطها على سنوات أكثر من دون فوائد وأن يتم تسهيل الدفعات الأولية، مع دراسة كل حالة وحدها عن طريق اللقاء مع الصناعي والمستثمر وتقديم عروض له وهذا ما تفعله جميع المصارف في العالم، وهنا يجب أن تقبل الدولة الخسارة في جدولة القروض على حساب إمكانية عودة الصناعي المستثمر لسداد القرض لاحقاً، حيث إن هذه الأموال في حال عادت ستساهم في دعم الإنتاج المحلي وتشغيل اليد العاملة واستيراد مستلزمات الإنتاج بدلاً من المنتجات النهائية وفي ذلك دعم للصناعة والصادرات، فهذه القروض إذا عادت شريطة توظيفها في مشاريع استثمارية ذات جدوى اقتصادية سيكون لها فائدة للمصارف وللحكومة وللمستثمرين.
علي محمود سليمان
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد