من ينقذ المنحرفات في مجتمعنا
إن الانهيار الأخلاقي الذي نعيشه في الكثير من جوانب حياتنا إنما هو نتيجة تبدل مفاهيمنا للقيم ونتيجة قبول البعض بهذا التبدل لظروف ما..إحدى القيم التي بتنا نلاحظها غائبة إلى حد كبير الصدق, يرى الدكتور جمال شحيد أن سبب غيابها أن قيماً أخرى نمت ويتقبلها مجتمعنا,ربما بسبب الظرف الاقتصادي حيث أصبح التركيز على (الفهلوية)وان الشاطر إنما بشطارته فنمت في المجتمع شخصية الكاذب والمراوغ والمحتال أكثر بكثير من نمو الموضوعي والصادق,وفي الكثير من الأحيان تتبدل القيم فبدلاً من اعتبار الإنسان الصادق قيمة إيجابية,أصبح يعتبر ربما غبياً أو (حوبة)!!
المحامية هدى علي تأسف لانتشار هذه القيمة خاصة وأنها متفشية جدا في أوساط المحامين إذا إن الموكل غالبا لا يكون صريحا مع المحامي الأمر الذي يربكه في العمل,ومن خلال عملها ترى انه يوجد مشكلة كبيرة في الثقة,مؤخرا وكلت بقضية أخ استدان من أخيه وأعطاه سند أمانة ومع ذلك أنكر المبلغ رغم انه لا يستحق فهو لا يتجاوز الستين ألف ليرة سورية,ولجأ إلى المحاكم وتتساءل هل ثمن الأخوة رخيص إلى هذه الدرجة!
المحامي سعد عباس يرى أن المشكلة الأخلاقية تكمن في انه لم يعد بامكان احد أن يثق بأحد بسبب النظرة المادية,وبالتالي عندما تنعدم الثقة تختل العلاقات الاجتماعية وعندها تتأثر العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الناس...
ويستغرب أن ظاهرة التحلل من القيم الأخلاقية أصبحت تنتشر بين المثقفين إلى حد كبير ففي السابق كان يندر وجودهم في المحاكم,الآن نرى مثقفين كثراً وشخصيات تنحدر من مستويات اجتماعية مرموقة ومع ذلك تتهم بالنصب والاحتيال بل وبارتكاب الفواحش!
المحامية جانيت خوري روت لي إحدى القصص التي تدل إلى أي مدى وصل الانحلال الأخلاقي فبينما كان المهندس سامي يركب مع أحد سائقي سيارات الأجرة دار بينهما حديث عرف فيه السائق أن سامي لديه معمل جلد وهو يعيش في أحد البلدان المجاورة,فأخبره السائق أن بامكانه التعاون معه إن أحضر له كمية من معمله وتصريفها,وبالفعل فيما بعد أحضر سامي الكمية المطلوبة,السائق أتى إلى المطار ليستقبله ويأخذ منه الجلديات,إلا أنه فوجئ بالسائق يأخذه إلى احد أقسام الشرطة مدعيا انه أعطاه مبلغا من المال ولم يردّه,فلم يتمكن سامي من الخلاص من الورطة إلا بعد أن دفع أكثر من أربعمئة ألف ليرة سورية!!
وتؤكد المحامية جانيت أن السبب في هذا الانحلال الذي نعيشه إنما يعود بالدرجة الأولى إلى التربية الخاطئة, وفيما بعد سببه الطمع والغيرة وعدم القناعة وغياب الوعي والثقافة الاستهلاكية التي باتت المظهر الأكثر بروزا في إعلامنا مما يدفع بعض الفتيات غير الواعيات للتقليد ولو على حساب كرامتهن,وللأسف في بعض الحالات ترين حتى الأم مقتنعة أن ابنتها مظلومة وعليها أن تعيش كما يحلو لها حتى لا تظلم!.
- المشكلة الكبرى أن الانهيار الأخلاقي لا يطال الخارج فقط بل يصل في بعض الأحيان ليطال الداخل وأقصد به داخل الأسرة ومن قبل بعض أفرادها إذ إن الشخص الذي يعاني من انهيار في أخلاقه لا شك انه لا يفرق في بعض الأحيان بين الآخرين..
المؤلم في قصتنا التالية أن سوء أخلاق بطلتها انعكس على أسرتها فدمرهم عندما رأيتها.. بدت لي أنها تحتاج لرادع ما,لم يتمكن أحد من القيام به حتى الآن..!!
قالت بصوت بدا لي للحظات أنه غير نادم ... لا تسأليني لماذا أحتال على من تبنوني وأنقذوني من الشارع بعد أن رمتني أمي التي لم أسمع بها يوما إلى جانب إحدى الحاويات وكأنني شيء قذر عليها التخلص منه ,وكأنها بذلك استطاعت أن تتخلص من كل الأوساخ التي اعتقد أنها علقت بها طيلة عمرها .إلى هذه الدرجة أنا حاقدة على أمي الحقيقة ولعلي عندما أعذب من ربوني إنما في لا وعيي انتقم منها,ورغم معرفتي أنني أخطئ في كثير من الأحيان لكنني لا أستطيع التوقف..ابتدأت مشكلتي منذ صغري.. فأهلي الذين أخذوني ولم يتجاوز عمري الأسبوع,جهدوا لكي يكونوا أهلا حقيقيين دللوني أكثر مما أستحق, كنت بالنسبة لهم أكثر من ابنة.. أدخلوني أرقى المدارس وهناك في تلك المدارس عشت مأساة على ما يبدو أثرت علي بشكل لم أدركه حينها,فبسبب لوني الخلاسي كانوا ينادونني بالسوداء ,هذا الأمر أثر بي وأشعرني بأسى لا مثيل له.
فيما بعد وفي مرحلة عمرية لاحقة اخبرني أحد جيراننا بأن من أعيش لديهم ليسوا أهلي, صعقني هذا الأمر..,انزويت في غرفتي لأيام عديدة ولما كان أهلي خلالها يحتارون ماذا يفعلون لإرضائي أعجبني دلالهم واستغللته طيلة الوقت إلى أقصى درجة .
عندما أصبحت في السادسة عشرة وبينما كنت أصادق من أشاء تعرفت على الكثير من الأصدقاء الذين كانوا يسرقون ويتفننون في فنون الاحتيال أعجبني الأمر في البداية بل وصلت إلى الحد الذي بدأت فيه بلعب القمار,وبالتعرف على الشبان والصرف عليهم,ولطيبة أهلي ومحبتهم لي عندما كنت أتأخر عن المنزل أقول لهم أي عذر فيصدقوني فورا,بدأت أقع بالمأزق تلو الآخر,هذه المآزق تنعكس جميعها على أهلي الذين لم يتخلوا عني رغم المآزق الكثيرة التي أوقعتهم بها حتى عندما جعلتهم يبيعون منزلهم الوحيد ويسكنون عند أقاربهم فهم لايزالون يساعدونني حتى الآن...
ولمعرفة آراء الاختصاصيين في هذه القضايا وقفتنا الأولى مع القاضي عبد الأحد سفر الذي أخذنا رأيه باعتباره باحثاً اجتماعياً وله عدة مؤلفات في هذا الخصوص ... أكد لنا أن المشكلة تبدأ من الطفولة من التربية الخاطئة في بعض البيئات التي لا تنتبه لأطفالها ولا تراقبهم أو تراقب ما يشاهدونه في التلفاز, ولا ينتبهون لأطفال السوء و بسبب غياب الرقابة سواء الأهلية أو المدرسية..بالإضافة إلى هذه الأسباب الكبت و (العوز)بكافة أشكاله سواء أكان مادياً أو نفسياً أو روحياً أو ثقافياً...ما يفتقد إليه في منزله يعوضه في الخارج,محاولا تحقيقه بأي طريقة كانت.
ويؤكد القاضي سفر أنه خلال هذه المرحلة إذا تم ضبط الموضوع وتم التعامل معه بحزم نكون قد قضينا عليه,و إلا فانه فيما بعد وخلال مرحلة المراهقة يتم الانزلاق باتجاه الرذيلة خاصة إذا ترافقت هذه المرحلة بغياب التعليم والوضع الاقتصادي المتردي,والبطالة والفراغ وهنا يكون من السهل اصطياد الحدث بشكل عام والفتاة بشكل خاص, لتتحول إلى ضحية ومدانة في الوقت ذاته.
ولأن البغاء نوع من الانحراف المدان من قبل مجتمعنا حاولنا التوسع فيه من خلال بعض القصص التي عايشناها..
بدت لي وهي تروي قصتها..ملتوية, متصدعة,أغمضت روحها و ضغطت على لوعتها,ولكن الرعب تصاعد من مسامها,ارتعشت وحاولت استجماع نفسي وأنا أستمع إليها ...
منزلها المهترئ لم تبد عليه أية مظاهر ثراء على العكس تماما,وهو وإن كان في احد أحياء دمشق ذات المستوى الاجتماعي الجيد,إلا انه من الداخل عفن..,يبدو عليه واضحا أثر اللامبالاة..الحياة تمشي باتجاه,وهذا المنزل يمشي باتجاه آخر..أولادها الخمسة لم يبد عليهم أنهم يجهلون أثر ما تفعله أمهم وما فعلته دوما وكيف أثر على حياتهم,في مجتمع يحتقر وينبذ شخصيات كوالدتهم ..
منذ صغرهم اعتادوا أن يعيشوا حياة مختلفة بكل تفاصيلها عن بقية الأسر فوالدتهم,لم تكن في يوم من الأيام أما عادية..إنها تلك الوالدة (بارعة) التي تجاوزت الآن الستين من عمرها, تزوجت أربع مرات...لم تكن تدري وهي الفتاة التي لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها,أنها بوفاة والدها قد كتب عليها أن تعيش حياة مقيتة عليها أن تجرد فيها كرامتها,وان تتحول إلى مجرد شيء يمكن لأي رجل أن يتقاذفه,بوعي أو دون وعي منها..
إخوتها السبعة لم يشكلوا أي حماية لها زوج أمها حاول أكثر من مرة لا أن يتحرش بها فقط,بل وبإخوتها أيضا ولصغر سنهم ولعجز والدتهم عن فعل أي شيء..كانت تزوج الواحدة تلو الأخرى لأي رجل يطرق بابها المهم الخلاص.. إلى أن أتى دور بارعة ..كان الرجل كبيرا في السن تجاوز الخمسين وهي لم تزل في الثالثة عشرة من عمرها...قالت لي وكأنها تعود بذاكرتها إلى ماض سحيق, عندما بقيت معه بمفردي شعرت بخوف لم أشعر مثله طيلة حياتي.. والعبثي في الأمر انه لا مهرب... علي الاستسلام,منذ تلك اللحظة كان الاستسلام لهم , لمشيئتهم, الطريق الوحيد,تارة أراه طريق الخلاص وتارة أراه انتقاما.
طيلة الوقت ومع مرور الزمن كان الرجال بالنسبة لي وسيلة لشيء ما,لخلاص بحثت عنه ولم أجده في أي من زيجاتي الأربع التي كل منها كانت بمثابة كارثة لي ولهم... وما بين عمر الثالثة عشرة والعشرين كنت قد تزوجت أربع مرات... في إحداها ولأن زوجي كان يتعاطى المخدرات ويحضر أصدقاءه إلى غرفتنا الوحيدة اضطررت لأن أحمل طفلي الرضيع وأجلس على السطح وبرد الشتاء القارص يحاصرني,ولم يستطع طفلي احتماله فتوفي..ولأنني كنت أحب زوجي ولا أدري إن تركني إلى أين سأذهب وأنا في تلك السن الصغيرة,لا أحد بامكانه استقبالي,جميعهم تخلوا عني بقيت عنده!..اضطراري للبقاء جعلني أدفع الثمن غاليا,فقد علمني تعاطي المخدرات,وأحضر العديد من رفاقه وتركني معهم...!!إلى أن فوجئت به في أحد الأيام وقد طلقني لأنه على ما يبدو اعتبرني شيئاً آن الأوان لرميه..!
كنت في حالة هستيرية عندما التقطني زوجي الحالي ولأنه طيب ورأف بحالي وأحبني عالجني عند العديد من الأطباء النفسيين وتزوجني,ولكنه وصل متأخرا وربما كان عليه أن يدفع هو الضريبة,لم أستطع أن أثق به ولا بأي رجل آخر وفي نفس الوقت لم أستطع الاكتفاء بزوجي تحولت إلى امرأة كل يوم لديها رجل جديد آخذ منهم المال أصرفه كيفما اتفق,طلقني زوجي مرتين, وكنت باستمرار أخاف من أن يطلقني للمرة الثالثة,حتى بعد أن أصيب بجلطة دماغية...
الدكتور بلال عرابي يرى أن أهم أسباب مثل هذه الحالات غياب الرقابة الأسرية وهي هنا السبب الرئيسي حيث توفي الأب وعاشت الأسرة بعد ذلك تفككا أسرياً وفقراً لاحل له..أو قد يكون نتيجة قرار خاطئ من قبل الأهل,كما نلاحظ في القصة المذكورة...
ويبين د.عرابي أن علماء الاجتماع يرون أن الأسرة المركز الأساسي لقيام سلوك صحيح عند الطفل,فنسبة تبلغ(70%) من المنحرفين الأحداث تبين أن سبب انحرافهم وجودهم في أسرة لا تمنحهم الحنان,فقدان الأهل ,انفصال الوالدين,قسوة زائدة... أما علم النفس فيرى الأسباب من منظور آخر, مثل العلاقات غير المتوازنة في الأسرة,كوجود اعتداء على الفتاة قبل زواجها أو كراهية شديدة للأب نتيجة معاملته أو العلاقة السيئة بينه وبين الابنة...
و يؤكد د.بلال انه في الدراسة التي أشرف عليها وأجراها قسم علم الاجتماع في جامعة دمشق حول ظاهرة البغاء تبين أن(87%) من البغايا مارسن البغاء بعد وفاة الأب ...,و(44%) من آباء البغايا متزوجون من زوجة أخرى.
وبينت الدراسة التي تناولت عينتها من معهد تربية حيث وجدت هناك أن الجريمة الأكثر تكرارا في انحراف الفتيات هي البغاء,فمن أصل(24)فتاة منهن(19)فتاة يمارسن البغاء ويبدأن بسلوكهم الانحرافي ما بين(18-22).والمفاجأة انه تبين أنه لا علاقة للمستوى التعليمي بانحراف الإناث.
كما أن غالبية الأسر التي فيها منحرفات مستواها الاقتصادي منخفض,ولكن لا يمكننا الربط بين المستوى الاقتصادي وانحراف الإناث لأن الأساس هو المنظومة الخلقية الموجودة في الأسرة.والمشكلة الكبيرة هنا أن المردود المادي كبير الأمر الذي له انعكاسات سلبية في ظل الإعلام و الدعاية الاستهلاكية الشديدة التي نعيشها في مجتمعاتنا,والتي تدعو لزيادة الطلب على السلوك الانحرافي.وللأسف عندما يصل الدخل اليومي لبعض البغايا إلى (35)ألف ليرة سورية فهنا نعيش مشكلة حقيقية علينا التعامل معها بجدية ومن خلال مختلف الوسائل.
المشكلة الأخرى التي نراها واضحة يؤكد د.عرابي.. تتعلق بأننا نضع اللوم على الأنثى مع انه ظهر لدينا في الدراسة الميدانية أن من يستغل الأنثى ومن يشغلها,ويقوم بتشكيل دعارة منظمة هم الذكور,لأن الأنثى لا تستطيع أن تعمل وحدها,خاصة وأنها لا تستطيع الدفاع عن نفسها تجاه المشكلات التي تعترض عملا ممنوعا.
-حالات عديدة شاهدتها خلال موضوعي لكن أكثرها تأثيرا حكاية (هدى)تلك الفتاة التي بدت لي تتلوى باحثة عن عزاء,فتجد كل شيء خاويا من البهجة,مقززا ..وكل شيء مستهلكا,مبتذلا..
حكايتي بدأت خاطئة حتى قبل أن أولد,فأمي التي لم تقبل بها بيئتها الفقيرة فلفظتها,لتتركها وحدها تئن في الحياة..أفقت لأجد هذه الأم التي لم تعلمني يوما ما يجب أن تكونه الفتاة في هذا المجتمع القاسي الذي لا يرحم,ولم يتمكن أبي الذي سحقت والدتي شخصيته من التدخل لإنقاذي بأي شكل..اعتقدت وأنا في سن صغيرة أن كل شيء مباح شرط الحب وفعلا أحببت احدهم..
أنا لم أكن أحبه فقط, بل كنت أراه جزءا من خبزي وجرعة من مائي وبعضا من حلواي,وألعابي,لقد أدمنته إدمان الطفل صدر أمه ولم أكن أريد أن أكبر..
آمنت به رغم كل بقع الزيت,وكل النفايات المتفاقمة,وكل الشائعات المحمومة, آمنت بلحظة انبثاق ,آمنت ببقايا الضوء المضطهد وبكل الحكايا الخرافية التي لم تولد بعد...
إلى أن أتى ذلك اليوم الذي عرف أنني أرغب بأن تتحول قصتي الخرافية تلك وبعد أن أصبحت عميقة جدا إلى حالة حقيقية دون أن أدري أن هذا الحلم سيدمرني! بعدها أصبح يتهرب مني..قلت له...لا أخشى إلا من شيء واحد أن تكون قد تغيرت وان تدمرني بتغيرك هذا...لم يكن يعنيه كل ماقلت انسحب وتركني مصعوقة, ولاأنسى مأساتي كنت ألهو بين كل حين وآخر مع بعضهم ووجدته لعبة مسلية وأفضل من الحب,الذي اعتقدت انه المنقذ,لهوي هذا كان يفيدني فأنا من جهة نسيت مأساتي ومن جهة أخرى كنت أستفيد من المال,الدراسة لم تعد تعني لي شيئا,ولا احد في المنزل يستطيع محاسبتي,كنت أسكتهم ببعض المال أرميه لهم وأعيش حياتي كيفما أشاء..
القاضي عبد الأحد سفر يقول إن القانون عرّف الدعارة بأنها الفتاة التي تعطي جسدها مقابل منفعة مادية, هذه المشكلة يقول القاضي سفر إلى جانب إفسادها للمجتمع,لها مخاطر صحية خطيرة لأنها تمارس في ظل غياب الرقابة الصحية, فممارسوها ينقلون أمراضا خطيرة مثل السفلس والإيدز...لهذا يجب معالجة هذه الظاهرة من مختلف الجهات المسؤولة.
ويكون العلاج بالدرجة الأولى بالتوعية والثقافة الجنسية منذ الطفولة وبالانفتاح الفكري, وبعدم الفصل بين النساء والرجال أيضا منذ الصغر لكي يتعلموا كيفية التعامل المنفتح القائم على أسس من الأخلاق الصحيحة والوعي الذي يكفل لنا مجتمعا سليما بعيدا عن الكبت بكافة أشكاله.
الأسباب النفسية التي يراها الدكتور عامر سمعان كامنة خلف هذه المشكلة لها علاقة بأسباب وراثية,أمراض تخفي وراءها انحرافاً,لها علاقة أيضا بأمراض مثل الوسواس,الهستيريا الفصام,اضطرا بات في الشخصية...
والعلاج النفسي في مثل هذه الحالات يهدف إلى إعادة تربية وتثقيف وتطوير الوجدان,إعادة التوعية والاستبصار,رفع المعنويات وترويض المخاوف وإعادة الثقة بالنفس والآخرين,وإدخال الشعور بالطمأنينة والأمن,وبجعل الفتاة عضوا مفيدا في المجتمع بدل أن يشعر بالغربة.
أما الدكتور.بلال عرابي فيرى الحلول تأتي أولا من خلال معاقبة المتعامل مع جريمة انحراف الفتاة لا الاقتصار على معاقبة الفتاة فقط بينما ينجو الشاب من فعلته.
إن المجتمع الذي يشدد العقوبة على الاتجار بالمخدرات عليه أن يشدد العقوبة لمن يتاجر بالأنثى,لأن الأنثى التي تنحرف تتعرض لإساءة مضاعفة واستغلال بسبب وجود عصابات تستغلها,وتنجو من العقوبة.كما رفع سن الزواج حتى الثامنة عشرة,بغية تمكين الفتاة من التعليم ومن الاختيار الصحيح للزواج.
ومن الحلول الهامة يؤكد على ضرورة معالجة مشكلة الفتيات المنحرفات, أينما وجدوا,وإذا كانت مهمة السجن الإصلاح والتهذيب,فيجب فعلا ترجمة هذه المقولة بحيث نحرص على خروج الفتاة من السجن بمنظومة خلقية جديدة,وأيضا بعمل مناسب,بذلك نكون قد ساعدناها أن تعود إلى حياتها السابقة بصورة لائقة.كما يجب فصل الجرائم عن بعضها منعا لتأثيراتها على الآخرين,وفصل النساء مروجي الدعارة عن البغايا,كما نطالب بألا تسلم الفتاة لولي الأمر أو الزوج إذا كان احدهم هو سبب المشكلة,لأنها تعود لنفس الوضع السابق.
الدكتور عزت السيد احمد يرى أن تعبير الانحلال الأخلاقي يصدق على كل السلوكات والممارسات الأخلاقية في آن واحد على الرغم من أنه يقصد به غالبا أيضا العلاقات الجنسية غير الشرعية بين الجنسين أو ما يمكن أن يسمى الحرية الجنسية,ولا يختلف الأمر عند الحديث عن الانحلال الاجتماعي فهو تعبير عام يصدق على كل القيم والعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية,وإن كان يقصد به غالبا أيضا العلاقات الجنسية غير الشرعية.
وبهذا الصدد يرى د.السيد أحمد أن العلاقة بين الرجل والمرأة وخاصة منها الجنسية,سواء أكانت شرعية أم غير شرعية هي قيمة اجتماعية أكثر مما هي قيمة أخلاقية ,وفي الحالتين فإنها في حال كونها غير شرعية,موجودة في كل الأزمان والمجتمعات,ولكن الذي يتغير ويختلف هو مدى علنيتها.
ولا يرى انه من الممكن القضاء على هذه الظاهرة بل كل المؤشرات تقول إن البشرية مقبلة على ثورة من تحرر العلاقات الجنسية.
وأخير... وبعيدا عن ظاهرة الدعارة يؤكد القاضي عبد الأحد سفر.. إننا طالما نعيش معا من عادات وتقاليد مختلفة فعلى كل منا احترام عادات الآخر وعدم إطلاق أحكام مسبقة دون فهم حقيقي لما يقوم به الآخر,وفهم ما يمكن أن يدرج في نطاق الحرية الاجتماعية..والتواصل الخلاق القائم على احترام أخلاقية الآخر ورؤاه الناتج اختلافها عن الاختلاف المناطقي لا أكثر.
المردود المادي لفتاة البغاء يتراوح بين الألف ليرة ... والخمسة وثلاثين ألف ليرة!
سعاد زاهر
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد