المخابرات الكندية: خزان المعلومات الهائل
الجمل: على خلفية الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإرهاب، برز اسم كندا، ولاحظ الرأي العام العالمي الوجود العسكري الكندي المصاحب للوجود الأمريكي البريطاني الغربي، والاسترالي في معظم مسارح الحرب ضد الإرهاب، وبالذات في أفغانستان والعراق.
التعاون العسكري الأمريكي- الكندي، هو مثل رأس جبل الجليد، وذلك لأن التعاون العسكري الأمريكي- الكندي يتوازى معه تعاون استخباري أمني كندي- أمريكي، هائل الضخامة والحجم، وبشكل يفوق كل التصورات.
• المخابرات الكندية: العمل الاستخباري والخبرة التاريخية:
تعود نقطة البداية في العمل الاستخباري الكندي إلى عام 1864م، عندما قام السير جون إيه ماكدونالد بإنشاء وحدة خفر للحدود الغربية، وكالة يتكون قوامها من قوة شرطة تقوم بالتفتيش عن طريق الرصد وتسيير الدوريات في كامل المنطقة الحدودية من مدينة تورنتو وحتى سارينا، وحدود كندا العليا، وخطوط سكة الحديد، وإعداد وكتابة التقارير الاستخبارية والعسكرية عن الحرب الأهلية الأمريكية التي كانت دائرة آنذاك، وأيضاً عن حركة فينياس الهادفة آنذاك إلى الإطاحة بالحكم الانكليزي المفروض على إيرلندا.
الجزء الشرقي من كندا كانت تقوم بالإشراف عليه وحدة بوليس مونتريال المائية، والتي كانت جهازاً فيدرالياً شأنها شأن وحدة خفر الحدود الغربية. وكانت الوحدتان تقومان برفع التقارير إلى السير جون إيه ماكدونالد.
في عام 1868م كوّنت الحكومة الكندية قوة شرطية للسيطرة، تضم 12 عضواً. وكان يقع على عاتقها مسؤولية خفر وحراسة المباني العامة، والقيام بتنفيذ الوجبات السابقة، التي كانت لوحدة خفر الحدود الغربية. ولاحقاً، تحت إشراف جلبيرت ماكميكين، وجوزيف كورسول أصبحت قوى السيطرة الشرطية تقوم بمهام العمل الأمني والاستخباري متى كان ذلك ضروراً، وفي فترة الحرب العالمية الأولى، تم تكوين جهاز بوليس السيطرة والسيادة، الذي ضم 140 عضواً، وكان يقوم بمهمة الأمن والبوليس السري.
في عام 1984م، حدث التطور الأكثر أهمية في العمل الاستخباري الكندي، وذلك عندما قامت السلطات الكندية بتمرير قانون برلماني ينص على إنشاء الخدمة الاستخبارية الأمنية الكندية، ولم يفسح هذا التشريع المجال أمام مولد الخدمة الاستبخارية الأمنية الكندية (CSIS)، فحسب، بل وأوضح مفصلاً الفرق بين طبيعة المهام في أنشطة استخبارات الأمن، وعملية تطبيق القانون، الأمر الذي وضع نهاية لفترة 120 عاماً من التداخل المتشابك بين طبيعة ومهام الخدمات الاستخبارية الكندية وطبيعة ومهام قوة الشرطة الفيدرالية الكندية.
وأعقب صدور القانون إنشاء جهاز المخابرات والأمن الكندي (CSIS).
• ولاية مهام جهاز خدمة المخابرات والأمن الكندي:
تقول إحدى الوثائق بأن مهام هذا الجهاز تتمثل في جمع وتحليل المعلومات العادية والأمنية والاستخبارية الواردة من داخل وخارج كندا، ثم تزويد السلطات الكندية بالتقارير والاستشارات المتعلقة بشؤون الأمن والمخاطر والتهديدات التي تواجه كندا. كذلك يقوم الجهاز بتقديم تقديرات الموقف الدورية والطارئة الاستثنائية للأجهزة والوكالات الفيدرالية الكندية.
• مذهبية جهاز المخابرات الكندية:
وفقاً لمذهبية جهاز الخدمة الاستخبارية والأمنية الكندية (CSIS)، فإن الأنشطة التي تشكل تهديداً للأمن الكندي، أبرزها في الآتي:
- الإرهاب: ويتمثل في استخدام العنف من أجل تحقيق الاهداف والغايات الدينية والأيديولوجية والسياسية.
- نشر أسلحة الدمار الشامل: تطوير برامج إنتاج أو الاستحواذ على الأسلحة الذرية والنووية، وغيرها من الأسلحة والوسائط المنصوص عليها في المواثيق الدولية باعتبارها أسلحة دمار شامل.
- التجسس: قيام الأطراف والجهات المختلفة، بأنشطة تهدف إلى الحصول على معلومات تتعلق بالأمن الكندي.
- الأنشطة الإجرامية العابرة للحدود: عناصر وأنشطة الجريمة التي يمكن أن تنتقل إلى داخل أو إلى خارج كندا.
- أنشطة النفوذ الخارجي: الأنشطة التي تسيطر عليها الكيانات والأطراف الخارجية.
توجد العديد من الأجهزة الأمنية والاستخبارية في كندا ومن أبرزها حالياً:
- جهاز خدمة المخابرات والأمن الكندي (CSIS).
- هيئة أمن الاتصالات (CSE).
- جهاز الشؤون الخارجية والتجارة الدولية (DFAIT).
- الأرشيف الوطني (NA).
- الدفاع الوطني (ND).
- مكتب حماية البنى التحتية الفائقة الحساسية والجاهزية للطوارئ (OCIPEP).
- المكتب السري لمجلس الوزراء (PCO).
- الأعمال العامد والخدمات الحكومية (PWGS).
- البوليس الحارس الملكي (RCMP).
- هيئة النقل الكندي (TC).
• عمليات جهاز خدمة المخابرات والأمن الكندي (CSIS):
- العمليات الداخلية: ويقوم الجهاز بتنفيذ العمليات الروتينية المتعلقة بحفظ الأمن الداخلي، كذلك يهتم الجهاز بفرض الرقابة الصارمة على المهاجرين وعمليات استيعابهم داخل المجتمع الكندي.. وفي الفترة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من أيلول 2001م، أصبح هذا الجهاز أكثر تشدداً وعدائية إزاء العرب والمسلمين.. لا بالنسبة للقادمين الجدد فحسب، بل وللمقيمين منهم، والذين حصلوا على الهوية الكندية وتم تجنيسهم واستيعابهم ضمن المجتمع الكندي.. وأصبحت تقارير وتوصيات هذا الجهاز تقف عائقاً أمام المواطنين الكنديين المسلمين أو الذين ينحدرون من أصل عربي، وتحول بينهم وبين تولي المناصب الهامة في الدولة الكندية.
- العمليات الخارجية: وتعتبر العمليات الخارجية للجهاز الأكثر أهمية وتركيزاً في عمله حالياً، وقد ساعد على ذلك، عدم انتباه دول العالم الأخرى، وبالذات دول العالم الثالث، مثل الدول العربية والافريقية والآسيوية والأمريكية الجنوبية، للأنشطة والعمليات الخطيرة التي تقوم بها المخابرات الكندية.. ليس للجهاز الكثير من العملاء في هذه البلدان، ولكن نشاطه يتمترس ضمن الشعارات والبعثات الدبلوماسية الكندية، وتتمثل خطورته في الدوائر المسؤولة عن الهجرة في سفاراته الخارجية.
تمثل طلبات الهجرة إلى كندا، المادة الدسمة التي يحصل منها الجهاز على الكثير من المعلومات، وعلى سبيل المثال نجد أن المتقدمين بطلبات الهجرة أو اللجوء إلى كندا، يتوجب عليهم ملء الكثير من الاستمارات، وإجراء الكثير من المقابلات.. وفي هذه الاستمارات والمقابلات يواجهون الكثير من الأسئلة والتفصيلات الدقيقة المتعلقة بالأوضاع الداخلية في بلدانهم.
كذلك نجد أن الأسئلة والاستفسارات التي تتضمنها الاستمارات والمقابلات يتم إعدادها وترتيبها بواسطة كبار المختصين البارزين بشؤون البلد المعين في جهاز الاستخبارات الكندي.
الكثير من الذين تقدموا بطلبات الهجرة إلى كندا، لاحظوا الدقة والتركيز والترتيب الشديد لاستفسارات الكنديين، والتي تشمل:
- الأوضاع الشخصية الخاصة.
- الأوضاع العائلية والأسرية.
- الأوضاع الدينية والطائفية.
- الأوضاع الاجتماعية والقبلية والاثنية.
- الأوضاع العملية، والمهنية، وبتركيز خاص على الخدمة العسكرية.
كذلك لوحظ أيضاً أن الأسئلة والاستفسارات المتعلقة بالخدمة الحكومية، تكون أكثر تفصيلاً، بما يغطي كل الاختصاصات ومهام وبنية العمل في المنشأة الحكومية التي عمل فيها طالب الهجرة. أما في حالة الخدمة العسكرية، فإن الأسئلة تشمل الكثير من الجوانب الحرجة والفائقة الحساسية، مثل رقم القطعة واختصاصها وطبيعة مهامها، ونطاق تمركزها.. وغير ذلك.
استطاعت المخابرات الكندية، عن طريق جمع وتصنيف المعلومات الواردة إليها عبر أجهزة الهجرة، أن تكوّن مخزوناً هائلاً من المعلومات الاستخبارية الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية والعسكرية.. ولما كانت كندا دولة ليس لها أطماع عدوانية أو تجارب نزاعات عسكرية مسلحة مع بلدان العالم الثالث، فقد أدى ذلك إلى عدم الاهتمام بالتداعيات الخطيرة لهذا المخزون المعلوماتي، ومن أبرز التداعيات الحالية –بحسب ما يقال- اعتماد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، وجهاز مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI)، وأيضاً الموساد الإسرائيلي (MOSSAD)، وجهاز الأمن الخارجي البريطاني (MI-6)، والأمن الخارجي الفرنسي على الكم الهائل من المعلومات الذي أصبح بحوزة المخابرات الكندية (CSIS).
تنتشر السفارات والبعثات الدبلوماسية الكندية في شتى العواصم العربية، وبإمعان النظر في هذه البعثات نلاحظ الآتي:
- كبر حجم البعثات الدبلوماسية الكندية بما لا يتناسب مع حجم المعاملات الدولية الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية بين كندا والبلد المضيف.
- وجود أعداد كبيرة من المواطنين تقف أمام أبواب هذه البعثات طلباً للهجرة واللجوء.
والنتيجة التي تظهر بوضوح تتمثل في أن طالبي الهجرة هؤلاء يقومون –تحت إغراء السفر والهجرة- بتقديم الكثير من المعلومات إلى مسؤولي السفارات الكندية، بشكل بريء وعفوي، خاصة وأن الأسئلة والاستفسارات يتم طرحها عليهم بشكل بريء وعفوي.. وربما يتم بواسطة أحد موظفي السفارة من نفس البلد المضيف، الأمر الذي يزيد من طمأنينة طالب الهجرة.
لقد أدت مخزونات المعلومات إلى جعل كندا تمثل شريكاً هاماً للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، وهي معلومات حصل عليها الكنديون بالمجان.. وما كان ذلك ليحدث لو أدرك الراغبون بالهجرة حقيقة الاستهداف الكامن في أسئلة استمارات واستفسارات مقابلات الهجرة إلى كندا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد