(17 أيار) جديد؟
تأتي ذكرى الاتفاق المشؤوم مع إسرائيل هذه السنة ولبنان في محنة وظرف عصيب، تراودنا فيه هواجس ومخاوف بسبب تعرّضه من جديد لمحاولات عديدة ولضغوط شديدة لكي يغيّر توجهاته السياسية الخارجية، فيخرج من موقع الممانعة ومقاومة إسرائيل لينخرط في المشروع الأميركي الصهيوني للتسوية في المنطقة. ولنا على ذلك الإشارات والدلالات التالية:
أولاً: إن أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 شكّلت نقطة تحوّل مفصلية في جرأة الإدارة الأميركية الجمهورية (والمحافظين الجدد) على تنفيذ برنامج هيمنتها الأحادية على العالم، كما وفرت لها الذرائع والحجج لتقوم بمغامرتها هذه. فكانت أولاً الحرب الأفغانية التي رافقتها سهولة في إقناع العالم بتأييدها، كما مهّدت سهولة الانتصار فيها، وسرعته، للخطوة التالية. إلا أن غزو العراق كشف عزلة الإدارة الأميركية، فلم يتأمّن الدعم الدولي لها، باستثناء دعم بعض الدول التي تدور في فلكها، أو التي تمت رشوتها. ورغم ذلك، ورغم الفشل والتخبّط اللذين تجد الإدارة الأميركية نفسها فيهما في العراق (وربما بسبب ذلك!) تابعت أميركا مخططاتها العدوانية على منطقة الشرق الأوسط. فشكّل لبنان أحد أهم أهدافها، بنفسه وبحد ذاته، وكمنصة للانطلاق الى باقي دول المنطقة. فكان قرار الرئيس بوش التنفيذي الذي فرض عقوبات اقتصادية على سوريا بتاريخ 11/5/.2004 وتبع ذلك قرار مجلس الأمن الشهير ذو الرقم 1559! واللافت، والمثير للريبة، أن اغتيال الرئيس رفيق الحريري سمح للإدارة الأميركية (ولحلفائها) بأن تستغل هذه الجريمة البشعة بكفاءة عالية جداً للضغط في اتجاه تغيير سياسة لبنان الخارجية ولخدمة أهداف الهيمنة الأميركية على المنطقة. ولمّا يزل!!! وكنا قلنا في حديث سابق لنا مع مجلة أسبوعية محلية نُشر بتاريخ 17/6/2005 ما حرفيته: «ان اتفاق 17 أيار كان ولداً مهذباً أمام ما هو آت اليوم. ذلك الاتفاق الذي حصل في عام 1983 هو شيء لا يُذكر أمام ما يُحضّر للبنان...».
ثانياً: لا يخفى ما للضغوط الأميركية، المصحوبة بالضغوط الغربية والدولية، والمستمرة منذ فترة بصورة شبه يومية تقريباً، من تأثير كبير في خلق مناخ عام مؤات لقيام مزاج شعبي يحرّض على المقاومة، وعلى سوريا وإيران، وعلى العرب والعروبة، ويقول، في حده الخجول، إن «لبنان أولاً». أما متى تحرّر من الخجل، فإنه يجاهر بضرورة إعلان حياد لبنان في الصراع العربي الإسرائيلي، ليصل في ذروته إلى نزع صفة العدو عن إسرائيل وصولاً إلى اعتبار سوريا عدواً!!! نحن نفهم أن تمارس بعض الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، مثل هذه الضغوط، لأن في ذلك ما تعتبره خدمة لمخططاتها ومصالحها. أما أن تُستغل الأمم المتحدة، فتُستعمل كأداة لذلك، فأمر مشين يحط من قيمة وسمعة المنظمة الدولية ويضعف فاعليتها. فالسيد تيري رود لارسن ما برح يوسّع نطاق مهمته بانتظام، فيتحفنا مثلاً بضرورة التزام سوريا ولبنان ترسيم الحدود بينهما وإقامة علاقات دبلوماسية. حتى وصل الأمر أخيراً إلى مشروع قرار لمجلس الأمن يطالب بذلك! وهنا نسأل: هل سبق للأمم المتحدة أن طلبت من دولتين عضوين أن تقوما بمثل ذلك؟ وهل هذا من ضمن صلاحيات الأمم المتحدة أم هو أمر سيادي يعود لقرار مستقل للدولتين؟ ولماذا، مثلاً، لا تطلب الأمم المتحدة من الولايات المتحدة وأوروبا أن تعترف بحكومة حماس التي جاءت نتيجة انتخابات ديموقراطية نزيهة، وأن تسهّل وصول المساعدات العينية والمالية للفلسطينيين؟ وماذا، مثلاً، لو طلب كاسترو، أو «طاولة الوفاق الوطني المستديرة» في كوبا (!) أن تقيم الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية معها؟ وهل، مثلاً، بعد صدور قرار كهذا، سننتظر أن تتحفنا الأمم المتحدة بقرار جديد، باقتراح من الولايات المتحدة، وبدعم من فرنسا وبريطانيا كالعادة، يطلب منا أن نقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل؟؟؟ أو يحدد، مثلاً، نوع وعمق العلاقات العربية الإسرائيلية المطلوبة ويفرض التطبيع؟؟؟ وما الذي سيحول دون ذلك ويمنع حصوله؟ إن هذا فعلاً أقرب إلى الهيمنة والسيطرة الدولية منه إلى القانون الدولي!
ثالثاً: إن الضغوط الغربية، وبالتالي الدولية، على لبنان، قد بدأت تفعل فعلها مع الأسف. وآخر مظهر فاقع ومشين لذلك كان سفر وفد يمثل فريق 14 شباط إلى أميركا لتكريم مندوبها في الأمم المتحدة، اعترافاً بدوره، وبدور من يمثل (!؟) في دعم «ثورة الأرز»! وهكذا، يبدو أن فريق الإدارة الأميركية المتصهين قد صار له فرع لبناني. فإذا كان الفريق الأميركي يُعرف بفريق «المحافظين الجدد»، فما هي التسمية المناسبة لفرعه اللبناني الذي يعمل على إعادة إحياء الاتفاق الأياري؟ على كل، فكما سقط اتفاق 17 أيار وسقط معه فريقه في السابق، فإنهم لا بد ساقطون من جديد، بإذن الله!!!
الياس سابا
المصدر : السفير
إضافة تعليق جديد