رحلة مع القديس أوغسطين فيلسوف هيبو والكنيسة الغربية 1

13-12-2020

رحلة مع القديس أوغسطين فيلسوف هيبو والكنيسة الغربية 1

Image
 مع القديس أوغسطين فيلسوف هيبو والكنيسة الغربية 1

كان مفعمًا بروح الحياة ومتعها، ومن الشباب السالكين لمبدأ اللّذات، ركض وراء تيارات اللهو والمجون منذ مراهقته لكن من دون أن ينسى الخوض في مسائل العلم والبيان فانقسمت حياته شطرين. كان منتفخًا بكبريائه ذاك الجسديّ والثقافيّ، قبل أن يجد الله في ذاته والعالم ليتحول بعدها إلى أحد أعظم أعلام الكنيسة الغربيّة المسيحيّة.

تعد كتاباته من أول الكتابات التي تناولت اللّاوعي وأعماق الإنسان النفسيّة، كما كان من أوائل المتحدثين بالكوجيتو قبل ديكارت*، قامت فلسفة ومدرسة القرون الوسطى على أحافير منهجه الفكريّ.

قال عنه الفيلسوف الأمريكيّ ويليام جيمس* أنّه أول إنسان عصري، ولقد رأى جاليليو* مؤلفاته منفذًا وطريقًا لكسب الدعم الكنسيّ لعلومه.

يعد القدّيس أوغسطين من بين أبرز الشخصيات المسيحيّة حيث يعتبر مؤسس نظام الرهبنة والفكر الغربي اللاهوتيّ. وفي هذه الرحلة سنتعرف على سيرته الذاتيّة وبعض من أفكاره بشكلٍ مختصر جدًا في جزأين.


طفولته:

ولد القدّيس أوريليوس أوغسطين (الملك الصغير) سنة 354 في مدينة «طاغست»، حيث تُعرف الآن بولاية «سوق أهراس» بشرق الجزائر، وكان من أسرة متواضعة وبسيطة، لأم نوميديّة تقيّة تدعى مونيكا عوّدته منذ نعومة أظافره على زيارة الكنيسة كما كانت تجتهد في تعليمه المسيحيّة وضخ حبها إليه، غير أنّ أوغسطين لم يكن يحفل بهذا الأمر فقد كان مهتمًا بنفسه وما يميل إليه فكره، كما كان يظل مشغولًا في لفت انتباه الفتيات حتى في الكنيسة. 

أما والده الرومانيّ باتريك الذي كان يملك بعضًا من قطع الأراضي فقد كان وثنيًّا كما كان زوجًا صعب المراس مُرهِقًا لزوجته التي تحملته إلى آخر سنوات حياته التي تحوّل فيها إلى المسيحيّة، وبذلك فإنّ القديس أوغسطين كان نسبه جامعًا للدم الإفريقيّ مع الرومانيّ إذا صح نسبه وذو ثقافة لاتينيّة أيضًا، وفيما يخص إخوة أوغسطين فقد كان لديه شقيق وشقيقة لا تُعرف أعمارهم بالضبط وكذا رتبته العمريّة بينهم. 

كان تعليم أوغسيطن في بلدته طاغست بسيطًا وممتلِئًا بالقسوة الشيء الذي جعله يمتعض من دراسته ومن المعلّمين الذين كانوا مكلفين بتدريسه، إلى أن قام بتغيير المكان نحو «مداروش»، وهي بلدة أخرى في سوق أهراس، وقد استطاع أوغسطين في خضم كل ذلك الوقت تثقيف نفسه بنفسه من دون الاعتماد فقط على تلك الدراسة وأسلوب البعض في تدريسها الذي لا يغني ولا يسمن من جوع كما رأى ذلك،ومع أنّه درس اليونانيّة إلا أنّه سرعان ما مال إلى اللاتينية فهو يقول متسائلًا «لأيّ سبب يا ترى كنت أكره اليونانيّة؟».

كما كان أوغسطين وهو المثقف الذي كان واسع المعرفة ومحبًا للتعلُّم مُطَّلعًا على عدة مجالات من تاريخ و آداب وعلوم وطب وقانون لفلاسفة ومؤرخين وقانونيّين من أمثال شيشرون*، فيرجيل*، سالوست* وأرسطو* وأفلاطون* مع أفلوطين*. وبذلك فقد كان من أكثر التلاميذ تميّزًا.

شبابه:

حاول والد أوغسطين أن يوفر لابنه مصاريف دراسته حين بلغ سن المراهقة فقد كان يود رؤيته مثقفًا وناجحًا بين الناس أكثر من رؤيته متزوجًا أو مقرّبًا من الله كما قال بذلك أوغسطين، لذلك فقد كان يعد له المال لإرساله إلى «قرطاجنة» (تونس)، كما أعد له سابقًا حين ذهب إلى مداروش، إلا أنّه لم يكن في وسعه تحقيق مبتغاه الأخير بسبب تواضع ثروته وما يملك.

لكن رغم صعوبة التكفُّل بمسؤولية انتقاله إلا أنّ أوغسطين سافر إلى قرطاجنة للالتحاق بمدرسة البيان بسبب تمويل ماليّ من جاره رومانيانوس الثري، كما اتخذ له هناك خليلة عاش معها أربعة عشر سنة. 

لقد كانت حياة أوغسطين حياة شابٍ متهورٍ وطائشٍ عارفٍ لحياة الشهوات والمتع الدنيوية حيث لا محاولات والدته قد أسعفته ولا علمه الغزير من أن يعيش بذلك الشكل، فقد خاض عدة علاقات جنسيّة مع عدة فتيات منذ أن كان في السادسة عشر، كما كان يعيش في مجتمع يتفاخر الرجال فيه بأعضائهم التناسليّة ومغامراتهم الحميمية واحتكاكه بهم، ناهيك عن شهادة والده حين لحظ جسده الناضج الذي ينمو و سعادته به، عكس والدته التي كانت تحذره دومًا من احتمالية الوقوع في الخطأ. 

لقد أثمرت علاقته مع صديقته بطفل أسماه أديوداتوس (عطية الله) وقد كان طفلًا فطنًا وذكيًا محبًا للمعرفة كوالده أوغسطين غير أنّه توفي في شبابه. 

لقد كان أوغسطين أشبه بشخص مزهو بثقافته لا يريد شيئا غير التفوق في مدرسته بقرطاج كما لم يستطع الانقطاع عن حياة المجون التي كان يعيشها مع الفتيات وأصدقائه أو مع عشيقته تلك، كذلك عدم اهتمامه الفعليّ بالمسيحيّة والكتاب المقدّس إلى مجيء أحد الأيام التي قام فيها بشراء كتاب من مال والدته لشيشرون وقرأه حيث وعلى غير العادة أثّر الكتاب فيه بطريقة مختلفة كما حضّه على التفكير وهو في التاسعة عشر من العمر في قراءة الكتاب المقدس. 

لقد كان أوغسطين نهمًا للعلوم والآداب اللاتينية فقد كان يقرأ عدة أعمال متنوعة كما ذكرنا سالفا، الشيء الذي نتج عنه نفور من لاتينيّة الكتاب المقدس وعدم إعجابه به حين قرر تفحصه بإمعان، حيث كانت ترجمة أوليّة وبدائيّة من مبشرين مسيحيّين.

اعتنق أوغسطين المانويّة* في نفس سنة قراءته الكتاب المقدس وبقي فيها لتسع سنوات كاملة بعد أن تعرّف على الفلك والثيوصوفيا. وهو يعتقد في هذه العقيدة أنّها مجرد مسيحيّة أيضًا. 

لقد تأسست المانويّة على يد النبي ماني في القرن الثاني ميلاديّ وقد قامت على ثنائيّة الخير والشرّ، النور والظلام اللذان يتصارعان، حيث المادة هي الشرّ والنفس هي الخير، وبذلك فقد احتقرت المانويّة الجسد والجنس باعتبارهما موضوع الشرّ أما النفس فإلهيّة.

لقد كان على كبار رجال المانويّة عدم ممارسة الجنس أما العوام المسمون «سماعين»، فكان من العادي أن يتزوجوا ليبقى نسلهم ويتجنبوا الزوال، وبما أنّ أوغسطين كان من هذه الفئة الأخيرة فقد كان بإمكانه ممارسة الجنس خاصة أنّ نزعاته الجنسيّة تمنعه من معاداته.

لكن دوام الحال من المحال حيث إنّه سرعان ما سارع الشطط طريقه إليه ليبحث عن الحق فقد كان يتعذب من أسلوب حياته التي أنهكت روحه كما يقول في سيرته، بحيث كان يتوق وقتها إلى أن يحيا ويسلك طريق الطهارة من جهة لكن من جهة أخرى لم يقدر على مقاومة ذلك حيث كان يقول: هبني الطهارة يا ربي لكن ليس الآن. 

لقد كان أوغسطين يجمع بين إرادتين هما إرادة حب الحياة والمجون وإرادة حب الله والطهارة، كما كانت مهاراته اللغويّة والأدبيّة واسعة حيث جعلته يتفحص أي دعوى بعد تدقيق وتمحيص في فترة طويلة.

تحول حياته:

زاد شكّ أوغسطين حين غادر قرطاجنة إلى روما وتعرَّف أكثر على «الأفلاطونيّة المحدثة*» التي أثّرت في فكره بطريقة كبيرة وزعزت عرش المانويّة في قلبه غير أنّه ظل بِصلة مع المانويّة وهو ينتقد المسيحيّة الكاثوليكيّة ساخرًا من أساقفتها البسطاء حسبه.

ثم انتقل إلى مدينة ميلانو هناك متقلِّدا منصب أستاذ للفصاحة مع أحد أصدقائه حيث كانت صحته تتدهور بسبب مرض الربو، كما سمع عظات أمبروسيوس* لأوّل مرة وتفسيره الكتاب المقدس بطريقة تعتمد على الأفلاطونيّة التي تأثّر بها أوغسطين حيث إنّه في تلك الفترة وجد ضالته في عودته إلى المسيحيّة الرسمية تدريجيًّا وببطء، فقد كان يرى في الأفلاطونيّة والمسيحيّة تشابهًا فالأفلاطونيّة اكتشفت الله كما قدّمته لنا المسيحيّة، خاصة خيبة أمله تلك حين قابل أحد كبار المانويّة الذي كان يسمى فاوست وطرح عليه تساؤلاته فلم يجد فيه أوغسطين سوى رجل يعرف البيان أكثر من الإقناع، الشيء الذي جعله يشكّ في العقائد المانويّة التي كانت تشوبها الخرافة. 

لقد سافرت إليه والدته بعدها حيث نصحته هناك بترك شريكته الجنسيّة التي سرعان ما افترق عنها وخطب غيرها حيث كانت فتاة قاصر أراد أن ينتظرها سنتين ليُتم زواجهما، غير أنّها لم تستطع أن تستميل قلبه فسارع لخليلة أخرى. 

لقد كانت هناك نقطة جذريّة في حياة أوغسطين جعلته متمسكا بالمسيحيّة أكثر وعارفًا المسيح والله على وجه حق وقد ضمها في كتابه «اعترافات»، الذي يتناول سيرته الذاتيّة، حيث إنّها باختصار قصة حدثت في يوم كان فيه مع أحد أصدقائه بأحد البساتين، لتجتاحه فجأة مشاعر قويّة باذخة ومسرفة في الشدة جعلت دموعه تنهمر حتى سارع في الابتعاد عن صديقه مختليًا لوحده. 

وهو يسأل الله: «و حتى أنت يا مولاي حتى متى؟ حتى متى، مولاي ستغضب؟» ، ليسمع صوتًا غير معروف الجنس صبيًا كان أو فتاة يقول: خذ اقرأ، خذ واقرأ. 

رجع أوغسطين إلى حيث ترك صديقه هناك مع كتاب يحتوي على رسائل بولس ففتح الكتاب للمرة الأولى بكل مشاعر صادقة على عكس المحاولات السابقة باحثًا عن الحق وهو متيقن أنّ ذلك الصوت ما هو إلا صوت الله يظهر له نفسه، وأول ما وقعت عليه عيناه هي هذه الآية لبولس «لا بالبطر ولا السكر، لا بالمضاجع والعهر، لا بالخصام والحسد بل البسوا الرّب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيرًا للجسد من أجل الشهوات».

هناك شعر أوغسطين بالسلام يسود قلبه كما لم يعشه من قبل بعد تعب وكفاح لأجل البحث عن الحقيقة والشعور بالله داما لسنوات، ومن هناك تحدّد مصيره بما هو خادم للرب.

استقال أوغسطين من مهنته تلك منعزلًا بذلك مع عدة أشخاص كما اتخذ أهم قرار في حياته و هو الابتعاد عن فكرة الزواج كليًّا والعلاقات الحميميّة. 

وبعد ثمانية أشهر سنة 387 قام أمبروسيوس بتعميده مع ابنه أديوداتوس حيث سرت به والدته وهي الأم التي لطالما كانت تقف معه وتحضه على تقبُّل نعمة المسيح وقد تم إعارتهم منزلًا في مدينة «كاسيكاسيوم» (إيطاليا) مع والدته وأصدقائه، وفي هذه الفترة كان والده قد توفي منذ سنوات عديدة. 

وهناك كتب وعدَّة كتابات تتجلى فيها النزعة المسيحية أكثر خاصة محاورات كاسيكاسيوم التي بحثت في طبيعة السعادة، الفنون، القدر والخلود. 

غير أنّه في طريقه إلى شمال إفريقيا بعد وقت معيّن من تعميده وفي بلدة «أستيا» (إيطاليا) مرضت والدته هناك مفارقة الحياة في ذلك المكان بعد أن منحته كلما تملك من رعاية وحب ودعوة إلى قبول المسيح وقد حلّت عليه تلك الأيام كالصاعقة فكانت أسوأها وأقساها على فؤاده، حيث يسرد فيها أوغسطين عن أحد المرات التي كانت والدته في آخر أيامها هناك تهيَّأ لمثواها الأخير بكل قبول ورضى حيث يقول: «لمحتنا أنا وأخي واقفين بالقرب منها فقالت لنا وكأنّها تبحث عن شيء أين كنت؟ ثم أضافت ناظرة إلينا ونحن مذهولان في كربتنا، هنا ستدفنان أمكما»، “كنت أنا ساكنا أكبح جماح دموعي أما أخي فقد قال كلمات يُفهم منها إنّه كان ينبغي ألا تموت في بلاد الغربة”. 

بعد عدة أيام غادرت روح مونيكا جسدها وهي تبلغ من العمر ست وخمسون سنة بينما كان هو في الثالثة والثلاثون. أين ملأ القلب حزنه و هو الابن الأكثر تعلّقا بها، كما كانت حسبه أيقونة للأم المسيحيّة الرحيمة التي تبذل الخير لأبنائها حتى آخر رمق. 

لقد كان من المهم والمفرح أن يذكر أوغسطين في سيرته أّن والدته توفيت راضيةً عنه حيث إنّها لم تسمع أي كلمة عنيفة أو سيئة تصدر من ابنها رغم تمرده وطيشه إلى أن توفيت.

ولو أنّ بوسعي إبداء رأيي في أوغسطين سأقول: أنّ أكثر من أثَّر فيه هم أربعة بدءًا من والدته مونيكا ثم أفلاطون وأفلوطين والقديس أمبروسيوس وإلى جانبهم قراءته للكتاب المقدس.

مسيرته العمليّة:

لقد رجع أوغسطين إلى شمال إفريقيا حيث كانت تلك وجهته الأخيرة وبالضبط في طاغست حيث أسّس هناك أوّل مجتمع رهبانيّ في إفريقيا أسماه ب «مجتمع الإخوة»، حيث بقي فيه مدة سنتين ونصف قبل مغادرته كما ألَّف عدة كتب، وقد كان الأخوة في هذه الجماعة ذو ثقافةٍ واسعةٍ تناسبت مع ما يرجوه أوغسطين فقد كانوا يتناقشون في الفلسفة والأدب والدين ويتشاركون العبادات وقراءة الكتاب المقدس حيث تقاسموا الأعمال والمهام التي كانوا موكلين بها غير أنّ الأمر لم يكن رسمي فيها بينهم أي في عدم وجود أزياء رسمية تفرض عليهم أو مواثيق وعهود. 

في سنة 391 غادر أوغسطين إلى هيبو (عنابة، الجزائر)، حيث تم ترسيمه كاهنًا هناك قبل أن يصبح أسقفا بعد خمس سنوات فقط وفي تلك الفترة شرع في تأليف كتابه المهم «في الثالوث»، كما ظل مهتمًا بالدراسات الفلسفيّة وتفرَّغ لتفسير الكتاب المقدس، ورغم كل ما حدث فإنّ أوغسطين لم يرغب في أن يكون كاهنًا أو أسقفًا أكثر مما أراد أن يكون ناسكًا متعبدًا كما كان متقشفًا وزاهدا في حياته، وقد بنى أوغسطين في هيبو ديرا في حديقة الكنيسة حيث صار يقطن فيه مع رجال دين كبار شاركوه إياه وقد اهتموا بالأعمال المنزليّة أو العمل ككتاب للتجار كما كان الدير يستقطب المرضى كذلك ومن يحتاج إلى المساعدة، ثم تمَّ بعد ذلك إنشاء دير النساء الراهبات التي أشرفت عليه شقيقة أوغسطين المترمِّلَة. 

كان من مهام الدير مساعدة المحتاجين والفقراء، لدرجة أنّ أوغسطين في يوم من الأيّام لجأ إلى بيع أواني الكنيسة ليخرج أشخاصًا من السجن،  كما كان من أكثر الناس الذين يمقتون تجارة الرقيق حيث كان في كل مرة ينتهز الفرصة ليعتق عبيدًا عبر خزينة الكنيسة، ناهيك عن اتباعه طريقة تقشفية في الحياة ومحاولة تطبيقها على الجميع كما ذكرنا. 

لقد رأى أوغسطين أنّ اختلاف طبائع الناس السيئة الذي يأتون للتعلّم أو التعليم يجب أن تتوقف فهو يرى أنه في كل مجال هناك خداع حتى خدام الرب نفسهم فهناك الذين لا يريدون أن يتقشفوا ويزهدوا وهناك أيضًا من يتلاعب بخزينة الكنيسة أو يرى مكانه الكهنوتيّ مجرد منصب ومظهر ومصلحة دنيوية فقط، كما رأى أنّ الأشخاص الذين يتملقون الكهنة مخادعون وسيئون، ولهذا كانت تعاليمه صارمة للجميع بغية الانضباط وتأدية الواجب كما ينبغي، بما في ذلك كتابته لنسختين من التعاليم واحدة رجاليّة والأخرى نسائيّة لما يجب عليهم فعله من احترام التشريعات والرتب الكهنوتة التي لا تزال إلى الآن معتمدة. 

في ذلك الوقت كان الدوناتيّون بأعداد كبيرة في إفريقيا عكس الكاثوليكيين،  والدوناتيون مسيحيون منشقون عن الكنيسة الكاثوليكيّة لا يعترفون بها ويرون نفسهم الممثلين والمؤمنين الحق، كانوا مسيحيين عاديين غير مهرقطين لكن منشقين حيث كانوا يقومون بتعميد المسيحيين المنضمين إليهم للمرة الثانية، كما قاموا بشن غارات وهجمات شملت الجميع وحتى المباني وقتها لم تسلم من تخريبهم، كما لم يسلم منهم حتى أوغسطين حيث حاولوا اغتياله في أحد المرات. 

لقد رأى أوغسطين في ذلك وجوب استخدام القوة لصدهم حتى لا يأذوا أحد مع أنّه كان يرى في العنف مجرد سلب فقط، كما كان ضد تعذيب الناس فهذا ضد كرامة الإنسان كما يرى وشن الحروب أيضًا، غير أنّ كتاباته لاحقًا تم استعمالها على يد رجال الدين في العصور الوسطى لاستغلالها في تبرير ما كانت تفعله الكنيسة من أعمال وحشيّة ضد كل شخص يخالفها. 

و لأنّ أوغسطين كان مانويًا في فترة من حياته فقد ظل الكثيرون يشكّون في بقاءه مانوي وهدايته إلى الحق، خاصة مدحه للبتوليّة أكثر من الزواج أو خوضه في أمور معينة اختصت بالجنس كان يقدمها في كتبه. 

إلا أنّ مثل هذه الادعاءات سواء من خصومه أو من آخرين لا تعدو إلا أن تكون مجرد تشكيك سطحي فقط لفلسفته أو فقدان الثقة به أو محاولات مغرضة لإسقاطه بعد أن حقق إنجازات لم يحققها أحد غيره بشمال إفريقيا في فترته.

 


سارة عمري - المحطة 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...