الأخبار: العسكر والسياسيون يتداولون بطولة «رواية اسمها سورية»
كيف تشكَّل الوعي السوري المعاصر؟ ومَن هي أبرز الشخصيات التي أسهمت في تشكّله خلال القرن العشرين؟ هذا السؤال يطرحه نبيل صالح في مقدمة «رواية اسمها سوريا» (إصدار خاص ـــ دمشق). الكتاب الذي جاء في ثلاثة مجلّدات، يطمح إلى رسم خريطة سياسية وفكرية وثقافية شاملة، من خلال استعادة سير مئة شخصية سورية وجدت نفسها فجأة في خضم الأحداث العاصفة... وإذا بها تصنع تاريخ البلاد وهويتها. تلك اللحظة التراجيدية لم يخترها أي من هؤلاء الأبطال تماماً، بل قادته إليها ظروف البلاد... فكان أن اعتلى منصّة التاريخ، ليقول كلمته ويسجّل موقفه ويعلن أمثولته للأجيال اللاحقة.
أسهم في إعداد الموسوعة نخبة من الكتاب والباحثين لتكون مرآةً شاملة تعكس أطياف الحياة السورية في مختلف نواحيها، منذ بزوغ القرن العشرين حتى اليوم. هكذا تتجاور شخصيات متناقضة، ومتنافرة في اتجاهاتها وظروفها وتوجّهاتها الفكرية والسياسية... علماً بأن الموسوعة تحاول التأكيد على لحظة مفصلية، جعلت هذه الشخصية أو تلك في موقع القرار أو التأثير، من أبي خليل القباني وعبد الرحمن الكواكبي وسلطان الأطرش إلى عبد السلام العجيلي.
ويلحظ أنّ معظم الشخصيات المختارة تنتمي إلى حقل الإبداع الأدبي والفني، وهو ما يستدعي سؤالاً ملحّاً: هل الأدباء والمفكرون هم من شكّل وعي السوريين حقاً، أم رجالات السياسة والعسكر؟ الذين أسهموا فعلاً في إحداث منعطفات حقيقية في مصير البلاد، هم في حقيقة الأمر، سياسيون وقادة انقلابات وشهداء واجب. هؤلاء معاً شكّلوا فسيفساء الخريطة السورية في تحولاتها الدراماتيكية. ويشير محرر الموسوعة نبيل صالح إلى أنّه أراد لعمله أن يكون أقرب إلى البناء الروائي في التركيز على اللحظة الدرامية لهذه الشخصية أو تلك، سواء أكانت إيجابية أم سلبية في صناعة التاريخ الحديث للبلاد، موثَّقةً بالمراجع والشهادات.
لكن يؤخذ على الموسوعة غياب المنهجية الواضحة في اختيار الأسماء، وغياب أسماء شخصيات كان لها دورها الريادي في بناء الدولة الحديثة، سواء في حقل العمل القانوني أو المجتمع المدني... وحتى الصناعي، ما دام هدف المشروع هو توثيق أسماء «المئة الأوائل» ممن أسهموا في تشكيل الوعي، وليس مجرد انطولوجيا تخضع لشروط تاريخية في المقام الأول، فلا يُعقل أن تحضر أسماء عشرات الأدباء مثل نديم محمد وحبيب كحالة وسعيد حورانية، ويغيب اسم أسعد الكوراني مثلاً، وهو من كتب الدستور الأول للبلاد بعد استقلالها عن الحكم العثماني، أو اسم رائد صناعة النسيج في سوريا، وأسماء علماء ومهندسين وسينمائيين أدّوا أدواراً أساسية في بناء المجتمع المعاصر. كأنّ سوريا في نصف القرن الأخير لم تنتج سوى الانقلابيين والأدباء. وإذا كان العسكر قد أسهموا فعلاً في تاريخها المعاصر مثل حسني الزعيم (بطل الانقلاب السوري الأول) أو أديب الشيشكلي (رمز الديكتاتورية العسكرية)، فلا يخيّل لنا أنّ أدباء وإعلاميين وفنانين مثل هاني الراهب ونهاد قلعي وعبد الباسط الصوفي وتيسير السعدي، تركوا بصمة أو منعطفاً في تفكير السوريين خارج محيط النخبة الضيقة. وهذه النخبة، لم تكن مؤثرة يوماً. ولعلّ في هذه الخريطة المرتبكة للأسماء، إشارةً إلى غياب المعايير العلمية الصارمة في إعداد الموسوعة.
هذه الملاحظات لا تقلّل من شأن الموسوعة وأهميتها الوثائقية، خصوصاً أنّها الأولى من نوعها، لجهة نبش تاريخ سوريا الحديث عبر شخصيات أدّت أدواراً أساسية في توجيه مصير البلاد، منذ أن أسّس أبو خليل القباني (1833ــــــ1903) أول مسرح في سورية (1878)، قبل أن يُتهم بالبدعة والفسق والفجور ويأمر السلطان العثماني بحرق مسرحه... إلى يوسف العظمة (1848ــــــ1920) الذي قاد معركة ميسلون في مواجهة المستعمر الفرنسي واستشهد فيها، وكان مدركاً أنّ المعركة خاسرة، وأنّه ذاهب إلى الموت. أما عبد الرحمن الكواكبي (1848ــــــ1902)، فتتجلى أهميته في تراثه التنويري ومواجهته الاستبداد العثماني. والكواكبي الذي مات مسموماً في القاهرة، يمكن اعتبار كتابه «طبائع الاستبداد» من اللبنات الأساسية في صرح العقلانية العربية.
في مواجهة الاستعمار الفرنسي، سيصعد إلى المنصة شكري القوتلي (1891ــــــ1967)، رجل الاستقلال وأول رئيس للجمهورية، بعد جلاء القوات الفرنسية من البلاد (1946). وستنتهي رحلته التراجيدية على يد حسني الزعيم، قائد أول انقلاب عسكري في سوريا، لتدخل البلاد فوضى الانقلابات المتلاحقة... وصولاً إلى الوحدة السورية ــــــ المصرية وصعود نجم جمال عبد الناصر وانتهاء بهزيمة حزيران/ يونيو (1967).
ذيول هزيمة حزيران ستقود شاباً متمرداً هو ياسين الحافظ (1930ــــــ1978) إلى المعتقل إثر تحليله أسباب الهزيمة وآلياتها، وإدارة ظهره إلى حزب البعث ومعلّمه ميشيل عفلق. أسس الحافظ «حزب العمال الثوري العربي»، داعياً إلى بناء يسار عربي جديد من موقع نقدي صارم يقوم على العقلانية والعلمانية. وسوف ينتهي صاحب «الهزيمة والأيديولوجيا المهزومة» من سجن إلى آخر، إلى أن توفي في بيروت بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان.
ومع صعود الرئيس حافظ الأسد (1930ــــــ2000) إلى السلطة (1970)، سينتهي زمن الانقلابات في سوريا، ويعود الجيش إلى ثكناته ويتفرق أصدقاء الأمس. كان على الأسد أن يتخذ قرارات صعبة في مواجهة فواتير داخلية وخارجية، فالصراع على سوريا لم يتوقف حتى بعد رحيله. ونقرأ في الموسوعة أنّه «ليس من السهل اختزال أربعة عقود من تاريخ سوريا، ولا يمكن إصدار أحكام نهائية على رجل امتزج قدره بقدر وطنه».
من جهة أخرى، تتوقف الموسوعة عند شعراء ومفكرين، تجاوزت أسماؤهم في حضورها ونصوصها حدود المحلية إلى العالمية، لتشكّل مجتمعة المدوّنة السورية في مرآة أخرى، من أدونيس «رسول الحداثة العربية»، ومحمد الماغوط «شاعر التمرد والعصيان»، وزكريا تامر «الخيال المجنّح»... إلى صادق جلال العظم ولؤي كيالي وفاتح المدرّس وغادة السمان وسعد الله ونوس. كأنّ تاريخ سوريا في المآل الأخير ينهض على ضفتين متضادتين هما المبدعون والعسكر.
خليل صويلح
المصدر: الأخبار
إقرأ أيضاً:
الوطن العمانية: «رواية اسمها سورية» تحلل الشيفرة الثقافية للسوريين
الحياة: «رواية اسمها سورية» تثير عاصفة نقدية في دمشق
المستقبل: «رواية اسمها سورية» استقراء لفلسفة تاريخ سورية الحديث
الشرق الأوسط: «رواية اسمها سورية» كتاب جريء بالمقياس السوري
الوطن السورية: «رواية اسمها سورية» انعاش للذاكرة الوطنية
الراية القطرية: «رواية اسمها سورية» استقراء لتاريخ سورية الحديث
السفير: «رواية اسمها سورية» تجمع الأبطال والأشرار وتثير شهية النقاد
الكفاح:«رواية اسمهاسورية» مدونةعاطفية وثائقية تجمع الجمالي بالسياسي
قناة المنار: «رواية اسمها سورية» تتجاوز حدود سايكس بيكو
الثورة : "رواية اسمها سورية" تقدم ذاكرة السوريين بلغة الأدب
مونتكارلو: «رواية اسمها سورية»ترسم خريطة سورية الثقافية خلال قرن
الدستور: مئة شخصية تروي التاريخ السوري في "رواية اسمها سورية "
مجلة شبابلك: «رواية اسمها سورية» كتاب كل السوريين
النور السورية: حسبك تجنب اللوم حول "رواية اسمها سورية"
سيريا نوبلز: «رواية اسمها سورية» بين التشويق والتأريخ
إضافة تعليق جديد