الشهرة الأدبية بين المصادفة والاستحقاق
الجمل ـ عماد عبيد:
من منا لم يقرأ، أو على الأقل لم يسمع برواية (ذهب مع الريح) للروائية الأمريكية (مارغريت ميتشل 1900 – 1949)، روايتها اليتيمة هذه بيع منها مليون نسخة خلال الستة أشهر الأولى لنشرها، وفازت بالكثير من الجوائز أهمها جائزة (بليتزر) الشهيرة عام 1936، ثم تحولت الرواية إلى فلم سينمائي حصد أكبر ريع في تاريخ السينما الهوليودية، وفاز الفيلم بجوائز عديدة منها (الأوسكار) وترجمت الرواية إلى أكثر من 50 لغة عالمية، واعتبرت أشهر رواية أمريكية في القرن العشرين، ... نعم رواية واحدة صنعت مجدا غير مسبوق.
على مقلب آخر يعتبر الروائي البلجيكي (جورج سيمنون 1903 - 1989) أغزر كاتب روائي في العالم، كتب ما ينوف على 450 رواية وأكثر من 1000 قصة قصيرة غير تلك التي كتبها بأسماء مستعارة، انطبعت رواياته بالنهج البوليسي، ومع ذلك قيّم النقاد كتاباته بأنها ساذجة ولا تحمل النكهة الأدبية، وهي أقرب للحكايات المثيرة منها للروايات، ولولا توظيفها في السينما والتلفزيون لبقيت محدودة القراءة، ومن أحد أسباب شهرته أنه في إحدى رواياته يسرد جريمة انتحار أقدمت عليها فتاة بإطلاق النار على نفسها، وعندما قرأت الرواية ابنته قامت بشراء مسدس من نفس المتجر الذي ذكره في الرواية، وانتحرت بنفس الطريقة التي انتحرت بها فتاة الرواية، تلك الحادثة سلطت الضوء عليه وأحبطته بآن معا، ومازال هذا الكاتب شبه مغمور لدى القارئ العربي بالرغم من زخم إنتاجه.
في كتابه (فن الرواية) يرفع الأديب التشيكي الفرنسي (ميلان كونديرا 1929) من شأن الروائي النمساوي (هيرمان بروخ 1886 - 1951) ويعتبره أفضل من كتب الرواية العالمية ومن أهم منظريها، خاصة في روايتيه (السائرون نياما وموت فرجيل) ويصف الكاتب الألماني (توماس مان 1875 – 1955) كتابات (بروخ) بالحداثة المفرطة الناهضة باللغة الألمانية، لكن (بروخ) لم ينل الشهرة التي بلغها من هم أقل شأنا منه، ولم تترجم أعماله إلى العربية إلا مؤخرا، وبقي ذكره محصورا لدى النخبة.
(دان براون 1964) كاتب أمريكي اشتغل على روايات الخيال العلمي والإثارة، حققت روايته (شيفرة دافنشي) شهرة عارمة وحولت إلى فيلم سينمائي، واعتلت قائمة صحيفة (نيويورك تايمز) بأعلى سلم مبيعات على الإطلاق، غير أن سدنة الأدب يقيمون كتب (براون) بأنها ليست من الأدب بشيء، ومجرد لعبة لتشويق القارئ، ولا تصلح إلا لأفلام الأكشن.
وهذا هو واقع الحال مع الكاتب البرازيلي (باولو كويلو 1947) صاحب رواية (الخيميائي) التي أدخلته إلى القارئ العربي دخول الفاتحين، تلك الرواية أضحت شلال شهرته وبيع منها 150 مليون نسخة، وترجمت إلى حوالي 80 لغة في العالم، إلا أن مواطنه الروائي (جورجي أمادو 1912 – 2001) يقول ساخرا عن الرواية (لا أعتقد أن كويلو كتبها، ربما كتبها أحد المشعوذين) وهذا ليس رأي (أمادو) فقط، بل هناك العديد من الأدباء الذين يرون في (كويلو) كاتبا روحانيا يتلاعب بمشاعر قراءه البسطاء.
في بريطانيا حوربت كتابات أشهر مبدعيها (ديفيد هربرت لورنس 1885 – 1930) الشهير بـ (دي أتش لورانس) من قبل الطبقة الارستقراطية، ووسموها بالفاحشة والخليعة خاصة في روايتيه (عشيق الليدي تشاترلي وقوس قزح) اللتين منعتا من النشر حينها، وفي عام 1960 أعادت دار (بنكوان) طباعة (عشيق الليدي تشاترلي) بعد أن انتزعت حكما قضائيا ضد الرقيب، ولتوصف الرواية بأنها تمثل القيم العليا للإنسانية، وليبجّل (لورنس) على أنه أهم كاتب بريطاني، وينسب إليه تحرير الأدب الإنكليزي من هيمنة العصر الفكتوري.
(خورخي بورخيس 1899 - 1986) الشاعر الأرجنتيني الأعمى ذائع الصيت، لم يكن يعرف عالميا قبل فوزه بجائزة (فورمنتر للناشرين العالميين عام 1961) مناصفة مع الناقد المسرحي الإيرلندي الفذ (صموئيل بيكيت 1906 - 1989) بعد فوزه بالجائزة علّق على هذا الفوز بقوله: (الشهرة مثل العمى أدركتني فجأة)
عربيا ضجّ الشارع العربي بقصيدة شاعر العراق الشهير (مظفر النواب) (وتريات ليلية) لما فيها من شتم مقذع وألفاظ نابية، ضرب فيها على وتر التهييج للمشاعر معريا الخذلان والطغيان العربيين أمام القضية الفلسطينية، علما أن المقاطع المثيرة لإعجاب العامة هي المقاطع الأقل شعرية في القصيدة والأضعف فنيا، فحفظ الجمهور تلك المقاطع الفجة السباب، وترك جمالياتها الأخرى، وأمست القصيدة أثرا ما أثار النواب الخالدة والسبب في شهرته الطافحة.
في عام 1993 أثار الكاتب المشاكس (محيي الدين اللاذقاني) زوابعا من الإشاعات في كتابه (مشاغبات ثقافية معاصرة) حين اتهم الشاعر (نزار قباني) بأنه يكتب الأشعار للشاعرة (سعاد الصباح) وعلى أثر هذه الإشاعة صار المهتمون يقاربون بين أشعار (الصباح) و(القباني) فانشهرت الصباح وبقيت التهمة عارية بلا قميص يسترها.
كما سربت الصحافة المتصيدة خبرا يفيد أن الشاعر العراقي (سعدي يوسف) هو من كتب رواية (ذاكرة الجسد) لـ (أحلام مستغانمي) مستدلين بقصيدته (عن اللائي يكتبن رواية مشهورة) التي يقول فيها: أنت كتبت روايتك الأولى/ متناسية سيرتك الأولى/ وكأن حياتك ليست بحياة/ قد تكتب أوراق عن أسرار روايتك الأولى/ لكنك أدرى منه/ ومن تلك الأوراق/ أدرى بتراب روايتك الأولى، وكان لهذا الخبر دوي الصدمة أثار شهية القراء لقراءة الرواية وانشهار الكاتبة.
إن المتابع لأخبار الأدب والأدباء في سيرتهم السسيوأدبية والبيبيوغرافية، يلحظ العوامل الحقيقية في أسباب شهرتهم، بين المصادفة والاستحقاق الحقيقي، والواقع الحاضر يكشف كم من المحظوظين الذين واتتهم الصدف بفوزهم بجائزة، أو تعويمهم من قبل الجهات الإعلامية، أو انبراء ناقد أو أديب معروف بتذييل كتاب لهم أو تصديره، فيتلقفهم الضوء ويشدون الركاب إلى عالم الشهرة، منهم من يجتهد على نفسه متحملا مسؤولية اللقب، ومنهم من يعيش موهوما بوهج مزيف، وأذكر في هذا الحيز الشاعرة (مرام المصري) التي ضاقت الدنيا عليها بعد أن فازت بجائزة أدونيس وذيّل لها (أدونيس) ديوانها (أنظر إليك) بتوشيحة من زخارف الإطراء، ثم استخفت بـ (أدونيس) لخلاف سياسي في وجهات النظر، ونزعت عنه لقب المفكر الكبير.
التعليقات
مقال مهم جدا 🌹 …
مقال مهم جدا 🌹 ..... الجودة غير مرتبطة حكما بالشهرة
إضافة تعليق جديد