محنة الآشوريين: الأسباب والنتائج
الجمل: في الفترة الواقعة ما بين عامي 1915 و1918، نفذت الوحدات العسكرية الكردية، التابعة للجيش التركي، مذبحة كبيرة ضد الآشوريين، الذين كانوا يعيشون آنذاك ضمن أراضي الإمبراطورية العثمانية. ونتيجة للمذبحة، حدثت عملية تهجير وذبح وإبادة وتهجير واسعة النطاق ضد الآشوريين، في منطقة شمال ما بين النهرين، وبالذات في منطقة هاكاري الواقعة حالياً في جنوب تركيا، ومنطقة إرميا الواقعة في الجزء الشمالي من إيران والعراق.
هنالك العديد من الأسباب التي ذكرها المؤرخون والمحللون، بغية تغيير حقائق حدوث هذه المذبحة ضد الآشوريين، ومن أبرزها:
*سعي الآشوريين للانفصال والاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية.
*انضمام عدد من الآشوريين للجيش الروسي، الذي كان يهدد الأجزاء الشرقية من الإمبراطورية العثمانية.
*سعي الأكراد في جنوب تركيا وشمال العراق وشمال غرب إيران، إلى إجلاء الآشوريين عن هذه المناطق.
*تعاون الأكراد وتحالفهم مع الحكومة التركية، ضد الآشوريين. وقد وجد المتشددون الأكراد الفرصة مواتية، لإزاحة الأشوريين خلال فترة الحرب العالمية الأولى.
*معارضة الآشوريين المتزايدة للإمبراطورية العثمانية، وادعاءاتهم المستمرة لدول الغرب بأنهم يتعرضون للتهجير القسري والتعذيب والقتل والاستئصال من موطنهم الأصلي.
وفقاً لإحصائية صادرة عن المجلس الوطني الآشوري - الكلداني، بتاريخ 4 كانون أول 1922، قدر عدد القتلى الآشوريين بحوالي 275 ألف قتيل آشوري -كلداني، لقوا حتفهم خلال الفترة من 1914 وحتى 1918؛ إضافة إلى أعداد أخرى ماتوا بسبب التجويع في المعتقلات، وبسبب الإهمال المتعمد من قبل السلطة العثمانية آنذاك.
اعترفت بعض البلدان والمنظمات الدولية بالمذبحة، ولكن المجتمع الدولي رفض الاعتراف بمذبحة مثيلة، هي مذبحة الأرمن، التي حدثت في الفترة نفسها، والسبب يعود إلى عدم رغبة الولايات المتحدة والدول الغربية في "إغضاب" حليفتهم تركيا، رغم أن الفاعل هو نفسه في المذبحتين الآشورية والأرمنية، وهو: الوحدات العسكرية الكردية، التابعة لجيش الإمبراطورية العثمانية التركية.
قبل الحرب العالمية الأولى، كان حوالي نصف الآشوريين في العالم يعيشون في جنوب تركيا الحالية، وقبيل الحرب العالمية الأولى، أصدرت الحكومة العثمانية قانوناً يلزم تجنيد كل الشباب من الرجال في صفوف الجيش. وكانت مناطق جنوب تركيا الرئيسة، مثل: هاكاري، سيرناك، وماردين، تضم عدداً كبيراً من الآشوريين والأكراد. وفي الوقت الذي انضم فيه الأكراد إلى الجيش العثماني، قاوم الآشوريون المسيحيون ذلك، لخلافاتهم الدينية مع الأكراد والأتراك المسلمين.
في 29 تشرين الأول 1914، دخلت الإمبراطورية العثمانية الحرب العالمية الأولى، وحدث أن دخلت القوات العثمانية - وتحديداً الوحدات الكردية التابعة لها - منطقة غافار، وقتلت كل السكان الآشوريين الموجودين فيها، وقد سبق ذلك بأيام أن اعتقلت السلطات 71 آشورياً من المنطقة نفسها، وأخذتهم إلى أحد المراكز الحكومية في منطقة شقالا، وقتلتهم جميعاً. وفي نيسان من العام التالي، قامت الوحدات العسكرية الكردية بتطويق قرية موتزيل، واعتقلت 475 آشورياً، كان من بينهم الراهب ريفيدنيد غابريل، المشهور بلحيته الحمراء، وتم أخذهم في صباح اليوم التالي في مجموعات رباعية، وقتلوا جميعاً. ثم قامت الوحدات الكردية بالقضاء على كل من بقي حياً في قرية تل موتزيل، بمن في ذلك النساء والأطفال.
في نهاية عام 1915، قام جويدت باي، الحاكم العسكري لمحافظة فان في جنوبي تركيا، على رأس 8 آلاف كردي (كان يطلق عليهم تسمية قصاب طابوري: أي كتيبة الجزارين واللحامين) باقتحام مدينة سرت، ومداهمة المنازل. وقد أصدر أوامره بقتل 20 ألف آشوري، إضافة إلى بعض الأرمن الذين كانوا في المدينة.
في 3 مارس عام 1918، قام بعض الجنود الأكراد في الجيش العثماني، باغتيال الزعيم الآشوري البارز آنذاك مار شيمون بنيامين.
بعد انسحاب القوات الروسية من شرق الإمبراطورية العثمانية، قام القادة الأتراك بإصدار الأوامر للواءين 36 و37، المكونين من الأكراد، بالتقدم نحو شرق وشمال شرق الإمبراطورية. وقبل انتهاء عام 1914، كانت الوحدات الكردية قد أكملت مهمة اقتحام كل القرى الآشورية الواقعة في منطقة إرميا. ومن أبرز المهام التي أنجزتها هذه الوحدات فيما بعد، هو ما حصل في يوم 26 شباط 1915، عندما اقتحمت مقر البعثة التبشيرية الفرنسية، واعتقلت 61 زعيماً وقائداً آشورياً، كانوا يحتمون في مقر هذه البعثة، وأطلق الجنود سراح 20 منهم بعد دفع الفدية، ثم قاموا بقطع رؤوس الـ 41 المتبقين، وكان من بينهم الأسقف الآشوري ماري دينخا.
في 25 شباط 1915، اقتحمت القوات نفسها قرية غالباشان، وقامت باغتيال جميع الذكور الموجودين فيها، وتقدمت بعد ذلك، واقتحمت قرية سالاماس، واعتقلت 750 آشورياً، بينهم عدد من رجال الدين، وربطتهم بالحبال مع بعضهم البعض، وأجبرتهم على السير نحو الحقول البعيدة؛ وهناك أطلقت النار عليهم وقتلتهم.
في مطلع عام 1918، بدأت أعداد كبيرة من الآشوريين بالفرار من تركيا. وفي إحدى المرات وصل 3500 شخص إلى مقاطعة خوي، ولكن وبعد فترة قصيرة داهمتهم الوحدات الكردية، التابعة للجيش التركي، وقتلتهم جميعاً دفعة واحدة. ونجا من هذه المذبحة شخص واحد اسمه ريفيريان جون إيشو، وأفاد بأنه قد تم تجميعهم في مكان واحد، وقتلوا بالرصاص، فشكلت دماؤهم جدولاً صغيراً، وتحول المكان إلى بركة من السائل الأحمر القرمزي.
وصف ريفيريان الواقعة قائلاً بأن المكان كان صغيراً، ولا يتسع لمثل هذا العدد الكبير، ورغم ذلك كان جنود الوحدات الكردية يجمعون الآشوريين، ويجبرونهم على الوقوف فوق أكوام جثث أقربائهم ورفاقهم النازفة، ثم يطلقون النار عليهم. وهكذا فقد أصبح هذا المكان مذبحاً مرعباً. وواصلت الوحدات الكردية مداهمتها لمنازل المدينة، وقامت باعتقال الآشوريين الموجودين فيها، واحتجزتهم لمدة ثمانية أيام بلا طعام. ثم بعد ذلك اقتادهم الجنود إلى مكان آخر، حيث بدأوا بتقطيع أصابعهم في البداية، ثم أياديهم، ثم طلبوا منهم التمدد على ظهورهم ووجوههم إلى الأعلى، وشرعوا يحزون رقابهم، دون أن يقطعوها، كي يموتوا ببطء وألم. وفي النهاية وضعوهم في الحفر ودفنوهم جميعاً، قبل أن تكتمل عملية موت بعضهم بعد.
الجمل: قسم الترجمة
المصدر: ويكيبيديا
إضافة تعليق جديد