على غرارالنموذج الطالباني حكومة ودولة صومالية جديدة
الجمل: بعد أن أطاحت المليشيات القبلية المسلحة في يناير عام 1991م، بنظام الرئيس محمد سياد بري حدث خلاف وانشقاق بين أطراف التحالف المنتصر، وذلك حول نظام الدولة والحكم، واختيار الرئيس الجديد، وفي غمرة الخلافات، انفرط التحالف، ودخلت الصومال مرحلة حرب أهلية، أدت إلى انهيار الدولة والنظام القانوني بشكل كامل، وكان من أبرز التطورات في مسرح الحرب الأهلية الصومالية، مايلي :
• معركة مقديشو الأولى : (2 تشرين الأول إلى 4 تشرين الأول 1993)
حاولت الإدارة الأمريكية استغلال حالة الفوضى، بما يمكنها من وضع يدها على الصومال، وفي أكتوبر عام 1992م ، دخلت القوات الأمريكية الأراضي الصومالية، وكان قوامها يتكون من : وحدات من قوات دلتا الخاصة، وحدات من قوات المهام الخاصة، ووحدات تابعة للفرقة العاشرة من قوات النخبة بالجيش الأمريكي، هذا وكانت قائد القوات الأمريكية هو الجنرال وليام غاريسون، من قوات النخبة الأمريكية.
كان الجنرال محمد فارح عيديد ، والذي كان زعيماً لأكبر الفصائل المسلحة الصومالية آنذاك، أكثر تشدداً في معارضة الوجود العسكري الأمريكي، ومن ثم فقد دخلت قواته في مناوشات كثيرة مع القوات الأمريكية، وتنفيذ الكثير من العمليات التعرضية ضد القوات الأمريكية، وفي أكتوبر 1983م، تمكن رجاله من إسقاط مروحية أمريكية، أسفر عن مقتل طاقمها و 18 جندياًَ أمريكياً كانوا على متنها، وتوالى بعد ذلك إسقاط المروحيات الأمريكية، وبدا واضحاًَ أن أمريكا أمام خيارين، هما التورط العسكري المفتوح في الصومال، أو الخروج.. وبالفعل، أصدرت إدارة الرئيس بيل كلينتون قرار الانسحاب من الصومال لكل القوات الأمريكية التي كانت في الأراضي الصومالية آنذاك.
تزايدت حدة القتال، وذلك على النحو الذي فشلت فيه كل محاولات التسوية السلمية للنزاع الصومالي، ووصلت الكارثة الإنسانية إلى مستوى غير مسبوق، وانتشر السلاح، ووصل عدد الفصائل المسلحة الصومالية المتقاتلة إلى حوالي 124 فصيلاً .
آخر المحاولات، لإنقاذ الصومال تمت، عندما اجتمعت الفصائل المسلحة الكبيرة في نيروبي بكينيا، وعدد من الشخصيات الصومالية فيما عرف افتراضاً بـ (البرلمان الصومالي)، وتم اختيار حكومة صومالية لقيادة البلاد، وبسبب ( دعم الولايات المتحدة) لهذه الحكومة والفصائل التي تساندها، تم الاعتراف بها رسمياً بواسطة منظمات المجتمع الدولي، ومعظم دول العالم.. وعلى ما يبدو فقد كان الدعم الأمريكي (كالعادة) مشبوهاً، وذلك عندما تبين أن الأطراف الأخرى المعادية لأمريكا تم استبعادها، تحت تهمة الإرهاب، خاصة الفصائل الإسلامية.
• معركة مقديشو الثانية : (7 مايو إلى 5 يونيو 2006)
أدت فترة الحرب الأهلية من عام 1991 إلى مطلع عام 2006م، إلى تحول نوعي في نمطها ، من الصراع القبلي إلى الصراع الإيديولوجي ، وقد برز ذلك بوضوح في تزايد قوة الفصائل ذات الطابع الإيديولوجي كمياً ونوعياً ، وأصبح محور الصراع الصومالي يدور على أساس اعتبارات ثنائية التوجه بين خياري العلمانية / الدين، وذلك بدلاً عن التعددية القبلية العشائرية التي كانت تدور على أساس اعتبارات الاستعلاء القبلي العشائري في محاصصة السلطة.
وكالعادة تدخلت أمريكا، ولكن ليس بإرسال قواتها وإنما عن طريق أسلوب شن الحرب بالوكالة، وذلك على النحو الذي قام فيه البنتاغون بتجميع الفصائل المسلحة التابعة لثلاثة من أمراء الحرب في الصومال، مشكلاً منهم، ما أطلقت عليه تسمية : التحالف من أجل صيانة السلام ومكافحة الإرهاب ( arpct)، ومن ثم قامت الحكومة الأمريكية بعد ذلك بإمداد هذا التحالف بالعتاد العسكري، والدعم المالي ، والسياسي، وتوفير الغطاء الدولي والإقليمي الذي يتيح هذا التحالف حرية الحركة الواسعة من القضاء على الفصائل المعارضة للسياسات الأمريكية والأنشطة الإسرائيلية في منطقة القرن الإفريقي، وبالذات في الصومال.
بدأت المواجهات تحتدم بين تحالف أمراء الحرب المدعوم أمريكياً، وماعرف بـ (اتحاد المحاكم الإسلامية) ICU الذي يقوده : شيخ شريف شيخ أحمد، وذلك بعد قيام التحالف المدعوم أمريكاً بالتحرك للقضاء على الفصائل والمليشيات المعادية لأمريكا والغرب، ولكن بعد عدة مواجهات، تراجع موقف قوات التحالف في ميادين القتال، واستطاعت المليشيا الإسلامية من محاصرة العاصمة مقديشو، وشن هجومها الرئيسي عليها، وبالفعل سقطت المدينة في الساعات الأولى من صباح 5 يونيو الحالي، وانسحبت قوات التحالف وبعض مسئولي الحكومة المعينة على بعض المناطق البعيدة نسبياً عن العاصمة، مثل مدينة جوهر التي تبعد حوالي 500 كيلو متر، ومدينة ببدوه الواقعة على بعد 250 كيلومتر أيضاً .
هذا ، وبعد الاستيلاء على العاصمة، صرح شيخ شريف، معلناً بدء تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، والجهاد والحرب المقدسة ضد تحالف أمراء الحرب، والأطراف الخارجية الداعمة له. وكل من وصفهم بـ (أعداء الإسلام).
الآفاق المستقبلية:
تشير الدلائل إلى التأييد الشعبي الواسع الذي وجده اتحاد المحاكم الإسلامية بعد استيلائه على العاصمة، كذلك أعلن العديد من المقاتلين في صفوف التحالف الثلاثية انشقاقهم وانضمامهم إلى حركة اتحاد المحاكم الإسلامية، بكامل أسلحتهم ، إضافة إلى أن بعض القادة الميدانيين المنشقين من التحالف الثلاثي أعلنوا وكشفوا عن الدعم الأمريكي والدعم الإسرائيلي السري بواسطة الخبراء الإسرائيليين والإيطاليين.
كذلك على مستوى المنظمات الدولية والإقليمية، فقد أصدر كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة بياناً دعا فيه اتحاد المحاكم الإسلامية إلى التفاوض مع الحركات الأخرى والعمل على دعم الحكومة التي سبق تعيينها، بدلاً عن الصراع والقتال،أما الاتحاد الإفريقي، فقد أصدر بياناً طالب فيه المجتمع الدولي بالعمل على تقديم المساعدات الإنسانية للشعب الصومالي.
أما حكومة الولايات المتحدة، فقد كانت أولى ردود الفعل في حديث الرئيس جورج بوش، والذي أكد فيه مواصلة حكومة الولايات المتحدة دعمها للتحالف الثلاثي الذي يقوده أمراء الحرب، وذلك من أجل مكافحة الإرهاب.
أبرز التوقعات الميدانية تشير إلى الآتي:
• سوف تقوم الولايات المتحدة بالمزيد من التحركات للسيطرة على التطورات الميدانية بما يخدم المصالح الأمريكية في منطقة القرن الأفريقي، وذلك عن طريق:
• الضغط على دول الجوار الإقليمي للضغط على النظام الصومالي، وبالذات : أريتريا، كينيا، أثيوبيا، جيبوتي واليمن.
• رفع مستويات الدعم العسكري والمالي لتحالف أمراء الحرب الثلاثي.
• الضغط على الأمم المتحدة وبقية المنظمات الدولية والإقليمية من أجل عدم الاعتراف بالحكومة الجديدة.
• شن حملة إعلامية على أساس اعتبارات وصف الحكومة الصومالية الجديدة ، وذلك اعتبارات أن الصومال بلد عربي.
• تأهيل القيادة الوسطى الأمريكية مسئولية التعامل مع ما يمكن أن تطلق عليه الإدارة الأمريكية تسمية الخطر الصومالي، أو الإرهاب الصومالي.
وأخيراً تقول: قياساً على مبدأ (الشبيه بالشبيه يُدرك) يمكن القول بأن الحالة الصومالية شديدة التطابق مع الحالة الأفغانية وذلك على أساس اعتبارات خصائص وسمات النموذج والموديل : ميليشيات قبلية تقوم بإسقاط الحكومة المركزية، (وهو ما فعلته مليشيات البشتون والطاجيك، والأوزبك في أفغانستان)، ثم خلاف على السلطة، ثم قتال وحرب أهلية بين الفصائل، تؤدي إلى انهيار الدولة (وهو ماحدث أيضاً في أفغانستان)، ثم حالة يأس وإحباط ومأساة إنسانية ، بحيث يعقب ذلك ظهور فصيل ديني مسلح يلتف حوله الشباب المتدين والأصولي (مثل حركة طالبان) والذي يمثل صومالياً في حركة اتحاد المحاكم الإسلامية، وأخيراً الاستيلاء بالقوة على السلطة.. وإعلان الدولة الدينية .. وهكذا نقول ما أشبه الليلة ( في الصومال) .. بالبارحة (في أفغانستان) .
تحليل : الجمل
إضافة تعليق جديد