كرة القدم: استمرار معارك الأمم بشكل سلمي
هل كان المفكر جورج أوريل على حق حين قال ان “كرة القدم لا تمارس فقط لمجرد متعة قذف الكرة، بل لأنها فصيل من فصائل القتال”؟
أجل، حتماً.
فهذه الرياضة سياسة بامتياز من ألفها إلى الياء. ومباريات كأس العالم، التي تبدأ اليوم ويتابعها ثلاثة مليارات بشري بكل حواسهم وخلاياهم العصبية، هي في الواقع مناسبة جلى لتفجير المشاعر القومية وتصفية الحسابات بين مختلف قبائل العالم.
وهكذا ليس صدفة، على سبيل المثال، أن معظم شعوب العالم الثالث تحتشد وراء البرازيل او الأرجنتين إذا ما تحددت التصفيات النهائية بين اوروبا وأمريكا اللاتينية. وليس صدفة أيضاً أن تعتبر إفريقيا فوز أحد فرقها على الفريق الفرنسي أو الهولندي او غيره من الفرق الأوروبية، انتقاماً من كل الحقبة الاستعمارية الغربية.
هذا العام، كما في كل أربع سنوات، ستبرز السياسة في كأس العالم بأبهى صورها. فالنازيون الألمان سينتهزون مناسبة استقبال بلادهم للمباريات ليعرضوا عضلاتهم الإيديولوجية والقومية المتعصبة، خاصة في شرق ألمانيا، وربما أيضاً سيتظاهرون دعماً للرئيس الإيراني نجاد في حال قرر الحضور ووافقت برلين على ذلك.
وقبل النازيين، كان العديد من السياسيين الامريكيين والألمان واليهود يسيسون كأس العالم بالكامل، حين بذلوا ضغوطاً كبيرة على “الفيفا” وألمانيا لحملهما على منع إيران من المشاركة. وبرغم فشلهم، إلا انه لا يتوقع ان يتوقف صخبهم حول مشاركة طهران، خاصة بعد التصريح الاستفزازي للرئيس نجاد والذي شّبه فيه فريق كرة قدم بلاده بفريق العلماء النوويين الإيرانيين.
وإلى السياسة في الرياضة، هناك أيضاً الاقتصاد. فمناسبة كرة القدم البريئة، ليست بريئة على الإطلاق بالنسبة لشركات النبيذ والجعة والويسكي، والأطعمة السريعة والملابس الرياضية، وشبكات التلفزة الفضائية والنوادي الرياضية، التي تجني كلها مليارات الدولارات خلال هذا الكرنفال. لا بل نشرت صحيفة “فاينانشال تايمز” الرزينة قبل أيام دراسة أشارت فيها إلى أن فوز إيطاليا بكأس العالم سينعش الاقتصاد العالمي. لماذا إيطاليا من دون غيرها؟ لأنها، برأيها، لديها الآن أضعف الاقتصادات الأوروبية، وفوزها سيحسن إلى حد كبير أداءها الاقتصادي، مما سيترك آثاره الإيجابية في كل الاقتصاد العالمي.
ماذا تعني كل هذه المعطيات؟ وأين الرياضة من كل هذا الفوران السياسي والاقتصادي المتدفق من شفا كأس العالم؟
حسناً. ينبغي الاعتراف بأنه ليس ثمة شيء اسمه الرياضة من أجل الرياضة. الجنس البشري لما يصل إلى هذا المستوى الراقي من التنافس، ولما يستطع بعد فصل غرائز الإغارة والقتل والحرب عن قيم الروح الرياضية السامية.
وبالتالي، السياسة كانت، وستبقى، تحرك الأقدام الرياضية، وسيبقى جورج أوريل على حق: متعة القتال هي المحرك الحقيقي لمتعة تناقل الكرة بين الأرجل.
بيد ان هذه الحقيقة، على سلبياتها وإحباطاتها، لن تخفف بأي حال من حماستنا لكأس العالم، بل ستزيدها اشتعالاً. أليس كذلك؟
إلى التلفزيونات إذاً!
سعد محيو
المصدر: الخليج
إضافة تعليق جديد