الدور الإسرائيلي في اضطراب العلاقات التركية - الأمريكية
الجمل: وصل الخلاف التركي – الأمريكي حول مسألة التدخل العسكري التركي في شمال العراق إلى نقطة "الإجهاد العضوي".. والتي إن تزايد الضغط بعدها، فمن الممكن أن ينهار جسد العلاقات التركية – الأمريكية الذي امتد زهاء 60 عاماً..
* العلاقات التركية – الأمريكية وإشكاليات التغذية العكسية الإسرائيلية:
ترتبط تركيا بعلاقات تعاون وثيقة مع الولايات المتحدة في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية، وذلك منذ أيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق.. وبسبب الارتباط الوثيق بين الطرفين، كان لا بد لإسرائيل أن تدخل كطرف، وإن كان طفيلياً، إلا أنه يستند إلى قوة الطرف الأمريكي.. وبسبب الاتفاق الاستراتيجي الإسرائيلي – الأمريكي، والذي يلزم أمريكا بالتفاهم مع إسرائيل في كل ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط قبل القيام بأي تحرك، ولما كانت تركيا من بين دول الشرق الوسط، فقد ظلت أمريكا تأخذ برأي إسرائيل المسبق، قبل القيام بأي خطوة في العلاقات التركية – الأمريكية، وقد أدى ذلك إلى إعطاء الإسرائيليين اليد العليا في الإمساك بـ"قرون" الثور الأمريكي وتوجيهه بحسب ما تريد إسرائيل من أمريكا القيام به في تركيا، وبواسطة تركيا في المنطقة..
* الدور الإسرائيلي في خلق مشاكل تركيا:
على خلفية العلاقات التركية – الأمريكية، أصبح "العامل الإسرائيلي" الناشط عبر واشنطن يلعب دوراً خطيراً في تصعيد مشاكل تركيا، وتؤكد ذلك التحركات الإسرائيلية الميدانية في الملفات التركية الآتية:
* الملف الكردي: تدعم إسرائيل تعزيز قدرات الحركات الكردية في القيام بشن حرب الوكالة ضد إيران، والعراق، وسوريا، إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً.. وميدانياً، لما كانت تركيا طرفاً في الصراع الكردي، فقد أصبحت إسرائيل تستخدم الولايات المتحدة من جهة في دعم الحركات الكردية بما في ذلك حزب العمال الكردستاني التركي، ومن الجهة الأخرى الضغط على تركيا بشتى الوسائل لكي لا تقوم بإجراء الدفاع عن النفس في مواجهة عمليات حزب العمال الكردستاني.. وقد أدى هذا الأمر إلى تصعيد الخلافات في الفترة الماضية بين المؤسسة العسكرية التركية والحكومة التركية، وإلى تصاعد سخط الرأي العام التركي المعارض للتساهل إزاء هجمات حزب العمال الكردستاني..
* ملف الاتحاد الأوروبي: ظلت إسرائيل تنسق مع منظمات اللوبي الإسرائيلي وجماعات "شهود يهوه" من أجل عرقلة ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وكان حلفاء إسرائيل البارزين مثل الزعيم الفرنسي ساركوزي والزعيمة الألمانية أنجيلا ميركل من أكثر المعارضين لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وكان هدف إسرائيل هو الحيلولة دون إدماج 80 مليون مسلم تركي ضمن الاتحاد الأوروبي، وذلك خوفاً من أن يترتب على ذلك، نمو التوجهات غير المؤيدة لجرائم إسرائيل، في الرأي العام الأوروبي، النمو الذي يؤدي إلى انكشاف غطاء التضليل السياسي الذي ظلت الجماعات المؤيدة لإسرائيل تمارسه طوال الستين عاماً الماضية. كما يترتب على ذلك سقوط "ورقة التوت" الغربية الإعلامية التي ظلت تتستر من ورائها إسرائيل..
وفي نفس الوقت كانت إسرائيل تقوم بدور آخر موازٍ لدورها في أوروبا، بحيث كانت تتلاعب بإدراك النخب التركية بأن تعزيز تركيا لعلاقاتها مع إسرائيل سوف يترتب عليه قيام إسرائيل بالضغط على الأوروبيين من أجل تسهيل إجراءات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.. وعلى ما يبدو فقد أصبح الآن واضحاً للأتراك، الذين أدركوا حقيقة اللعبة الإسرائيلية المزدوجة، وأبرز الدلائل على ذلك تمثلت في الطريقة "المفاجئة المريبة" التي بدأ فيها أصدقاء إسرائيل وخصوم تركيا السابقين في الاتحاد الأوروبي، (وبالذات الفرنسي ساركوزي، والألمانية ميركل) تغيير آرائهم رأساً على عقب بعد فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي بالانتخابات البرلمانية والرئاسية، وذلك عندما أصبحوا فجأة وبلا مقدمات يتحدثون عن رغبتهم "المفاجئة" في ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي!!!
* ملف أنابيب النفط: ظل الإسرائيليون يدعمون خطط تمديد أنابيب نقل النفط والغاز من بحر قزوين وآسيا الوسطى عبر تركيا، وبدؤوا تفاهماً مع الأتراك من أجل تمديد أنابيب النفط والغاز تحت مياه البحر الأبيض إلى ميناء عسقلان، ولكن الإسرائيليين في نفس الوقت ظلوا يتفاهمون سراً مع الحركات الكردية من أجل تمديد أنابيب نفط شمال العراق عبر الأراضي الأردنية إلى إسرائيل، الأمر الذي يترتب عليه حرمان تركيا من تدفقات نفط شمال العراق..
وإضافة لذلك، سعى الإسرائيليون إلى الاتفاق مع الشركات النفطية العالمية من أجل أن تكون محطة بيع النفط للأسواق العالمية هي إسرائيل وتحديداً ميناء عسقلان الإسرائيلي، وليس ميناء جيهان التركي، وهو أمر سوف يترتب عليه حرمان الاقتصاد التركي من تدفقات البترودولار التي سوف تؤدي بلا شك إلى تعزيز قدرة الاقتصاد التركي ودفعه للخروج من نفق الأزمات والمديونيات التي جلبتها له برامج المعونة الأمريكية وقروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذان تديرهما في الخفاء ذراع وزارة الخزانة الأمريكية..
* ملف الاستقرار الداخلي: ظلت إسرائيل ترصد التطورات والتحولات الجارية في الرأي العام التركي المؤيد لإدماج تركيا في بيئتها الإقليمية الشرق أوسطية، وإعادة مكانتها الحضارية كبلد شرق أوسطي رائد يتمتع بمكانة تاريخية كبيرة في المنطقة، ولقطع الطريق أمام هذا التطور، لجأت إسرائيل إلى تحريض الأحزاب العلمانية الصغيرة في تركيا، وكبار جنرالات الجيش التركي، من أجل التحرك لجهة القضاء على التوجهات الاجتماعية التركية الجديدة... وقد أدت نتيجة الانتخابات التركية الأخيرة إلى ردع جنرالات المؤسسة العسكرية من مغبة القيام بمغامرة عسكرية جديدة، وإدراكهم التام بأنهم سوف يكونون أول ضحاياها..
* ملف صنع السياسات الأمريكية إزاء تركيا: لعبت إسرائيل دوراً كبيراً في دفع جماعات اللوبي الإسرائيلي، وتحريض أعضاء الكونغرس الأمريكي من اليهود الأمريكيين من أجل تمرير قرار المذبحة الأرمنية، وهو قرار تم تحريكه والمصادقة عليه عقاباً لتركيا بسبب تصريحاتها التي أعلنت فيها بأنها لن توافق لإسرائيل باستخدام أراضيها وأجوائها من أجل شن العدوان ضد سوريا أو إيران، إضافة إلى قيام وزير الخارجية التركي «باباجان» بمطالبة الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز والحكومة الإسرائيلية علناً وأمام الصحافة الإسرائيلية والعالمية بضرورة تقديم التفسيرات لتركيا حول قيام الطائرات الحربية الإسرائيلية بإلقاء خزانات الوقود والتحليق بمحاذاة الحدود السورية – التركية.
عموماً، وبرغم أن الإدارة الأمريكية كان لها دور في تخريب علاقاتها مع تركيا، إلا أن الدور الرئيسي في تخريب العلاقات التركية – الأمريكية يرجع لإسرائيل، التي حاولت أن تمارس السيطرة والنفوذ وإثارة القلاقل والانقلابات على الأتراك وتركيا، وذلك ضمن عملية رد الجميل والعرفان لقيام تركيا والأتراك بإيواء اليهود الذين طردهم منذ بضعة قرون كاثوليك إسبانيا..
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد