مؤتمرالعطاء للنساء:لماذا سقط اسم سوريةمن التقرير العالمي لصحةالأمهات
الجمل- د. منى الحاج حسين: منذ عشرين عاماً، عقدت الهيئات الدولية المهتمة بمجالات الصحة والتنمية في نيروبي عام 1987 مؤتمر الأمومة الآمنة، وذلك إيماناً منها بأهمية الأثر الذي تتركه وفيات ومراضة الأمهات على مسيرة التنمية في بلدان العالم عامة والبلدان الفقيرة خاصة. وقد هدفت تلك الهيئات من خلال المبادرة التي أطلقتها في ذاك المؤتمر، والتي سميت "مبادرة الأمومة الآمنة"، أن تلفت نظر العالم وتزيد من وعيه لضرورة العمل على خفض وفيات ومراضة الأمهات بمعدل النصف بحلول عام 2000. وجاء عام 1994 حاملاً معه تأكيدات أكبر على أهمية صحة الأمهات وذلك من خلال برنامج العمل الذي نتج عن المؤتمر العالمي للتنمية والسكان الذي انعقد في القاهرة والذي وقعت عليه 179 دولة آنذاك. وبعد عام فقط أي في العام 1995 انعقد المؤتمر العالمي الرابع حول النساء في بكين الذي انبثق عنه أيضاً برنامج عمل يؤكد على أن الصحة الإنجابية هي حق من حقوق الإنسان ويدعو الحكومات إلى ضمان الفرص المتساوية لكلا الجنسين للوصول للخدمات الصحية بما فيها تنظيم الأسرة والرعاية التوليدية الإسعافية. ولم تكتف الهيئات الدولية التي عقدت كل تلك المؤتمرات بإطلاق الصيحات وبرامج العمل لكنها عملت على التنفيذ والمتابعة لما تم إنجازه من كل الخطط التي انبثقت عن تلك البرامج وجندت لذلك ميزانيات ضخمة فعقدت جلسات خاصة بعد خمس سنوات من المؤتمر العالمي للسكان والتنمية ((ICPD+5 ومن المؤتمر الدولي الرابع حول المرأة (بيجين+5) وفي كلا الحدثين كانت صحة الأمهات هي المحور الأهم الذي تم تأكيده مراراً وتكراراً.
ومع ذلك وبعد مرور عشرين عاماً على إطلاق مبادرة "الأمومة الآمنة" ارتأت الجهات العاملة في مجال الصحة والتنمية في مختلف أنحاء العالم ضرورة استغلال المناسبة لتجديد الصرخة حول ضرورة الإلتزام بمزيد من الإستئمار في صحة النساء والأطفال لما لهذا الإستئمار من عوائد بعيدة المدى على التنمية البشرية وخاصة في بلدان العالم النامي ، وذلك من خلال مؤتمر على مستوى عالمي هو "مؤتمر العطاء للنساء" الذي انعقد في مدينة لندن في شهر تشرين الأول لمدة 3 أيام، والذي شارك فيه جموع المنظمات الدولية المعنية والمتبرعين وممثلي الحكومات والمؤسسات البحثية والمنظمات غير الحكومية والشركات.
لقد شارك أكثر من 1800 مشارك من 109 دولة من دول العالم بالبيان الأخير الذي صاغه سبعون وزيراً وبرلمانياً من المتواجدين في المؤتمر والذين تعهدوا من خلاله أن يكون تحقيق الهدف الخامس (تحسين صحة الأمهات) من الأهداف الألفية للتنمية، في أعلى أولويات الأجندة الصحية على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي. كما تعهد المشاركون من وزراء وبرلمانيين وباحثين أن يكونوا حملة لراية الدعم والحشد لصحة الأمهات والأطفال في أوطانهم.
من بين المشاركين كانت صديقتي الدكتورة هيام بشور أستاذة طب المجتمع في جامعة دمشق، والدكتورة بشور شاركت في العديد من الدراسات التي قامت بها الهيئة السورية لشؤون الأسرة في مجال صحة المرأة والطفل. وعلى ما يبدو أن الدكتورة هيام لم تكن مجرد مشاركة فقط بل كانت واحدة من اللواتي تحملن هموم النساء وخاصة في بلدها، فحملت الراية لدعم هذه القضية والحشد لها. وربما كانت البداية من عندي لمعرفتها بأمرين: الأول، هو أنني أيضاً من الداعمات والعاملات في مجال صحة النساء والأطفال في سورية. الأمر الثاني، هو أنني أعمل في الهيئة السورية لشؤون الأسرة والتي تعتبر الهيئة الحكومية المرجع في سورية لما يتعلق بأحوال الأسرة وخاصة النساء والأطفال وتعتقد أنه من خلال هذا المنبر نستطيع أن نحشد لهذا الأمر. في كل الأحوال شاركتني الدكتورة هيام مشكورة هذا الخبر ووعدتها أن نعمل معاً على دعوة الهيئات الدولية ذات الصلة العاملة في سورية والوزارات والمنظمات غير الحكومية أيضا والتي تعمل في نفس المجال لمزيد من الإستثمار في صحة الأمهات والأطفال. وها أنا ذا أبدأ من خلال هذا المقال على الأقل أنشر الخبر أن هناك 109 دول من مختلف بقاع العالم اجتمعوا من جديد لأنه ما يزال هناك حاجة للعمل الجدي والدؤوب لتحقيق تحسين صحة الأطفال والنساء، ما يزال هناك حاجة لحشد الأموال والإرادات السياسية لدعم البرامج التي تعمل على هذا الأمر بعد 20 سنة من مبادرة الأمومة الآمنة التي أطلقت من نيروبي عام 1987، وعلى الرغم من أن بعض الأمم قد حققت بعض الخطوات الواسعة تجاه تحسين صحة الأمهات، لم يشهد العالم حتى الساعة تقدماً ملحوظاً في خفض نسبة وفيات الأمهات، التي تعد أحد المؤشرات الهامة في تتبع التقدم الحاصل في مجال تحقيق الأهداف الألفية الإنمائية. وقد ورد في بيان المنتدى الوزاري المنبثق عن المؤتمر: "أنه صحيح أننا تعلمنا الكثير من تلك التجارب الناجحة وأصبحنا نعرف أكثر من ذي قبل كيف تنقذ حياة النساء عندما تتكثف الجهود وتتكاتف المسؤولية والإلتزام السياسي وعندما تطبق المعرفة العلمية الدقيقة المبنية على البينات والإدارة السليمة للنظام الصحي، لكننا في نفس الوقت ندرك أننا ما نزال بحاجة إلى حشد الموارد العالمية لتعزيز تنفيذ البرامج ذات الأولوية في هذا المجال رغم تقديرنا لمساهمات العديد من الشركاء لتاريخه."
لم يعد هناك أي مجال للشك في أن الإستثمار في النساء له عوائده الإجتماعية والإقتصادية على الأفراد والجماعات، على الأسرة وعلى المجتمع بأكمله. كما أصبح معروفاً تداخل العوامل المختلفة المؤثرة في عملية التنمية من فقر وعدم المساواة في الدخل والبطالة والتمييز بين الجنسين وقلة التعليم والصراعات والعنف ضد المرأة وعدم كفاية الطعام والغذاء وانعكاساتها السلبية على صحة النساء والأطفال ومن هنا تكون العدالة والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة أمور جوهرية في عملية التنمية ولذلك لابد لكل المبادرات والمساهمات والجهود المبذولة في مجال صحة الأمهات وأطفالهن أن تكون متعددة القطاعات ليتعاظم أثرها الفعلي. لابد لهذه الجهود أن تشمل تعليم البنات والنساء وتمكينهن وإجراء التعديلات والإصلاحات التي تعيق من قدرة المرأة على اتخاذ قرارها بشأن صحتها الإنجابية. ولا نغفل أن ننوه إلى ضرورة إيلاء الإهتمام الأكبر للفئات المهمشة والأشد فقراً، خاصة النساء في المناطق النائية، بالإضافة إلى الفئات السكانية الهشة كالمهجرين واليافعين.
كما ورد في البيان الختامي أن تعزيز الأنظمة الصحية بشكل عام والتدريب والتوظيف والحفاظ على القوة العاملة في مجال الصحة من التسرب على وجه الخصوص هي أمور حيوية على درجة بالغة من الأهمية. وحدد أيضاً الإستراتيجيات الفعالة بتخفيض نسبة الوفيات الوالدية والتي تشمل البرامج سواء القائمة على أساس الأسرة أو على أساس المجتمع.
لقد ختم المشاركين في مؤتمر العطاء للنساء بيانهم بإطلاق عدد من الإلتزامات والتعهدات تتلخص بما يلي:
- ضمان بقاء تحقيق الأهداف الألفية للتنمية خاصة الهدفين الرابع والخامس في أعلى أولويات الأجندات الوطنية والإقليمية والعالمية.
- أن يقوم كل من المشاركين، كل في وطنه، بالتحفيز لحقوق النساء الصحية ولزيادة الإلتزام بتوجيه المزيد من الموارد المالية والبشرية للعمل على أسباب زيادة وفيات الأمهات وحديثي الولادة.
- التحفيز في كل المنتديات العالمية لتوفير مصادر إضافية للوصول إلى الأهداف الألفية للتنمية، وبوجه خاص ردم الفجوات في التمويل للبرامج التي ستحقق الهدفين الرابع والخامس من الأهداف الألفية للتنمية.
- تطوير أو دعم الخطط الوطنية التي تحقق المساواة بين الجنسين وتقدير تكاليفها الكاملة بدقة للتسريع من توفير الخدمات العادلة والممكنة لصحة الأمهات والأطفال حديثي الولادة.
- إدارة الموارد الصحية بشكل فعال.
- تشجيع جميع الشركاء بما فيها البرلمانيين ومنظمات المجتمع الأهلي والقطاع الخاص لتكثيف واستمرار مساهمتهم.
- إنشاء نظام المسؤولية في الإنجاز من خلال الرصد والتقييم، على سبيل المثال: توسيع استخدام تدقيق الوفيات الوالدية أو/ و التحريات السرية عنها.
كما دعا منتدى الوزراء إلى ابتكار حلول جديدة مثل:
- الدعوة إلى عقد جلسة خاصة للجمعية العمومية للأمم المتحدة حول صحة الأمهات بحيث ينتج عنها خطة عمل عالمية.
- خلق صندوق عالمي لصحة النساء مع التركيز على صحة الأمهات.
- تحقيق الإلتزامات التي اتخذت سابقاً في مؤتمرات مختلفة مثل مؤتمر القاهرة 1994 ومؤتمر بكين 1995، وتصريح باريس ، وإجماع منتيري وخطة التنفيذ في جوهانسبرغ التي تشجع المتبرعين على توسيع وتخصيص دعمهم للبرامج القطرية.
وكانت العبارة الختامية هي التأكيد على ضرورة إدراك كل القادة على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي لحقيقة أن تحقيق الأهداف الألفية للتنمية بمجملها، وتحسين الأنظمة الصحية بشكل أوسع متوقف بشكل كبير على تحقيق الهدفين الرابع والخامس منها أي الأهداف المتعلقة بخفض نسبة وفيات الأطفال وتحسين صحة الأمهات.
بقي أن نذكر أن الجمهورية العربية السورية كانت خارج التقرير العالمي الذي صدر عن أحد الهيئات المنظمة للمؤتمر والمسؤولة عن إخراج تقرير عن صحة الأمهات، وبالإستفسار عن سبب استبعاد سورية من هكذا تقرير رغم ما تبذله، في رأينا ، من تعاون ونشاط على الصعيد الدولي سواء من تصديق على الإتفاقيات الدولية عامة وتلك التي تخص النساء والأطفال بشكل خاص والإلتزام فيها، أو ما يتم على أرض الواقع من سعي ونشاطات على مختلف الأصعدة من بحوث ودراسات وتحسين للبنية التحتية ومحاولة إعادة تشكيل النظام الصحي لتقديم خدمات صحية عالية الجودة وبالتالي للنهوض بالواقع الصحي خاصة فيما يتعلق بالصحة الإنجابية وصحة الأطفال.
كان الجواب أن هناك معايير محددة تخضع لها الدول من حيث توفر المعلومات فإذا نقصت المعلومات الصحية المطلوبة حول 3 مؤشرات أو أكثر في دولة ما، فإنها تستثنى من لائحة الدول المشاركة. وفي حالة سورية، كان هناك نقص في المعلومات فيما يخص ثلاثة مؤشرات: نسبة انتشار فيروس الإيدز/ مرض الإيدز بين البالغين، ونسبة الإناث المتزوجات قبل السنة الثامنة عشر، ونسبة الحاجات الملباة من تنظيم الأسرة. من المثير للدهشة أن جميع هذه المعلومات باعتقادي متوفرة لدينا في سورية، فوزارة الصحة ووزارة التعليم العالي والمكتب المركزي للإحصاء ناشطون على صعيد البحوث والدراسات وأصبحت تمتلك القدرات العلمية والكوادر المؤهلة والإمكانات الفنية التي تساعدها في إنتاج معلومات نوعية ذات جودة عالية، كما أن توجهات الحكومة على هذا الصعيد، والتي ظهرت بشكل جلي في الخطة الخمسية العاشرة وفي إطار التحديث والإصلاح، تدعم جهود التخطيط والإدارة المستندة على الأدلة والبيانات، فلماذا لا تظهر هذه المعلومات في التقارير العالمية التي تبلور صورة سورية بالشكل الذي يجب أن تظهر فيه أمام العالم، صورة الدولة التي تسعى وتعمل من أجل المزيد من التقدم والرفاهية لأبنائها بدل أن توضع في مصافي الدول المتخلفة التي ما يزال ينقصها البيانات الأولية اللازمة للتطوير والتنمية؟ لماذا لا تتواجد بياناتنا أسوة بقواعد البيانات لدول عربية وأجنبية أخرى تتصدر تلك التقارير؟ما هي المعيقات التي تقف حائلاً دون ذلك؟ هل هي أسباب خارجة عنا أم هو تقصير غير مقصود من قبلنا في العمل على تطوير سبل الاتصال في مؤسساتنا ووزاراتنا وهيئاتنا ليكون متاحاً للعالم الإطلاع على الجهود المبذولة وعلى إنجازاتنا على صعيد التطوير والتقدم؟ أسئلة لا بد من الإجابة عليها لنضع سورية في موفعها الحقيقي في أعين علماء العالم.
الجمل
إضافة تعليق جديد