مجلة العربي تحتفل بيوبيلها الذهبي
الكويتية عواطف العيسى صاحبة صورة الغلاف الأول لمجلة «العربي» الصادر العام ,1958 هي نفسها صاحبة الغلاف الأخير الذي يختم خمسين سنة من عمر المجلة. في الأول كانت صبية في مقتبل العمر تقدم للمشاهد العربي التمر العراقي، وفي الأخير ظهرت ابنة الواحد والستين عاماً على غلاف المجلة، وفي صفحاتها الأولى، وقد سألت عن المصور المصري أوسكار متري، الذي التقط صورتها تلك، وهي في سن الحادية عشرة.
الصورة الواحدة، صورة الغلاف، جمعت ثلاث جنسيات عربية، فكيف بالمجلة الواحدة، او السنة الواحدة، او نصف قرن من الكتابات عن العرب، وبلغتهم!؟ إنها المجلة التي حملت الهموم العربية على ظهرها، ونقلت المعرفة من دولة الى أخرى، وأنارت ما استطاعت الدرب امام الناشئة العرب. وها هم فرسانها الباقون يتابعون الدرب، علهم يوفقون في إنارة الطريق امام الاجيال الجديدة.
ثلاثة وثلاثون محاضراً شاركوا في ندوة «العربي» التي اقيمت في 15 و16 كانون الثاني الجاري، في فندق «جي دبليو ماريوت» بالكويت، و160 مثقفاً عربياً حلوا ضيوفاً على مجلة «العربي» في المناسبة، يشاركون في الاحتفالية التي بدأت، في 14 منه، برعاية أمير البلاد، ممثلاً بوزير الاعلام الشيخ صباح الخالد الصباح، الذي القى كلمة في المناسبة، تلاه رئيس تحرير «العربي» سليمان العسكري، ثم التونسي عبد الهادي التازي، الذي رافق انطلاقة المجلة. بعدها تم تكريم رؤساء تحرير المجلة: أحمد زكي (1958ـ 1976)، أحمد بهاء الدين (1976ـ 1982)، محمد الرميحي (1982ـ 1999)، وسليمان العسكري المستمر في ترؤس المجلة منذ العام .1999 وطاول التكريم مجموعة اخرى من الاسماء المساهمة في انجاح المجلة. ولوحظ هنا غياب الرميحي، الذي يرأس حالياً تحرير جريدة «أوان» الجديدة في الكويت، عن استلام درع التكريم، في اليوم نفسه الذي نشر فيه توضيحاً، في جريدته، يشكو فيه حذف مقطع من كلمته التي نشرت في العدد الممتاز للمجلة، الصادر في المناسبة، ما يعني ان عدم حضوره الاحتفالية، وهو الحي الوحيد من رؤساء التحرير السابقين للمجلة، يوضع في حانة الاحتجاج الذي لا نعرف إن كان مبرراً أم لا.
رافق الافتتاح حفل موسيقي غنائي للموسيقار الكويتي سليمان الديكان، بمشاركة كورال معهد الموسيقى وفرقة معيوف للفنون الشعبية، حيث امتزج الفولكلور الشعبي رقصاً وغناء وموسيقى مع تآليف موسيقية غربية. بعد ذلك كان افتتاح معرض صور الاستطلاعات التي قامت بها مجلة «العربي» خلال مسيرتها، وهي منتقاة من حوالى نصف مليون صورة. 70 صورة مكبرة تطوف بنا على مشاهد تتعدى العالم العربي، لتصل الى بلاد شرق آسيا، وعلى طقوس شعبية اضاءتها عدسة «العربي» في مجاهل العالم. صور قد تكون نادرة، تشكل ثروة بصرية، ما ينبئ أن صور استطلاعات «العربي» الباب الأكثر جاذبية في المجلة، تشكل متحفاً ورقياً لا يستهان بقيمته التاريخية. اما حصة لبنان من هذا المعرض فكانت صورة لقلعة بعلبك واخرى لفيروز في احدى مسرحيات الرحابنة.
على هامش الاحتفالية ايضا معرض تشكيلي خليجي بمشاركة ميسون صقر، فيصل السمرة، عبد الرسول سلمان، رشيد البلوشي، يوسف أحمد، آمنة النصيري، عبد الرحمن شريف، سعد البلوشي وبدر حياتي. تجارب تبتعد عن الخطابة البصرية واللغة المباشرة، وتقترب من دواخل الفنانين القلقة، وهي تصور حالات تجريدية وتعبيرية، بل تتعامل احيانا مع العمل الفني كمدخل للأفكار وحامل لها في آن. معرض تصوير لوني يضم في ما يضم عملاً تجميعياً وآخر هو عبارة عن تجهيز فني يجمع بين المهارة الفنية والفكرة المجردة التي يسعى إليها.
وإذا كان يوم الافتتاح شهد على هامشه هذه الأنشطة الفنية، فإن على هامش اليوبيل الذهبي للمجلة كتاب «البحث عن آفاق أرحب» وهو مختارات من القصة الكويتية المعاصرة، جمعها وقدم لها مرسل فالح العجمي، وعمل على تقديمها تبعاً للأجيال، متابعاً من خلالها جذور القصة الكويتية وصولاً الى الكتابات الجديدة الحديثة، ومقدما صورة بانورامية يكشف من خلالها بوضوح خارطة التجربة الكويتية على مستوى القصة. وعلى الهامش أيضاً كتاب آخر اعده واشرف عليه المغربي عبد الرحيم العلام تحت عنوان «العربي بعيون مغربية»، يحمل آراء مجموعة من المثقفين المغربيين وشهادات لهم في تجربة مجلة «العربي» خلال نصف قرن. وفي برنامج الإصدارات كتاب «الكويت بعيون العربي» و«العربي عند أطراف العالم». وهكذا فالمجلة تحتفي بالكويت التي أسست التجربة، وتحتفي بمؤسسيها وكتابها، والجميع يحتفون بها من خلال الكتب والكلمات والمداخلات والنقاش الذي يضيء التجربة، وقد ينتقدها أيضاً، لا فرق، فالكل يسعى لدعم المجلة واستمرار تألقها وعطاءاتها المعرفية.
حملت الندوة التي استمرت يومين عنوان «مجلة العربي ولغتها العربية: نصف قرن من المعرفة والاستنارة»، وشارك في محاضراتها كتّاب من الكويت ومصر والسودان وسوريا وتونس ولبنان والسعودية واليمن، الى جانب آخرين من كوريا والهند والولايات المتحدة وروسيا وتتارستان وايران والصين.
كانت مقدمة الندوات حول قضايا اللغة العربية عموماً، لا سيما منها الصراع بين الفصحى والعاميات العربية، والعلاقة الملتبسة للعربية بوسائل الاعلام، وقد انحاز بعض المحاضرين الى ايجابيتها في حين انحاز بعض آخر الى توكيد سلبيتها. قد يكون النقاش هنا غير جديد، إلا السؤال عن مستقبل العلاقة يبقى حيوياً ومستمراً وحاجة ملحة في كل مرحلة. وقد كان بين المداخلين هنا اثنان من المتضلعين في العربية ومشكلاتها هما جابر عصفور وعبد السلام المسدي. تلك كانت الجلسة الاولى أما الجلسات السبع الاخرى فكانت كلها تدور حول تجربة مجلة «العربي»، إذ حملت ثانية الجلسات عنوان «مجلة العربي وقضايا اللغة العربية»، وكانت لمصطفى الجوزو مداخلة ناقش فيها بعض الاحكام اللغوية، وقيّم أبواب اللغة فيها مقدّراً وناقداً. ونقاش اللغة يستمد أهميته من انها عصب مجلة العربي وواحد من اساسياتها وأهدافها.
وتتابعت جلسات اليوم الاول لتختتم بـ«واقع ومستقبل الفنون في مجلة (العربي»(، الجلسة التي ترأسها شوقي عبد الأمير، وشارك فيها حلمي التوني وآمنة النصيري ومحمد أبو طالب وقد خطف أضواءها الفنان والناقد التشكيلي اسعد عرابي الذي تحدث عن جرأة المجلة في نشر الآراء الفنية التي يتحفظ عليها ناشرون آخرون، وعن كنز صور الاستطلاعات، داعياً الى عناية أكبر بالتظاهرات التشكيلية والى حضور أسماء نقدية غائبة عن صفحات المجلة، واسماء تشكيلية غائبة، وطارحاً إشكالية العلاقة بين الأدب والتشكيل، ما أثار نقاشاً شارك فيه كثر بينهم الفنان أمين الباشا.
وتعدت وجهات النظر الحدود العربية في هذه الندوة، فكانت مداخلات من ايران والهند والصين وكوريا، للتعريف بحضور العربي في هذه البلدان وتأثيرها، لا سيما في المستشرقين ودارسي اللغة العربية. تركزت الكلمات على تجارب شخصية عموما، وقد خرج فيها الايراني محمد حسن تبرئان عن الموضوع مقدما خطابا ايديولوجيا مرت فيه كلمة «العربي»، خجلا، مرة واحدة.
الشاعران أحمد عبد المعطي حجازي ومحمد علي شمس الدين كان حضورهما بارزا في توكيدهما حضور الشعر والادب في «العربي» ودور المجلة في تطوير الاساليب الشعرية والادبية، من دون ان تخلو مداخلتاهما من نقد كان لاسعاً في بعض الاحيان. الحضور نفسه قدمه خالد عزب ونبيل سليمان في تقديمهما موضوع ادب الرحلة في مجلة «العربي». وكان لكلمة فهمي هويدي وقع خاص كونه مرافقاً لتجربة «العربي» منذ البدايات وكاتباً فيها لسنين طويلة.
وكان الختام مع سليمان العسكري الذي أكد أهمية الندوة والمداخلات التي قدمت فيها، معلناً عزم المجلة طباعة الدراسات والتوصيات ودراسة وتبني الاقتراحات التي تناولت المحتوى الأدبي والفني والعلمي في المجلة، مؤكداً أهمية «مدرسة العربي»، وداعياً الاقلام الجديدة الى المساهمة في استمرار مسيرتها.
شهدت الندوة بعض الحيوية نتيجة خروجها عن حدود الاحتفال بالمناسبة لطرح معطيات نقدية تساهم في تطوير هذا الاحتفال، وان كانت بعض المداخلات غرقت في الدراسة العينية التي تؤدي الى أسلوب بحثي تلقيني.
تفاوت الحضور بين جلسة واخرى، فكان مكثفاً في الجلسة الاولى التي امتلأت فيها المقاعد تماماً، وفي جلسات شهدت حيوية واسماء بارزة، وكان ضعيفاً في جلسات اقل جاذبية. اسئلة كثيرة وجهت الى رئيس التحرير سليمان العسكري، واقتراحات ليست قليلة قُدمت له في سبيل متابعة المسيرة بسلبيات أقل وتطوير أكثر، وثناءات لا بأس بها أشادت بدوره في ادخال ابواب وروحية جديدة على المجلة، بل ان البعض اشار الى قدرته المميزة في استقطاب عدد كبير من المثقفين العرب، من ألوان واتجاهات مختلفة.
ولا بد من الاشارة الى المشهد اللافت في حفل الافتتاح، عندما تجمهر المصورون الصحافيون بكثافة وحماس غريبين لالتقاط صورة للعسكري عندما همّ بإلقاء كلمته، في حين لم يحظ وزير الاعلام المسؤول عنه بالاحتفاء نفسه.
لم تنته احتفالات «العربي» في مناسبة اليوبيل الذهبي مع انتهاء جلسات الندوة، انما استمرت في اليوم التالي مع مسرحية «ريتشارد الثالث» المأساة الشكسبيرية معرّبة بإخراج المسرحي الكويتي سليمان البسام، وهو عمل قدمه البسام بتكليف من الفرقة الملكية الشكسبيرية في مهرجان الأعمال الشكسبيرية الذي أقيم في مسقط رأس الكاتب الانكليزي ستراتفورد بعرض ممتع قارب المأساة العربية، بجرأة نصية لافتة للنظر، شارك فيه عدد من الممثلين العرب، على رأسهم الممثل السوري فايز قزق، ومن بينهم الممثلون اللبنانيون نقولا دانيال، كارول عبود، نادين جمعة وريمون حسني.
وفي برنامج الاحتفالات بالمناسبة أسبوع سينمائي بعنوان «نظرة على السينما في الخليج»، وندوة في مكتبة الاسكندرية بمصر، تترافق وصدور كتاب تذكاري، في آذار المقبل، تليها احتفالية لليونسكو محورها «العربي» يفتتحها كوتشيرو ماتسورا في أيار المقبل، وفي برنامجها معرض صور وفيلم وثائقي وكتب تذكارية.
يبقى ان نقول ان مجلة «العربي» التي حملت أحلام أجيال من العرب، كانت المجلة الوحيدة، بحسب العسكري، «التي يكتبها كل العرب ويقرأها كل العرب»، ولهذا تستحق هذا الذهب الذي غلّف عيدها الخمسين.
أحمد بزون
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد