أربيل والمناورة على ملف الخيانة:
الجمل: عملية الاقتحام العسكري التركي لشمال العراق التي بدأت منذ بضعة أيام وما تزال وقائعها الميدانية جارية حالياً، هي عملية برغم وضوحها وتوقعها ستنطوي على الكثير من الملفات والخفايا المثيرة للجدل والاهتمام والتي بلا شك سوف تمتد تأثيراتها على المنطقة وعلى مستقبل الحركات الكردية والعلاقات الكردية – الكردية.
* التوازنات على خط الحدود العراقية – التركية عشية الاقتحام العسكري:
حتى لحظة ما قبل الاقتحام كانت التوازنات تشير إلى الآتي:
• من الناحية المعلنة:
* موضوع الصراع: وجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
* أطراف الصراع: تركيا – العراق.
• من الناحية غير المعلنة:
* موضوع الصراع: قيام إقليم كردستان المستقل في شمال العراق وتزايد أنشطة الحركات الانفصالية الكردية.
* أطراف الصراع: تركيا – الولايات المتحدة (وإسرائيل).
عند الحديث عن الصراع التركي – الكردي الدائر حالياً نقول أنه لم تنطبق بنود نظرية المؤامرة مثلما انطبقت عليه في هذه الحالة، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن أبعاد نظرية المؤامرة في هذا الصراع سيكتشف المراقبون والمحللون لاحقاً أنها الأكثر ثراء لجهة احتوائها على العديد من المكونات: ازدواجية المعايير، التضليل، المناورة بالأهداف، المناورة بالوسائل، الدبلوماسية الوقائية، الأجندة الاستخبارية، وغير ذلك..
في الفترة الممتدة بين بناء الحشد التركي وحتى لحظة ما قبل الاستخدام جرت مياه كثيرة على خطوط أنقرة وواشنطن وتل أبيب وأربيل وبغداد وبروكسل، وكانت التحركات على هذه الخطوط تجمع ما هو دبلوماسي بما هو استخباري.
* أربيل والمناورة على ملف الخيانة: الحيثيات وأبرز التساؤلات:
نشر موقع «كورديش ميديا» الإلكتروني الكردي تقريراً إخبارياً من العاصمة البريطانية لندن حمل عنوان «إسرائيل وحكومة كردستان الإقليمية تساعدان الهجمات التركية ضد الأكراد». ويقول التقرير:
"لندن: ظلت إسرائيل تدعم تركيا في قمعها للشعب الكردي كما تقول المصادر المحلية (أي الكردية). المتحدث الرسمي باسم حزب العمال الكردستاني أفاد بأنه في الصراع الجاري حالياً فإن الجيش الإسرائيلي يساعد الأتراك في قمع الأكراد. أفاد رئيس الوزراء التركي بأن الاقتحام تم تنسيقه مع الإدارة المحلية في شمال العراق ويتضمن ذلك أن حكومة كردستان الإقليمية التي يصفها الأتراك باسم «إدارة الشمال العراقي» تجنباً لاستخدام كلمات "أكراد" أو "كردستان"، هي حكومة قد نسقت مع تركيا. وبالإشارة إلى حديث رئيس الوزراء التركي حول عملية التنسيق التركي التي تمت مع الإدارة المحلية في شمال العراق، فإنه بالضرورة أن تكون عملية التنسيق هذه قد تمت مع كل من مسعود البرزاني رئيس حكومة كردستان وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يسيطر على أربيل، وجلال الطالباني الذي يتولى منصب الرئيس العراقي وزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يسيطر على السليمانية. وتقول المعلومات بأن الرئيس التركي عبد الله غول قد اتصل تلفونياً بطالباني يوم الجمعة. هذا وقد ظلت تركيا ترفض الاعتراف بأي حكومة إقليمية، وفي الحقيقة فإن تركيا ترفض الاعتراف الكامل بجماعة إثنية اسمها الأكراد. إضافة إلى ما ورد في التصريح وبعد مرور 24 ساعة على الاقتحام العسكري وتحت الضغط الشديد من جانب الإعلام وشعب كردستان أصدرت حكومة كردستان بياناً يدين الاقتحام".
إن التقرير الذي نشره موقع «كورديش ميديا» الإلكتروني الكردي هو تقرير مثير للاهتمام والشكوك، وعلى خلفية هذا التقرير نشير إلى الحيثيات لجهة الخطوط والخيوط المتعددة التي تكونت على ضوء توترات خط الحدود التركية – العراقية:
• تكونت العديد من الخطوط الثنائية والمتعددة الأطراف منها:
* شبكة خطوط تل أبيب: وهي الشبكة الأكثر تعقيداً وفعالية في المنطقة:
* خط تل أبيب- أنقرة.
* خط تل أبيب – واشنطن.
* خط تل أبيب – كردستان ويتضمن أربعة خطوط فرعية:
* تل أبيب – أربيل.
* تل أبيب – السليمانية.
* تل أبيب – حكومة إقليم كردستان.
* منظمة اللوبي الإسرائيلي (الإيباك – اللوبي الكردي).
• شبكة خطوط أنقرة: وهي لا تقل تعقيداً عن سابقتها وتتضمن:
* خط أنقرة – واشنطن.
* خط أنقرة – تل أبيب.
* خط أنقرة – أربيل (غير معلن).
* خط أنقرة – السليمانية (غير معلن).
* خط أنقرة – بغداد.
ونلاحظ أن تعقيدات هذه الشبكة قد ساعدت الأطراف على القيام بالمزيد من المناورات غير المعلنة وتشير المعلومات والتسريبات إلى أكثر هذه الخطوط نشاطاً يتمثل في:
• خط أنقرة مع أربيل والسليمانية وتل أبيب.
• خط تل أبيب مع أربيل والسليمانية.
وعلى خلفية التسريبات والتحليلات تبرز بعض الأسئلة الفائقة الحساسية وهي:
• ما هو الاتفاق الذي تم بين أنقرة – تل أبيب – أربيل – السليمانية، حيث أربيل هي مسعود البرزاني والسليمانية هي جلال الطالباني؟
• صمت أربيل – السليمانية ومحاولة تكتمهما على أخبار الاقتحام العسكري التركي هو صمت له أكثر من مغزى، فلماذا جاء هذا الصمت عند دخول القوات التركية إلى أراضي شمال العراق علماً بأن أربيل – السليمانية كانتا أكثر جعجعة وحديثاً حتى لحظة ما قبل الاقتحام؟
• لماذا لم لجأت أربيل والسليمانية إلى التنسيق مع أنقرة (عدوتهما اللدودة)؟ وما هو الدور الأساسي الذي لعبته تل أبيب والدور التكميلي الذي لعبته واشنطن في عملية الاقتحام العسكري التركي لشمال العراق.
التوقعات كثيرة وهناك أكثر من سبب لعمليات التنسيق التي حدثت على خطوط تل أبيب – أنقرة – أربيل – السليمانية، وتشير التحليلات إلى أن الهدف المعلن هو القضاء على حزب العمال الكردستاني ولكن الهدف غير المعلن يتجاوز ذلك إلى نطاق وحدود أكثر عمقاً:
• هل يريد مسعود البرزاني القضاء عسكرياً على حزب العمال الكردستاني عن طريق عملية الاقتحام العسكري التركي؟ هذه العملية التي سوف تقضي سياسياً على جلال طالباني، وبذلك يكون قد اصطاد عصفورين بحجر الجيش التركي الواحد مما يترتب عليه انفراده بالسيطرة الكاملة على كامل أوراق الملف الكردي خاصة وأن تل أبيب ترغب في ذلك طالما أن البرزاني هو حليفها المفضل في المنطقة.
• هل يريد جلال طالباني القضاء عسكرياً على حزب العمال الكردستاني عن طريق عملية الاقتحام العسكري التركي التي سوف تقضي سياسياً على مسعود البرزاني وبذلك يكون قد اصطاد عصفورين بحجر الجيش التركي الواحد مما يترتب عليه انفراده بالسيطرة الكاملة على كامل أوراق الملف الكردي.
إذاً، اتفق البرزاني والطالباني على التخلص من حزب العمال الكردستاني عن طريق الاقتحام العسكري التركي لشمال العراق فهل سيقتنع الأتراك بالقضاء على الحزب أم أن هناك طموحات تركية إزاء المزيد والمزيد؟
كانت واشنطن منذ البداية أكثر اهتماماً بالطموحات التركية المتعلقة بمرحلة ما بعد القضاء على حزب العمال الكردستاني لذلك حذرت واشنطن تركيا منذ بداية الاقتحام بضرورة عدم المضي قدماً والتوغل بعيداً وتجاوز الحدود المتفق عليها. وحتى الآن، لم تقاتل قوات البشمركة الكردية التابعة لوزارة شؤون البشمركة أو وزارة دفاع حكومة إقليم كردستان ضد القوات التركية المتقدمة، ومن المعروف أن قوات البشمركة هي في حدود 150 ألف جندي، بينما قوام القوات التركية التي تقدمت داخل الشمال العراقي فيبلغ 10 آلاف جندي!! والفرق في العدد يشير إلى أن قوات البشمركة قادرة على عرقلة الاقتحام التركي منذ البداية إن لم يكن صده تماماً، وإلحاق الخسائر الفادحة بالقوات التركية، ولكن شيئاً من هذا لم يحدث فما الذي حدث؟ هل تم سحب قوات البشمركة من المنطقة، أم أن تعليمات وزارة شؤون البشمركة هي عدم التعرض لقوات الجيش التركي؟! بكلمات أخرى، كيف سيثبت مسعود البرزاني وجلال الطالباني أنهما بريئان من دم أكراد حزب العمال الكردستاني كبراءة الذئب من دم يعقوب؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد