الدراما العربية تتقدم خطوة وتتراجع خطوتين تجاه قضايا العرب الكبرى
ما زالت الدراما العربية تتقدم خطوة وتتراجع خطوتين تجاه قضايا العرب الكبرى، حيث لم تنغمس بشكل جدي ومدروس في هموم 300 مليون عربي وهي كثيرة فقد مر القرن العشرون مرور اللئام على أمة العرب ولم يتركها إلا بعد أن أثخنها بالجراح والآلام، حيث لم تكد هذه الأمة تلتقط أنفاسها بعد قرون من الوجود العثماني حتى سقطت فريسة استعمار من نوع جديد استنزف خيراتها وزرع في صلبها مدية قاتلة وهي (إسرائيل) ورغم المحاولات العديدة التي قامت بها إلا أن الأمة ما زالت تعاني من لؤم هذه (المدية) التي تكبل إرادتها ورغبتها بالنهوض وخاصة أن قوى عالمية تعاود غرزها مرة تلو مرة في جسد عربي يأبى الموت.
وقد قدمت السينما المصرية التي كانت وما زالت معبرة عن السينما العربية كلها العديد من الأفلام الهامة التي حاولت الاقتراب من (أم القضايا) بالنسبة للعرب وهي فلسطين والاحتلال الصهيوني لها، إلا أن هذه الأفلام في معظمها كانت تقدم من زاوية مصرية ولم تكن ذات أبعاد عربية شاملة باستثناء فيلم (الطريق إلى إيلات) الذي يعد نقلة مهمة في هذا المجال فقد حاول صناع الفيلم التأكيد على أن الوحدة والتضامن العربي هما السبيل الوحيد لهز الكيان الصهيوني وقد عبر هذا الفيلم خير تعبير عن آمال العرب في هذا الإطار والدليل أن الملايين منهم شاهدت هذا الفيلم حين عرضه أول مرة وما زال في الذاكرة ويحظى بالمتابعة في كل عرض له ولكن هذا لا ينفي أهمية العديد من الأفلام المصرية التي تناولت خطر إسرائيل على مصر ويقفز للذهن على الفور أسماء عدة أفلام منها (الرصاصة ما زالت في جيبي) و(فتاة من إسرائيل) و(مهمة في تل أبيب) وغيرها من الأفلام.
وبالانتقال إلى المسرح نجد أن المسرحيات التي حاولت الاقتراب من القضايا الكبرى نادرة باستثناء مسرحية أو أكثر حول القدس أشهرها (وا قدساه) ومنذ العقد الأخير من القرن العشرين فرضت الدراما التلفزيونية نفسها على مشهد الفن العربي وتصدرته بجدارة لأسباب متعلقة بالثورة الكبيرة في مجال الفضائيات العربية وعوامل أخرى عديدة.
لكن هذا لا يعني أن الدراما العربية لم تحاول معالجة وتسليط الضوء على قضايا مهمة قبل هذا التاريخ، ولكن ثورة الفضاء ألغت ما قبلها ورغم ذلك لا أحد ينسى مسلسل (رأفت الهجان) الذي كان بصورة أو بأخرى مسلسلا وطنياً أطلت الدراما العربية من خلاله على الداخل الإسرائيلي وقدم أجوبة للعديد من الأسئلة وأبرز وبشكل واضح قدرة العرب على الفعل إذا تهيأت الظروف المناسبة لذلك وانشغلت الدراما العربية بالعديد من القضايا الجانبية على أهميتها ورغم أنها حاولت قراءة التاريخ العربي من جديد إلا أن هذه القراءات كانت أحياناً قاصرة وأحياناً أخرى لغايات شخصية بحتة وقد قطعت الدراما السورية تحديداً شوطاً لا بأس به في سبيل ذلك، وكان من الواجب الاستمرار في ذلك لأن مواجهة التاريخ بكل ما فيه هو السبيل الوحيد لمستقبل أفضل، إلى أن جاء مسلسل (التغريبة الفلسطينية) ليكون الشرارة التي أعلنت وصول الدراما العربية إلى الميدان الذي يجب أن تكون فيه، فقدم هذا العمل وبصورة متقنة تأليفاً وإخراجاً وأداءً وظرفاً انتاجياً لوحة معبرة وواضحة لما جرى في فلسطين منذ بدايات تأسيس الكيان الصهيوني وحتى قيام هذا الكيان باحتلال ما تبقى من فلسطين وبعض الأراضي العربية في لحظة تاريخية حرجة ما زلنا ندفع ثمنها حتى أيامنا هذه وإلى أمد نرجو ألا يكون طويلاً، لقد كان هذا العمل بحق أول مواجهة حقيقية بين الدراما العربية وإحدى أهم قضايا العرب وهو من النقاط المضيئة في سجل هذه الدراما وإضافة مهمة لما قبلها وقد نال هذا المسلسل متابعة واهتمام المشاهدين العرب وخاصة من الأجيال التي لم تعِ جيداً ما جرى في تلك السنوات الثقيلة ومن الأجيال التي ولدت بعد النكسات العديدة ولكن الدراما العربية (صامت) بعد ذلك عدة أعوام إلى أن قدمت في العام الماضي مسلسل (الاجتياح) الذي تناول المعركة التي دارت بين الفصائل الفلسطينية التي كانت في أواخر عام 2002 تقاتل تحت راية فلسطين وليست رايات أخرى، وبين جيش العصابات الصهيونية دفاعاً عن مخيم (جنين) ورغم أن المسلسل لم يحظَ بالمتابعة المتوقعة إلا إنه كان (رصاصة) على دريئة الهموم والقضايا العربية الكبرى، وسواء أصابت هدفها أم لم تصبه إلا أنها تبقى محاولة مهمة في هذا الاتجاه.
والآن تجري عمليات انجاز مسلسل تلفزيوني عن القدس سيكون العمل الدرامي التلفزيوني الأول الذي يقترب من المدينة المقدسة التي ظلت شبه غائبة عن ذهن الدراميين العرب.
وبعيداً عن القدس وفلسطين هناك العديد من القضايا الكبرى والمهمة في حياة الأمة العربية لم تلتفت إليها الدراما العربية فقضية التضامن العربي في ظرف تاريخي كهذا مسألة أكثر من مهمة تحتاج إلى وقفات جادة، وقضية الأمية التي تتفشى في أوصال الجسد العربي قضية مهمة لا ننسى أيضاً أن القرن العشرين ورغم مرارته في الحلوق إلا أنه كان حافلاً بالعديد من المحطات المضيئة، فالعرب خسروا معارك عدة ولكنهم لم يخسروا المعركة وقد تجلى رفض العرب للهزيمة في حرب تشرين عندما تحرك جناحا الأمة (الشام ومصر) نهضت الأمة ورفست العدو الصهيوني رفسة أفقدته الوعي لحين، وهذه قضية لم تلامسها الدراما العربية بشكل يرضي، وهناك شخصيات عربية مهمة في المسرح السياسي والعسكري والاقتصادي والإبداعي، تحتاج إلى لمسة الدراما العربية.
وقد ظل العراق وما جرى فيه منذ عام 1990 وحتى سقوط عاصمة الخلافة والعروبة (بغداد) في يد مجموعة من شذاذ الآفاق ورعاة البقر بعيداً عن الدراما العربية وأعتقد أن أمام الدراميين مهمة لا أرى مهمة أهم منها وهي احتضان العراق قبل أن يسقط وأعتقد أن الفن والدراما العربية هما حائط الدفاع الأخير عن العراق بعد أن سقطت كل الدفاعات.
أمام الدراما العربية مهام جسام وخاصة أن أنظار العرب كلها أصبحت على هذه الدراما ويجب على الدراميين العرب إدراك أهمية عملهم فإما أن يساهموا بنهضة أمة وإما أن يكونوا عامل تخريب وتغييب ونحن نربأ بهم أن يكونوا كذلك ورب فيلم أو مسلسل تلفزيوني يساوي قنبلة نووية في التأثير.
محمد أمين
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد