زوابع وتوابع جائزة المغرب للكتاب
منذ الضجة التي أثارها الراحل أحمد بوزفور الذي اعتذر سابقاً عن عدم قبول «جائزة المغرب للكتاب» سنة 2004، عادت أهم جائزة أدبية في المغرب لتؤدي دورها التقليدي المحدود الذي لا يتجاوز مفعوله لحظة إعلان النتائج ومراسم الاحتفال والتسليم. لكن هذه السنة، وجدت الجائزة نفسها ــ مرة أخرى ــ في قلب جدل حاد ما زال متواصلاً حتى الآن على صفحات الجرائد المغربية.
بدأ السجال بمقالة الناقد عبد الرحيم العلام، أمين صندوق «اتحاد كتّاب المغرب»، يطعن فيها بصدقية لجنة الجائزة، ويتهمها بـ«تغليب منطق التكتلات والولاءات، وأسلوب الزبونية» (أي المحسوبيّة)، و«الإصرار على تتويج عمل هو الأول من نوعه لكاتبه في مجال الإبداع الروائي، مع العلم أنّ هذه الرواية تحتوي على أكثر من أربعين خطأً لغوياً وتعبيرياً على امتداد صفحاتها الأولى فقط».
ولم يتأخّر ردّ محمد المعزوز، صاحب رواية «رفيف الفصول»، الفائزة بجائزة المغرب عن فئة «الإبداع الأدبي» هذه الدورة. كتب هذا المسرحي والباحث في علم الجمال، مدافعاً عن لجنة الجائزة التي لم تسقط ــ برأيه ــ في فخّ الأسماء الكبيرة، بل أنصتت إلى النصوص، وأعطت الأولوية للأعمال الإبداعية. وردّ المعزوز على العلاّم الذي نشر لائحة بالأخطاء التي زعم أنّها موجودة في «رفيف الفصول»، بمرافعة نحوية ولغوية بليغة أظهر عبرها عمق معرفته بالقواعد المعيارية، رغم جنوحه إلى عدم الالتزام الجامد بها.
لكنّ انتقادات العلام لم تقف عند حدود فرع الإبداع الأدبي، بل طاولت «جائزة الدراسات الأدبية والفنية» التي فاز بها شرف الدين ماجدولين عن بحثه «ترويض الحكاية، بصدد قراءة التراث السردي». عضو الهيئة الإداريّة في «اتحاد كتّاب المغرب» وصف ماجدولين، بأنّه من «فئة الحواريين والأتباع»، علماً بأنّ العلام رشّح في هذا الفرع بالذات عمله النقدي الجديد «سيرة الفقدان»، ما جعل عديدين يرون غضب العلام زوبعة في فنجان، بل مجرد رد فعل على استبعاده من الجائزة!
لكن لماذا لم يُتوَّج كتاب عبد الرحيم العلام؟ ولماذا فاز العمل الروائي الأول لباحث أكاديمي شاب على روايات بارزة منها «هذا الأندلسي» لسالم حميش مثلاً؟
لجنة الجائزة التي يرأسها عبد الرحمن طنكول، عميد كلية الآداب في فاس، تحدّثت عن ثلاثة معايير هي: أصالة الموضوع، صرامة المنهج، والقيمة المضافة. لكن، كيف تحققت هذه المعايير في الأعمال المتوّجة؟ هذا ما لم تجب عنه اللجنة مع الأسف بتقرير علمي واضح وصريح. طبعاً نتائج مداولات كل لجان الدنيا نسبية، ومعاييرها أيضاً. لكن المطلوب هو إقناع الرأي العام الثقافي بمدى تطابق اختيارات اللجنة مع المعايير التي حددتها. وهذا بالضبط هو الشرخ الذي تسرّبت منه رياح الاحتجاج إلى جائزة المغرب للكتاب هذا العام...
لقد استُبعِدَت مثلاً رواية «هذا الأندلسي» لسالم حميش، وفق مصدر من داخل اللجنة، لأن حميش في سرده لسيرة المتصوف الأندلسي ابن سبعين كان ينسج على منوال «العلامة»... لذا فإن «شرط أصالة الموضوع» لم يتحقق في عمله الجديد. أمّا «سيرة الفقدان» لعبد الرحيم العلام، فكان عملاً في السيرة الذاتية التي «قُتلت» بحثاً في المغرب، على يد عبد القادر الشاوي وعمر حلي ومحمود عبد الغني وباحثين آخرين. هكذا غاب في كتاب العلام عنصر القيمة المضافة، لتنحاز اللجنة إلى دراسة باحث من جيله آثر الاشتغال على القراءات التي اقترحتها نخبة من النقاد المغاربة كسعيد يقطين وعبد الفتاح كيليطو وغيرهما للتراث السردي العربي.
كذلك أسهم تقرير البنك الدولي عن وضعية التعليم في المغرب، وهو التقرير الذي صنّف المغرب في آخر درجات السلّم التربوي، في ترجيح كفة «رهانات البيداغوجيا المعاصرة» لعبد الحق منصف للفوز بـ«جائزة العلوم الإنسانية والاجتماعية»، رغم أنّ قائمة المتنافسين في هذا الفرع ضمت إصدارات فكرية مهمّة لأسماء كبيرة من حجم محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي ومحمد المصباحي. ولولا تقرير البنك الدولي، وهو معطى طارئ، لكان للجنة ربما رأي آخر. لكن اللجان عموماً مُطالبة بالمرونة والانفتاح على أسئلة الواقع وتحولات المجتمع وقضايا الساعة. لكن، مرة أخرى، كان من الأفضل لو تواصلت لجنة طنكول مع الساحة الثقافية، وأرفقت إعلان نتائجها بتقرير ما، كان ليقنع الجميع بالتأكيد، بل ليسهم، على الأقل، في حماية النقاش من مزالق الانحراف عن الجوهر.
لكن بينما كان السجال متواصلاً بين عبد الرحيم العلام وبعض الفائزين وأعضاء لجنة الجائزة، فاجأ الشاعر محمد بنطلحة الجميع ببيان يستغرب فيه «الزَّج باسمي في ثنايا نقاش ما كان ينبغي أصلاً أن أكون طرفاً فيه ». وأضاف: «إنني أنفي نفياً قاطعاً أن أكون قد رشّحت نفسي هذه السنة، مثلما لم أرشّحها في أي سنة سابقة، لا لهذه الجائزة ولا لأي جائزة أخرى. عجباً، كتابي فوق المشرحة وأنا آخر من يعلم. كيف حدث ذلك؟».
ما حدث ببساطة هو أنّ «دار الثقافة» التي نشرت «قليلاً أكثر»، بادرت إلى ترشيح ديوان بنطلحة، ديوانه الجديد هذا، للجائزة. ولأن لاسم بنطلحة بريقه الخاص في الساحة الأدبية المغربية، حرص عبد الرحيم العلام على الاستشهاد به وبسالم حميش لإحراج اللجنة التي توَّجت المعزوز، ما أثار حفيظة الشاعر المغربي الكبير. لكنّ السؤال الأهم الذي يطرحه بيان بنطلحة هو: هل يحقّ للناشرين ترشيح كتب للجائزة من دون استشارة مؤلّفيها؟ سؤال آخر يُضاف إلى وابل الأسئلة التي تحاصر جائزة المغرب للكتاب هذه الأيام.
- انطلقت جائزة المغرب للكتاب (10 آلاف يورو) عام 1968، وكان الروائي المغربي الكبير عبد الكريم غلاب أول الفائزين بها عن روايته الشهيرة «دفنا الماضي». وقد عادت الجائزة هذه السنة في فرع الإبداع الأدبي إلى محمد المعزوز (حاصل على دكتوراه في علم الجمال، وأخرى في الأنثروبولوجيا السياسية) عن باكورته «رفيف الفصول» (دار إفريقيا الشرق). بينما عادت جائزة الدراسات الأدبية والفنية للناقد شرف الدين ماجدولين عن كتابه «ترويض الحكاية، بصدد قراءة التراث السردي» (الدار العربية للعلوم ناشرون ــ بيروت).
وفي فرع العلوم الإنسانية والاجتماعية والقانونية، حاز الجائزة هذه السنة أستاذ الفلسفة عبد الحق منصف عن «رهانات البيداغوجية المعاصرة» (دار إفريقيا الشرق). فيما كانت جائزة الترجمة من نصيب المؤرخ المغربي أحمد بوشرب عن ترجمته من البرتغالية لكتاب «حوليات أصيلا (1508 ــ 1535) مملكة فاس من خلال شهادة برتغالي» لمؤلفه برناردو رودريكس، وهي الترجمة التي صدرت في كتاب ضخم عن «دار الثقافة» في الدار البيضاء.
ياسين عدنان
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد