محبو سعد الله ونوس يحيون ذكراه الحادية عشرة في حصين البحر
من قرية جميلة تطل على البحر بدأ سعد الله ونوس رحلة نورس مهاجر, مرت ببيروت ودمشق والقاهرة, وها هي دمشق التي عاصرت هواجس ونوس وإبداعاته, تحتفي اليوم بسيد المسرح بوصفها عاصمة للثقافة العربية.
الطريق بين دمشق وحصين البحر كان ممهدا بالحنين لالتقاط النسمات الأولى من مسيرة إبداعه. والوقوف بخشوع على قبر غدا رمزا بحد ذاته, يتفيأ بالياسمين نقشت عليه عبارة (نحن محكومون بالأمل) ربما الأمل هو الذي دفع مئات الأشخاص ليختصروا الطريق بين دمشق وطرطوس بمسافة من الحنين ويلبوا دعوة الاحتفالية في إحياء الذكرى الحادية عشرة لرحيل الكاتب المسرحي سعد الله ونوس.
وفي البداية ألقت السيدة حنان قصاب حسن الأمين العام لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة كلمة تحدثت عن ونوس الذي لم يغب وعن حياته الثقافية رغم مرور أكثر من عشرة أعوام على رحيله. فلا يوجد موسم مسرحي إلا ويعرض فيه شيء من مسرحياته ولا يوجد مركز ابحاث مسرحية إلا ولمسرحياته فيها نصيب لأنه استطاع أن يعيش اللحظة المتأرجحة بين الحياة والخلود.
وألقى السيد عجاج سليم مدير المسارح والموسيقا كلمة تحدث فيها عن سعد الله ونوس فيلسوف الفقراء والمضطهدين الذي مشى على ماء احلامهم وذكرّهم دائما أن السماء لا تمطر ذهبا, ومشى درب جلجلته بصمت ولكن دوي كلماته اسمع الدنيا وما فيها صراخ الأقبية ,هدير البحر, رنة ضحكات الأطفال, حفيف أوراق الخريف , دقات القلوب المنبعثة.
أما السيدة فاىزة شاويش فتحدثت في كلمتها أن حضارة الشعوب تقاس بعدد مبدعيها, وبالاعتراف بقدرتهم على الارتقاء بمستوى بلدهم منذ 12 عاماً اعترف الغرب بان سورية بلد حضارة وإبداع عندما تم تكليف سعد الله بكتابة كلمة يوم المسرح العالمي, والتي ترجمت الى جميع لغات العالم.
واليوم يؤكد الغرب باعترافه هذا بمشاركته الفعالة بفعاليات دمشق عاصمة الثقافة.
كما شكرت السيدة فايزة المشاركين في إحياء ذكرى رحيل الكاتب ونوس.
ثم انتقل المشاركون الى زيارة الضريح والقوا العديد من القصائد الشعرية لكل من عادل محمود وغياث مدهون ومناف محمد وسونيا سليمان وعماد نجار وسامر اسماعيل.
وبعد ذلك قدّم ضمن فضاء مفتوح عرض (العميان) للكاتب الأمريكي موريس مترلينك وإخراج سامر عمران. وهذا العرض مشروع المعهد العالي للفنون المسرحية(سنة ثانية) وتدور قصته حول مجموعة من العميان ينتظرون الكاهن الذي ذهب ليجلب الماء لاحدهم فتأخر ولم يرجع فيبدأ العميان بالبحث عنه وفي النهاية يكتشفون موت الكاهن بينهم دون أن يحسوا بذلك وييقون ضائعين في البرية دون اي دليل.
كما قدم عرض آخر بعنوان/جثة على الرصيف/ تأليف /سعد الله ونوس/ واخراج اسامة حلال وقدم العرض فرقة كون المختصة بعروض الشوارع.
وتصف المسرحية الوضع الاجتماعي الذي من الممكن ان تصل اليه في حال اصبح المجتمع مفككا فهي تعكس قصة رجل فقير مات جائعا مشردا على الرصيف ولم يجد من يدفنه سوى عابر ثري اخذ جثته ليطعمها لكلبه الجائع.
فهذا العرض هو عبارة عن رسالة للناس كي يعرفوا الى اين هم ذاهبون ويدركوا سلوكهم وافعالهم وما الذي يمكن ان يحل بهم في حال لم ينتبهوا الى ذلك.
ونحن في ذكراه لا بد أن نستحضر بعضا من كلماته المجبولة بفلسفة الحياة حيث يقول:
مهما بدا الحصار شديدا والواقع محبطا فإنني متيقن ان تضافر الإرادات الطيبة وعلى مستوى العالم سيحمي الثقافة ويعيد للمسرح ألقه ومكانته, وإننا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ.
***
قالوا:
/باسم قهار/ ممثل ومخرج مسرحي عراقي قال: اعتبر سعد الله ونوس احد المؤسسين للنص المسرحي العربي, والتأسيس هنا ليس زمنيا بمعنى الريادة انما بمعنى الترسيخ فالنص العربي اخذ شكل وقاحة جديدة معه وهو اكثر الكتاب العرب تمسكا بالحالة الدرامية اكثر منها الحالة السردية فالنص العربي يعاني من مرض اللغة وتفرد بهذه الحالة واستعار من التاريخ ما يحاكي او يوازي اللحظة القائمة والتي تشكل هاجساً لدى الجمهور وهو بالتالي اقام تواصلاً دائماً.
وكان ونوس يمتلك شجاعة النقد والنقد للحالة العربية ولا يخجل من نقد الذات ولا من نشر الفضائح, الامر الذي نحتاجه جدا لتشريح وضعنا العربي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
الشاعر /عادل محمود/ قال إن ونوس كاتب مسرحي كان يريد ان يكون شاعرا وان يصبح وجها عاما للحياة ولم يكن يكتفي ابدا بما فعل وكان يريد دائما ان يفعل اكثر واكثر ولذلك ربما كان أسفا جدا لان الوقت لم يكن متوفرا بغزارة لاسيما بعد مرضه ولذلك اهم ما فعله ونوس انه اعتبر الزمن المتبقي له هو زمن ابداعي فقط لا غير.
ويمكن ان نسمي ونوس بالشخص الأسف لانه لم يستطع ان يفعل من خلال المسرح ما كان يريد ان يفعله.
مها يوسف- نجلاء دنورة
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد