نجاح العطار سيدة الثقافة السورية
من فتاة ثائرة في مدرسة الراهبات تتظاهر ضد الانتداب الفرنسي, الى جامعية متفوّقة, الى اول وزيرة للثقافة €أول وزيرة سورية€ الى نائب لرئيس الجمهورية.
قصة نجاح العطار قصة تروى. إنها قصة ريادة ونضال, في المواقع الأكاديمية كما في مواقع القرار, تجسد مقولة «ان الثقافة ايضا جبهة مقاومة ودفاع عن هوية الامة الحضارية», وإن المرأة العربية قادرة اذا هي ارادت.
لم تنتظر طالبة الصف الرابع الابتدائي نجاح العطار حتى ينضج وعيها السياسي, كي تبادر الى تحريض زميلاتها في مدرسة التطبيقات في حي الروضة الدمشقي على السير في تظاهرة لغاية مدرسة الفرنسيسكان ومطالبة القائمين عليها بإخراج الطالبات للمشاركة في الإضراب احتجاجاً على سلطة الانتداب الفرنسي بداية الأربعينيات. كان المشهد طريفاً في غرابته حين لم يتمكن المستخدم الأرمني المسكين من ردع التلميذات الغاضبات, حتى أطلت عليهن المسؤولة وخاطبتهن من خلف برقعها الشفاف الأنيق, بأنها ستمتثل لطلبهن وتدع طالبات الفرنسيسكان يشاركن بالإضراب, ودعتهن للدخول الى حرم المدرسة, وما إن دخلن حتى وجدن أنفسهن محتجزات في الحديقة, وسرعان ما حضر رجال الدرك برفقة ضباط فرنسيين, وانصب اهتمامهم على معرفة من وراء تحريض التلميذات الصغيرات على الشغب, وكانت الأنظار تتجه آلياً نحو الفتاة الصغيرة نجاح رأس الحربة التي ما فتئت تحرض وتخطب بحماسة مشجعة زميلاتها على الصمود والكف عن البكاء. بالطبع, كانت الفرصة مواتية تماماً لتمارس نجاح موهبتها الخطابية التي تدربت عليها طويلاً أمام المرآة في البيت.
أصعب ما كان في التحقيق عدم إجادة التلميذات التحدث باللغة الفرنسية, سوى واحدة تصدت لمهمة الترجمة, ثم تبين أنها لا تعرف من اللغة سوى كلمتي نعم ولا, فلم يتمكن الضباط من تفهيم الأسئلة ولا فهم الأجوبة, وبالتالي لم يفلحوا بمعرفة من يقف وراء هذا التمرد الطفولي, إلى أن تدخل قائد الشرطة, وكان حينها أحمد اللحام الذي أضحكه المشهد كثيراً, خصوصا حين أعطت نجاح زعيمتهن لنفسها ورفيقاتها أسماء مستعارة, وأصرت على موقفهن الاحتجاجي. وبعد أن تفاهم قائد الشرطة مع الضباط الفرنسيين, التفت إلى البنات وقال لهن, سنخرجكن من هنا لكن قلن «التوبة لن نعيدها ثانية», وأطلق سراحهن بعد ساعات من التوقيف امتدت من الصباح ولغاية السادسة مساءً.
الأب والزوج
إلا ان التلميذة الثائرة أعادت الكرة مرات كثيرة استمرت الى ما بعد نيل الاستقلال وقيام الحكم الوطني, وكانت عنصراً مميزاً وفاعلاً في التظاهرات الطلابية, ولم تكن قد تجاوزت سن الخامسة عشرة بعد, حين فوجئت بمعلمها في المدرسة, يدفعها نحو درج بناء السرايا في ساحة المرجة, كي تلقي خطاباً حماسياً في الجماهير الغفيرة التي تظاهرت العام 1948 عقب النكبة, رغم علمه بعدم استعدادها. ثقة المعلم بوطنية وفصاحة نجاح العطار, لم تأت من فراغ, فقد لفتت أنظار أساتذتها بثقافتها ونضوج وعيها السياسي المبكر, فهي ابنة قاض وشاعر متنور, من أوائل الذين نالوا شهادة في الحقوق من اسطمبول العام 1905, كان حريصاً على تنشئة أبنائه على حب العلم والانفتاح, دون تمييز بين أنثى وذكر على الرغم من انتمائه لعائلة محافظة. وكانت زوجته المتحدرة من أصل جزائري تتعجب من سماحه لأبنائه مجادلته في آرائه, وتلقي باللائمة على البنات وتنبههن إلى مراعاة التهذيب في حضرة أبيهن: «كيف تتحدثن مع والدكن بهذه الطريقة, نحن لم نكن هكذا» علماً أنها هي أيضاً سليلة عائلة علم وأدب.
ثابر الأب على تشجيع نشاط ابنته واحترم خياراتها, لتكون من أوائل فتيات دمشق اللواتي كشفن عن وجوههن مكتفيات بمنديل لتغطية الشعر, كما لم يمانع في متابعة دراستها ومخالطتها للرجال في الجامعة التي دخلتها العام 1950 لتتخرج العام 1954 من كلية الآداب, في العام الذي التقت فيه بالشاب الطبيب ماجد العظمة صديق شقيقها, ليتزوجا بعد أسبوع واحد من هذا اللقاء الذي حدث خلاله إعجاب وتوافق في الآراء والأفكار والمواقف من الحياة, ليشكل زوجها الدكتور العظمة امتداداً لدعم والدها, ورافقته إلى بريطانيا, وهناك أتمت دراستها العليا ونالت درجة الدكتوراه بعد ثلاث سنوات بمرتبة شرف, علماً أنها حصلت قبلها على دبلوم في التربيةالعام 1955 من جامعة دمشق.
عادت من بريطانيا بشكل مختلف, كانت قد خلعت الحجاب نتيجة لقناعاتها الفكرية والثقافية والدينية, التي جمعت بين السلوك والأخلاق المحافظة وبين الفكر التنويري التحرري, بعد ان هضمت ثقافات عديدة بدءاً بالكتب التراثية والأمثولات الأخلاقية التي تلقتها على يد والدها في الطفولة, ولا تزال تذكر كيف كافأها بمئذنة من الليرات الذهبية لحفظها قصيدة للمتنبي وهي في الصف الثالث الابتدائي, تابعت بعدئذ اهتمامها بالأدب ولها محاولات في نظم الشعر, تخلت عنها لاحقاً مع احتفاظها بشعرية اللغة وسمت غالبية كتاباتها وأعطت لأسلوبها طابعاً بلاغياً مميزاً. كانت محط إعجاب أساتذتها في الجامعة كالدكتور عبد الله عبد الدايم والمؤرخ شاكر مصطفى, وكما تبحرت في الثقافة العربية, أقبلت بنهم على الأدب الروسي وقرأته باللغة الفرنسية, مثلما قرأت الأدب الغربي بالإنكليزية.
وعلى الرغم مما مثلته الدكتورة العطار العائدة من بريطانيا, وما تمثله من مكانة اجتماعية مرموقة وقيمة نضالية محترمة, لم يتقبل آنذاك رئيس جامعة دمشق دخولها ميدان التدريس الجامعي لأنها امرأة, ولعل هذا المصير هو ما جعلها لدى حصولها على البكالوريا تعدل عن رغبتها بدارسة الحقوق ظناً منها أن لا مستقبل للمرأة الحقوقية في مجتمع لم يعترف بعد بضرورة تمكين المرأة, فالطريق أمامها ما زال ببدايته, إلا أن طبيعة العطار المتفائلة وطموحها المتوقد, ساعدا على استمرارها في المحاولة, فدرَّست في التعليم الثانوي ثلاث سنوات قبل انتقالها الى وزارة الثقافة, لتعمل الى جانب نخبة من المثقفين السوريين كأنطون مقدسي وأنطون حمصي وحنا مينا وآخرين في مديرية التأليف والترجمة التي ستتولى إدارتها لاحقاً.
مع حافظ الأسد
في بداية السبعينيات, استرعت الانتباه مقالاتها المنشورة في جريدة البعث, وكثيراً ما توقف عند بعضها الرئيس حافظ الأسد الواصل إلى السلطة حديثاً, واستشهد بها مع محدثيه, فقد كان يعرف في حينها زوجها الدكتور ماجد العظمة الذي عمل لسنوات طويلة في إدارة الصحة العسكرية, وكانت له أياد بيضاء في هذا المجال. وتوضح اهتمام الرئيس الراحل الأسد بنجاح العطار عندما رفض استقبال وفد من الكتاب لم تكن هي بينهم. إلا أن الحدث المفصلي كان لدى كتابتها مقالاً جريئاً بعد حرب تشرين بعنوان «الى سيد يضيق بالسياسة» ركزت فيه على ضرورة وضع الشعب في صورة ما يحدث, ومع أنها لم تكن تقصد في مقالتها شخص الرئيس إلا انه أرسل في طلبها, وكان اللقاء الشخصي الأول الذي عقد فيه الأسد النية على أن تكون العطار أول امرأة تشغل منصب وزيرة, دون البوح بذلك, فقد كانت صريحة وصادقة معه في النقاش والسؤال, معبرة عن شعورها الوطني الأصيل, وكان من ضمن هواجسها سؤال هو: «هل يأتي يوم ونراك فيه تساوم على القضية الفلسطينية؟» فكان جوابه القاطع: «لا». ومن المؤثر, بعد مرور أكثر من سبعة وعشرين عاماً على هذا السؤال, أن يقول الأسد وهو على فراش المرض في أيامه الأخيرة, حين التقت به قبل رحيله بنحو عشرين يوماً: «هل ترين يا دكتورة, لقد وصلت الى هذه المرحلة, ولم أتخل عن القضية الفلسطينية».
محضت الدكتورة العطار الرئيس الأسد احترامها وتقديرها وحبها. وأعلنت على الدوام, أنها تدين له ولدعمه ورعايته لعملها ولدورها الثقافي في بناء علاقة قوية مع المثقفين السوريين والعرب, كانت على قناعة بأنهم روح ودماء الحياة الثقافية, ولا ينبغي على الدولة أن تبخل عليهم بتقديم جميع الوسائل للنهوض بالثقافة الوطنية.
في العام 1975 وعد الرئيس حافظ الأسد في خطاب له بمناسبة عام المرأة, بالقيام بخطوات مهمة لدفع مسيرة المرأة في سوريا, كان يوماً مشهوداً حمل حدثاً مفاجئاً, لكن ينتظر التنفيذ, ولم تتأخر بوادره, مع إطلالة شهر آب €اغسطس€ من العام 1976 عين نجاح العطار وزيرة للثقافة, لتمكث في هذا المنصب حتى العام 2000. وما أن تسلمت سدة المسؤولية, حتى شعرت بأن أموراً شكلية كثيرة لا بد من أن تتغير في حياتها كامرأة مثقفة متحررة, لكن أرستقراطية في محبتها للأناقة والموضة والألوان الزاهية, فراحت تميل نحو البساطة في اللباس, مرتدة إلى تلك الكلاسيكية الشامية الحيية والمستحبة, في نأي عن لفت النظر, إذ ارتأت في التماثل مع الناس ضرورة للتواصل معهم, وهي إن غيرت الشكل حافظت على جوهرها وسلوكها المتواضع الدمث, وتهذيبها المفرط في التعاطي مع الآخرين أيا كان موقعهم, بل إن اللافت في شخصيتها احتفاظها بتلك الطفلة المتألقة والشابة الخجولة والمرأة الجسورة دون فجاجة أو افتعال, فلا يزال وجهها يحمر خفراً من المديح, ويترسل صوتها متألقاً لدى سرد الحوادث الطريفة, كما لم تتخل عن دورها كأم لولدين ربتهما على اكتناز الثقافة والعلم, فدرس الشاب الطب وتخصص في فرنسا ليستقر لاحقاً في الولايات المتحدة الأميركية مع زوجته وابنتيه, فيما تعيش الابنة طبيبة عيون ناجحة في دمشق. أما لماذا اتجه الأولاد نحو دراسة الطب مثل والدهم فهذا أمر جاء مطابقاً لرغبتهم, مع ان العطار تمنت لو تدرس ابنتها علم الاجتماع, لكن ثمة ظروفاً كثيرة دفعتها نحو دراسة الطب, وانغمست فيه متخلية عن ميولها الأدبية.
ويمكن القول إن الدكتورة نجاح العطار وزوجها الدكتور ماجد العظمة تمكنا من بناء مؤسسة أسرية نموذجية, في نقائها ونأيها عن مفاسد النفوذ والسلطة, ما يؤكد أصالة منبت جعلها تتمسك بالتقاليد من دون التنازل عن طموحاتها, في مواءمة مثالية تؤكد أن التحرر والطموح ليسا على الضد من الأخلاق والتقاليد المتعارف عليها. وما زال الزوجان ولغاية اليوم وكما يبدوان للمحيطين بهما أنهما باقيان على عهد المودة والتفاهم, ولا يمكن لمن يلتقي بهما, إلا ان ينتابه مزيج من مشاعر الحبور والارتياح, أولاً لوجود ما يثبت أن الدنيا ما زالت بخير, وثانياً لأن مجالسة شخصين مهمين وناجحين سواء كان الدكتور العظمة الذي يتمتع بالعمق مع حس الفكاهة اللطيف, أو الدكتورة العطار بفرحها الطفولي المذهل, لا بد من أن ينشرح صدره ناسياً كل ما يبعث على الإحباط من حولنا.
مفارقة السياسة
المفارقة أن تاريخ نجاح العطار وأفكارها وثقافتها, لم تمنع المحللين السياسيين من ربط اختيارها أول وزيرة سورية, بالاتجاه الإسلامي لشقيقها عصام العطار, وقد تنطوي وجهة النظر هذه على شيء من الصحة في الجانب السياسي, إلا أنها تحمل قدراً كبيراً من الإجحاف, إذ يتم التنكر لجملة حقائق أهمها أن عصام العطار ورغم كونه أحد الكوادر القيادية في الاخوان المسلمين, إلا أنه كان مناهضاً للإرهاب, وانسحب ليشكل مجموعة أخرى تنبذ العنف, ناهيك عن استمرار العلاقات الأخوية والأدبية بين الشقيقين, والتي يتم الترويج لها إلى أنها منقطعة بينهما, بسبب تحيز الدكتورة نجاح للسلطة, لكنها تؤكد دائماً بأن تحيزها هو تحيز لأفكارها إذ لا يوجد عاقل يقبل بالإرهاب, ثم وبعيداً عن السياسة لا يمكن إنكار كفاية العطار ودأبها المتواصل في ميدان العلم والثقافة. كذلك القول إن اختيارها كان لأسباب سياسية, الأمر الذي تكرر مع تعيينها من قبل الرئيس بشار الأسد اخيرا نائباً لرئيس الجمهورية للشؤون الثقافة, والقول انه رداً على اجتماع بروكسل الذي جمع النائب السابق عبد الحليم خدام مع المراقب العام للاخوان المسلمين علي صدر الدين البيانوني!!
في الثقافة
فإذا كانت هذه تحليلات السياسة, فإن للثقافة والمثقفين رأياً آخر, فقد رأوا في عودتها الى مواقع القرار, كأول امرأة تشغل منصب نائب رئيس, رد اعتبار للحياة الثقافية التي تهمشت وتهشمت كثيراً بعد مغادرتها وزارة الثقافة, فالمثقفون الذين نادراً ما يتفقون على رأي متجانس حول أي شخصية أو قضية, رحبوا إن لم نقل عبروا عن فرحهم وتفاؤلهم بهذا القرار, حتى هؤلاء الذين كانوا في عداد المنتقدين لأدائها الوزاري, يبدون اليوم وكأنهم يعتذرون عما بدر منهم, بعد تجربتهم المرة مع غيرها, فقد مثلت وبحق الوجه الجميل للسلطة.
ولم تكن كأي وزيرة, فهي الآتية من رحم الأحلام النهضوية والنهوض القومي, ومن النسيج الثقافي الأكاديمي, و«بنت الأصول», والأديبة الباحثة والمترجمة, والمرأة المثقفة التي تمكنت بمهارة من بناء علاقة راقية مع المثقفين, كبيرهم وصغيرهم, على أسس المعرفة العميقة والاحترام المتبادل والتقدير لتجاربهم وإبداعاتهم وأدوارهم فلم تكن وزيرة بقدر ما كانت مثقفة ضليعة, صديقة لأجيال من الأساتذة والمفكرين, وراعية ومشجعة لأجيال لاحقة من الشباب الموهوبين. إذ حرصت على أسلوب خلاق لتكريمهم عملياً, من خلال تقليد اقتناء الوزارة للوحات الفنانين التشكيليين, ومساعدة الكتاب بشراء نسخ من كتبهم يعوضون به نزراً يسيراً من خسارتهم المالية بفضل كساد سوق الفن والكتاب المزمن في مجتمعاتنا. ومما يؤسف له أن الوزارات الثلاث اللاحقة لم تستطع إكمال ما بدأته العطار, وكان من أول الضحايا مشروع متحف الفن الحديث الذي حلمت به طويلاً وكادت تباشر بتنفيذه لولا خروجها من الوزارة, وقد حاولت إقناع الوزيرة التي خلفتها بأهميته لكن دون جدوى, ولم تكتب الحياة لصرح ثقافي كان سيقف الى جانب المكتبة الوطنية ودار الأوبرا التي تفخر دمشق بهما اليوم, خصوصا أن دار الأوبرا جاءت بعد مخاض عسير, تخلله حادث مريع تسبب في احتراق المبنى بعد عشرين عاماً من الشد والجذب بين العطار المدعومة من الرئيس حافظ الأسد ومجموعات المعرقلين من جانب آخر. كان حادثاً مؤلماً للعطار اختتمت به وزارتها التي جاءت في زمن صعب جداً, تولت فيه مهمة المحافظة على الثقافة كقيمة اجتماعية وأخلاقية أصيلة في وقت أخذت ثقافة الاستهلاك تسارع خطاها في مجتمع ينخره الفساد, فقيض لها منذ تسلمها محاربة أعداء الثقافة عن جهل من هؤلاء الذين لا يميزون بين المسرح والكاباريه, ولا يدركون قيمة الإبداع الجمالي, وكذلك أعداء الثقافة لتعارضها مع مصالحهم وجشعهم, فلا يتوانون عن تخريب المباني الأثرية, وكل ما يعترض طريقهم, لتشهد أروقة المحاكم السورية القضايا التي رفعتها إما منعاً أو تغريماً لهدم مئذنة أو جدار قديم, هذا ناهيك عن أهم منجز لوزارتها في إيجاد فرص للمثقفين للعمل في مؤسسات الدولة دون الاضطرار للتخلي عن قناعاتهم الفكرية, فكانت وزارة الثقافة حصناً لمختلف تلاوين وأطياف المثقفين من دون إقصاء لمختلف أو مخالف, في عز هيمنة اللون الواحد, وهو ما عجز عنه كثيرون حتى في زمن شهد بدء خروج الأطياف السورية من القمقم. فكانت والحق يقال وزارة للجميع, كما سفينة نوح الحافظة للتنوع, فمثلت الوزارة في عهدها التعددية الثقافية, إن لم نقل محمية لمختلف التيارات الفكرية في سوريا. لهذا وغيره تستحق الدكتورة العطار تكريماً مختلفاً, وقد رأى وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان آغا أن تعيينها نائباً للرئيس تكريما للمرأة والثقافة والمثقفين نساء ورجالاً, لأنها رسخت طوال عقود حضوراً فاعلاً للثقافة السورية عربياً وعالمياً. وقد كانت في حفل تكريمها التي أقامته وزارة الثقافة يوم الخميس 29 آذار €مارس€ حريصة على إظهار مشاعرها نحو المثقفين والرئيسين حافظ وبشار الأسد فقالت: «بفضلكم انتم المثقفين السوريين وبتعاونكم انتم وصلت الى ما أنا عليه ولن أنسى ما حييت حين شرفني القائد الخالد حافظ الأسد باختياره لى كأول وزيرة فى سوريا ومنحني كل رعايته ودعمه للثقافة والمثقفين... واليوم أتشرف واعتز بالمسؤولية التى منحني إياها سيادة الرئيس بشار الأسد فى المجال الثقافي لأن الثقافة أيضاً جبهة مقاومة ودفاع عن الهوية الحضارية للأمة».
وأياً كانت الكلمات, فهي تعبر عن سيدة جميلة الروح والقلب بكل معنى الكلمة رسمت نموذجاً ريادياً للمرأة السورية, في مراتب العلم ومواقع القرار, وربما تعبر الزهور المتراصفة بزهو في مكتبها ووفود المهنئين التي لا تنقطع عن حجم الترحيب بحضورها ودورها, وحين تساءلت سيدة أجنبية عن سبب كثافة الورود, كان الجواب أن الدكتورة العطار خلال العقود الثلاث لم تترك معرضاً أو نشاطاً إبداعيا إلا وزينته بالورد والمبادرات الطيبة. وأخيراً إن كان للتملق نصيب في كثرة المهنئين, فللحب والإعجاب والامتنان النصيب الأكبر والأغلى والأوفى.
سعاد جروس
إضافة تعليق جديد