بعض من حكايات الميلاد وأرقامه القياسية في أحياء دمشق
مع كل عام يمر، يصير واضحا أكثر فأكثر نوعية الولع الجديد الذي يكتنف أعياد الميلاد في دمشق. ولع من المرجح أن أعياد الميلاد كانت فاتحته، واستمرت في تكريسه، لكن لم يقف عندها. فجأة، هناك هوس لدى السوريين في تحطيم الأرقام القياسية. هل هو نتيجة كبت »مظاهر التواضع« القطري الرصين، في ظل الشعارات القومية والاشتراكية؟ ربما. أكبر مطعم، وأكبر لوحة رسمها أطفال... لكن على الأرجح، بدأ ذلك مع اعياد الميلاد.
منذ سنوات قليلة، وفي ساحة جورج خوري »المشعشعة« بزينة العيد، كان الموعد مع تدشين أكبر شجرة عيد ميلاد في العالم العربي. لم يكن هناك حصر دقيق، يوضح كيف تكون الأكبر بالضبط، لكنها قدمت على هذا النحو. ثم قالوا إنها الأكبر في الشرق الأوسط. شجرة كبيرة، أقيمت من صنعيات خضراء على هيكل معدني. وبعد سنة، انتقلت موضة الشجرة الأكبر إلى مدينة حمص.
في دمشق، في عيد الميلاد الماضي، عادوا ليباروا في مجال آخر: أكبر عدد »بابا نويلات« ينزل الى الشارع. كانت العين وقتها على سجل »غينيس«. البعض تحدث عن ٢٠٠٠ بابا نويل، وآخرون زادوا ٥٠٠ على ذلك العدد. ليس واضحاً إن كانت هناك نوايا لتحطيم رقم قياسي هذا العام. الناس لا يعرفون كثيرا عن ذلك، يصادفونه وقتما يحدث. حتى قصة »قبيلة« باب نويل السورية، يفاجئك أن أناسا على بعد أمتار من مكان مرورها، لم يسمعوا بها.
البحث عن الزينة، يقودك الى عيد الميلاد. تتوزع البيوت المكسية، او المزركشة، بالوميض الضوئي حول حي »باب توما«، في دمشق القديمة. الأحياء المتصلة به هي امتداد لعيد واحد. لكن الحي القديم يبقى المركز. تجمع الكنائس القديمة في هذا الحي (كنيسة اللاتين، المريمية، حنانيا، بولس...)، يجعله قبلة المحتفلين. إزدحام خانق، والشارع الرئيسي الذي يبقى مفتوحاً للمرور، يسلّك سيارة واحدة. وشباب »الكشافة«، بطبولها وآلاتها النحاسية، يدلفون من باحات الكنائس. والناس يحتشدون، هنا وهناك، يتفرجون في ابتهاج وترقب.
الشوارع المضاءة بالزينة، تمتد من الحي القديم الى الأحياء المجاورة، وغالبيتها لميسوري الحال. وميسورو الحال هناك متنوعو الطوائف. هذا ما يجزم به سامر، مستنداً على ضلوعه الشخصي في الأمر.
محل سامر يغري لمن يقتفي أثر العيد. زينته الضوئية »إعلان« عن مهنة المكان: التزيين. منذ تسع سنوات يزاول سامر، مع اخيه وبإشراف والده، مهنة العيد الموسمية هذه. فباستثناء فترة الأعياد، يختص المحل بتصليح وبيع آلات كهربائية. لكن الآن، لا شيء سوى اجواء العيد في المحل. شلال خمسة امتار يحوي ٥٠٠ لمبة، تطلبه زبونة. والهاتف لا يهدأ: طلبيات جديدة وأخرى تنتظر التسليم، وبيوت تريد نصيبها من غلالة الضوء. بينما يحاول سامر ان يشرح كيف ان »البهورة« والـ»مجاكرة« هي التي تحكم شراء الزينة. لكنه يضيف أمراً مهماً: »على فكرة، من يشتري الزينة ليس فقط الإخوة المسيحيين، ولكن الإخوة المسلمون أيضا«.
جزء كبير من الشباب، من طوائف مختلفة، يحلو لهم التوجه الى أماكن الاحتفال بالميلاد ليتفرجوا. تجذبهم جمهرة العيد، وأضواؤه. لا تعرف كندة، الموظفة الشابة، مثلا، لماذا يجذبها هذا العيد تحديداً. تقول إنها لا تتشجع للسير في الطرقات ايام عيد الاضحى، او الفطر. دمشق في هذه الايام تكون شبه خالية، بعد عودة الوافدين الكثر الى مناطقهم ومدنهم. العيد بالنسبة لهذه الفتاة مرتبط بالزحمة، والأضواء. لذلك يحلو لها التمشي في اجواء الميلاد.
وإذا كان مفهوماً لماذا يكون حي »باب توما«، والجزء المتفرع عنه في المدينة القديمة، مركزا للاحتفال بالميلاد، فالسؤال يبقى عن أسباب كونه، أيضاً، مكاناً للتجمع في أعياد الأضحى والفطر بالنسبة للشباب. إجابات كثيرة، منها التنوع الطائفي في المدينة القديمة، او »كونها قديمة يكفي«، على حد تعبير عبد الحليم الذي يعمل نادلاً في مقهى وسط »باب توما«. يضيف الشاب ان الأجواء المنفتحة، في هذا الحي، تجعل الشباب يقصدونه: »هنا خروج الشاب مع الفتاة أمر معتاد، ولا تحفظات عليه كما الحال في مناطق أخرى«.
لكن ذلك لا يخفي ان تجمع »الأعياد« في المدينة القديمة، بالنسبة للشباب غالباً، فيه شيء من »العدوى« او الاكتساب. المكان مفتوح على الاحتفال، وزحمته، ويستطيع جذب احتفالات جديدة، وتكريسها فيه. عدوى او اكتساب، او اي يكن، فهو امر يوافق الكثيرون على ايجابياته. الآن هناك زينة في كل مكان من الأحياء المحتفلة. بعد كلام سامر، يصير الانتباه الى الشرفات المضاءة فيه فضول. بابا نويل، يجره غزال. نجوم. أجراس بأضواء حمراء، او صفراء، وأخرى لؤلؤية. بالمصادفة، وسط هذه الأضواء، هناك نجمة يقابلها هلال، وعبارة مشكلة بالضوء الاخضر: »محمد رسول الله«.
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد