لماذا يرفض أولمرت الحل السياسي
أثبتت الحكومة الفلسطينية تفوقا أخلاقيا على إسرائيل عندما طرح (إسماعيل هنية) مبادرة الحل السياسى لحل مشكلة الأسير الإسرائيلى. لكن قرار حكومة (أولمرت) بعدم تحديد مهلة زمنية لعمليتها العسكرية فى قطـاع غزة تشير إلى أنه يمضى فى تنفيذ سياسة بعيدة المدى، سياسة تتعدى مشكلة الأسير إلى القضاء ماديا ومعنويا على الجزء الأكبر من كيان حركة (حماس) فى الداخل والخارج وفرض الرؤية الإسرائيلية على الشعب الفلسطينى..
عملية إسرائيل العسكرية فى قطاع غزة (أمطار الصيف) أهدافها المباشرة وغير المباشرة معلنة بالتفصيل فى الصحف اليومية بإسرائيل. وذكرها المحلل العسكرى بجريدة يديعوت أحرونوت (أليكس فيشمان) وهى كالتالى:
القضاء على حكومة حماس، تدمير البنية الأساسية فى القطاع، تشديد الحصار على قطاع غزة لفترة طويلة لفرض تغيير الحكومة الحالية وتشكيل حكومة أكثر مرونة فى التفاوض مع إسرائيل، إقامة حزام أمنى شمال وشرق القطاع لتأمين المستوطنات من الصواريخ.
وأثناء عمليات الجيش الإسرائيلى فى قطاع غزة، من قصف واغتيال بالطائرات أجرى معهد (واحاف) استطلاعا لرأى عينة تمثل المجتمع الإسرائيلى. استطلع رأيهم فى حل مشكلة الأسير الإسرائيلى. نسبة 53% منهم أعربوا عن تأييدهم للطريقة الحضارية فى حل الأزمات وهى الحل السياسى أو الدبلوماسى. سواء بطريق مباشر أو غير مباشر للحفاظ على حياة الإنسان، بينما اختارت نسبة 43% أسلوب الحل العسكرى.
وارتفعت نسبة مؤيدى الحل الدبلوماسى إلى 56% عندما طرح احتمال أن يكون الجندى الأسير من أفراد عائلة الموجه له السؤال. وانخفضت نسبة مؤيدى طريق الدماء إلى نسبة 35%.
وسؤال آخر فى الاستطلاع عن صفقة لتبادل الأسرى بين الجانبين، 58% يؤيدونها و35% معارضين لها.
سؤال: وإن كان الأسير فرداً من عائلتك؟ نسبة 69% طالبوا الحكومة بالموافقة على صفقة لتبادل الأسرى مع الطرف الفلسطينى بينما كانت نسبة المعارضة 20%.
سؤال: وهل يعتبر اغتيال رئيس الحكومة إسماعيل هنية عملا أخلاقيا؟ 51% يرون أنه عمل لا أخلاقى بينما تبرره نسبة 41% منهم.
قائد سلاح الطيران بالجيش الإسرائيلى (إليعازر سكدى) فى حديث مع صحيفة (يديعوت) يصف قتل المواطنين الفلسطينيين بأنه يخلق أزمة أخلاقية. وما يبررها لدى الرأى العام الإسرائيلى هو شرعية الجيش فى استخدامه الأسلحة التى قد توقع ضحايا من المدنيين الفلسطينيين.
وورد تبريره ضمن تحقيق صحفى يعرض بالتفصيل أسلوب الاغتيال بالطائرات لقادة منظمات المقاومة الفلسطينية قطاع غزة. القتل والاغتيال يتم (بالريموت كنترول) من غرفة التحكم المركزى فى القاعدة العسكرية الإسرائيلية. فى تلك الغرفة مجموعة من الضباط، الجميع بدرجة عميد. قام باختبارهم قائد سلاح الطيران. لكن تنفيذ عملية الاغتيال فى أحياء وشوارع قطاع غزة من المستحيل أن تتم بدون وجود خائن فلسطينى، الطابور الخامس من عملاء جهازى المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) الأمن العام، وأمان (الاستخبارات العسكرية).
ويبعث الخائن بمعلومات دقيقة عن الشخصية المستهدفة للاغتيال. ويقوم الضابط فى غرفة التحكم بتعقب المستهدف، سواء كان مترجلا أو متنقلا فى سيارة. ويتم إطلاق الصاروخ على الهدف بإرسال الأمر لتشغيل جهاز الإطلاق فى طائرة موجهة بلا طيار فى منطقة الهدف. ويذكر كاتب التحقيق الموقف التالى: (عندما قتل ثمانون مواطنا فلسطينيا فى شارع صلاح الدين بقطاع غزة حدث ذلك لأن أول صاروخ أطلق على السيارة المستهدفة دفع بركابها للهروب منها. فقام الضابط فى غرفة التحكم المركزية بإطلاق الصاروخ الثانى على الهدف. لكنه لاحظ تراكض عدد كبير من المواطنين تجاه السيارة لإنقاذ المصابين. وكانت منطقة سكنية مزدحمة بالسكان. مع احتمال سقوط عدد كبير من القتلى وإصابة العشرات وكان فى استطاعة الضابط فى غرفة التحكم المركزى الانحراف بالصاروخ عن مساره إلى منطقة أخرى خالية من السكان. لكنه ترك الصاروخ فى مساره فى اتجاه الهدف. وكان من الضحايا ركاب سيارة تصادف مرورها فى تلك اللحظة بجوار الهدف. قتلت الجدة والأم والحفيد البالغ من العمر خمسة أعوام.
تذكر المصادر الإسرائيلية أن معدل عمليات سلاح الجو فى الاغتيالات العام الجارى تضاعف خمسة أضعاف على العام الماضى. كان عدد الضحايا 44 فلسطينيا. وفى النصف الأول من العام الجارى نفذت 70 عملية اغتيال لشخصيات فلسطينية. بينما فى يومى الأحد والاثنين من الأسبوع الماضى فقط سقط أربعون شهيدا من عمليات قصف بالطائرات.
ويؤكد المراسل العسكرى للصحيفة على أن السياسيين فى إسرائيل يعشقون أسلوب الاغتيال بالقصف بالطائرات وأصبح أداة الهجوم الأساسية فى العملية العسكرية على قطاع غزة. وأن قرار اللاعبين الأساسيين فى إسرائيل بدءا من أولمرت إلى وزير الدفاع مرورا برئيس الأركان هو محو مصطلح حركة وحكومة حماس من منطقة الشرق الأوسط إذا لم يعد الجندى الأسير حيا وسليما ومعافى.
وفى الضفة الغربية قامت قوات الجيش الإسرائيلى باعتقال ستة من وزراء الحكومة الفلسطينية، ووضعت ثلاث شخصيات على قائمة الاغتيالات وهم خالد مشعل وإسماعيل هنية ومحمود الزهار. رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، ورئيس الحكومة الفلسطينية الحالية ووزير الخارجية الفلسطينى.
بعد أسر الجندى الإسرائيلى أقسم رئيس الأركان دان حالوتس النيل من كل قادة (حماس) وبالتحديد خالد مشعل يقول رونى شيكيد فى (يديعوت) إن جهاز الموساد يتعقب مشعل لاغتياله منذ تسعة أعوام أى منذ نجاته من محاولة الاغتيال الفاشلة التى تعرض لها فى الأردن عام 1997 ومنذ مغادرته المستشفى وهو حريص على اختيار واختبار أفراد طاقم حراسته بنفسه وأنه لا يستخدم التيليفون المحمول الذى اعتاد (الموساد) اغتيال القيادات الفلسطينية به. ويحظر على طاقم حراسته ومرافقيه حمله أثناء اللقاء به الكاتب الإسرائيلى يدعى أن إسرائيل كان لها القرار فى إبعاد خالد مشعل عن الأردن منذ عامين. وذلك عندما أبلغت الأردن بأنه من غير المريح لتل أبيب وجود مشعل قريبا منها ويمضى لأبعد من ذلك عندما يذكر بأنها أقنعت حاكم الدولة الخليجية التى أقام فيها باستضافته فى فيلا فاخرة لكنه غادرها وتوجه للإقامة فى دمشق. مشعل من مواليد عام 1956 فى قرية سلوان شمال رام الله. طرد مع عائلته بعد حرب يونيو وبعد حصوله على درجة الدكتوراه فى علم الفيزياء من الكويت طرد منها بعد الغزو العراقى..وبدأت إسرائيل فى تعقبه عندما كان نائب رئيس المكتب السياسى للحركة الدكتور محمود أبو مرزوق.. وبدأ العمل على اغتياله عندما قاد فريق التوفيق بين حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية وبعد اعتقال أبو مرزوق فى أمريكا تولى خالد مشعل رئاسة المكتب السياسى للحركة وبذلك أصبح الرجل الأول فيها.
يطلق عليه الموساد ألقابا عديدة منها بن لادن فلسطين ونصر الله الصغير وتضعه فى أول قائمة الاغتيالات.
ورغم ميل غالبية الرأى العام فى إسرائيل للتفاوض مع الفلسطينيين ومعارضة سياسة الاغتيالات فإن حكومة وماضية فى سياسة القضاء على (حماس) فى الداخل والخارج وترفض الحلول الدبلوماسية بالطريق المباشر أو غير المباشر عبر الوسطاء للوصول إلى حل يحفظ حياة الإنسان على الجانبين.
المصدر: التنوير
إضافة تعليق جديد