شيطان في بيت الفن
الجمل- أيهم ديب: تعبر في سيارتك إحدى ضواحي المدينة من نافذة السيارة يمكن ان ترى ساحة تجمهر فيها الباعة المؤقتين , فلاحين, عابرين, صغار لصوص... في بطاقة بريدية قديمة يمكن أن تشاهد شلال نياجارا بكامل جبروته بحيث تتماهى امامه حشود السياح, في السينما تتضاءل الشخوص امام الحجوم الكبيرة للمثلين, تفتح الكتاب المقدس لتقرأ ضياع بني اسرائيل في صحراء مصر...
أحد اهم العناصر التي تبني لوحة أحمد معلا هو الشاشة أو المشهد – بالمعنى الواسع. فالشاشة هي الحاضن لشخوص لوحة أحمد معلا. و هي موضوعهم في مكان آخر و هي خلفيتهم في مكان آخر و هي ضدهم الوجودي في مكان آخر و هي السبيل في مكان آخرو هي الظرف في كثير من اللوحات.
ما يميز أحمد معلا – بنفس الوقت يثير حفيظة أبناء جيله- هو خزانه الثقافي, آليات بناء العلاقات الذهنية و تطويرها , و قطعاً حرفية عالية جداً. هذه الأقانيم الثلاثة هي ما يجعل من احمد معلا فناناً مثيراً للجدل, للشائعة , للحفيظة , و قطعاً للإعجاب. إن القدرة الذهنية العالية على التفكيك والتركيب تمنع الفنان أن يتكئ على الأسلوبية أو المسلمة. و في الوقت الذي يمكن أن نقرأ هذا من خلال انتشار أحمد معلا على مساحة واسعة من أشكال التعبير المعاصرة- ديكور, تصميم, تركيبات فنية...- إلا ان الكثير يحاول استجداء المعاصرة من خلال قراءة اللوحة الفنية و التي تتعرض لاجهاد حقيقي نتيجة المتطلبات النقدية التي تفوق أحياناً طاقتها او طاقة المتلقي لتقفي مكامن الحداثة.
في لوحة احمد معلا ما يمكن تسميته إعادة انتاج – تدوير- للنتاج الفني الانساني. و لهذا تحضر الشاشة . إن الموضوع له علاقة بالقدرة على رد القيم الفنية الى عناصرها الأصيلة , رد المشاعر المجردة التي تمنحها اللوحات الى كيمياء الفن و مكوناته السرية. لهذا استطاع احمد معلا ان يستثمر ضوء رمبراندت و ملحمية أيزوفسكي و خلفيات الرسوم لفناني عصر النهضة. استطاع ان يفهم رحلات شخوص مانيه و أثر الشرق على ديلاكوروا...
لوحة احمد معلا تحمل قيمة كلاسيكية بل حتى تحمل عمراً أبعد من توقيع الفنان. إن ملحميتها و منطقها القصصي ينسجم مع خلفيتنا الأدبية المبنية على تاريخ ديني –الكوني الشامل- و لهذا تحضر اللوحة بمنطق أيقوني أحياناً. هذا الدخول و الخروج للوحة من ذاتها و اليه هو مما يجعل من احمد معلا – ساحر, فنان, متنبي, مسيح كذاب أو صادق- ما يجعله موضوعة العامة و الخاصة – كما يقول عن نفسه المتنبي- و موضع خلاف فمنهم من يعتقد انه المسيح و منهم من يقول إن هذا إلا سحر مبين.
و لكن مالاشك فيه هو ان أحمد معلا يعي و يمتلك ما يفعل. و هو يمارس هذه السيطرة من خلال التحرر و الانفلات من القيم المؤسسة و هو إذ يفعل هذا في حياته الابداعية العامة- تعدد الأشكال- و هو ما يفعله ضمن الشكل الواحد- اللوحة – فالفنان يستخدم الأخضر الكيوي ! و يرسم لوحة أحادية اللون و يستعمل لونا أحادياً حاراً ليعبر عن بيئة أبسط مقاربة لها توحي بلون أصفر بدوي. الفنان يؤكد أن القيم الفنية قيم متحولة و هي تتأثر و تتفاعل وفق آليات رياضية داخلية و بالتالي فإنها مفتوحة على احتمالات لا نهائية . هذا يشبه القاموس. فاللغة لا تتجاوز مفردات القاموس و لكنها لا تنحصر بملايين الأوراق. في لوحات احمد معلا تتغير العناصر و علاقاتها , لا يحكمها إلا صواب المؤقت و أصالة الفكرة. في الأمس على شاشة التلفاز يستعير سمير ذكرى قولاً –للنفري ؟- العلم المستقر كالجهل المستقر. ما يفعله احمد معلا هو تماماً هدم اليقين. و بنفس الوقت يدخل الفنان في المتلقي, يقرأ افكاره. يراقصها. هذا – قد يستغرب البعض المقاربة- يذكرني بسلفادور دالي. فسلفادور دالي عندما رسم الحلم. لم يكن يرسم احلامه كما يقول. و لكنه كان يرسم احلام القرن العشرين. لقد كان دالي أول فنان يخلق من نفسه ما يدعى بالعلامة التجارية. و هذا ما يجعله ببساطة سابق لأندي وارهول بخمسين سنة. و بالتالي اكثر حداثة من بيكاسو - ؟؟؟ ليس حكم يقين-
أحمد معلا يدرك وظيفة الفن و يستقرئ نموه و تحولاته و لهذا يحدث معه ما حدث مع ابليس و الرب . فبينما يعيش الكثيرون بنعمة التقوى و الايمان في الفن . يولد احمد و يموت كل يوم في صراع أبدي مع الآلهة.
الجمل
إضافة تعليق جديد