لبنان: القبض على شبكة تجسس إسرائيلية ثانية
في الساعة التاسعة من يوم الأربعاء 8 نيسان الجاري، عقد اجتماع أمني سرّي في مكتب المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللبناني، حضره، إضافة إلى اللواء أشرف ريفي، رئيس لجنة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا ورئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن ورئيس غرفة العمليات في الأمن الداخلي العقيد حسام التنوخي.
هدف الاجتماع: عرض ما في حوزة فرع المعلومات من أدلة تشير إلى علاقة عميد متقاعد من الأمن العام وزوجته باستخبارات العدو.
وجرى خلال الاجتماع الحديث عن أنّ رصد هذين الشخصين بيّن أن من بين أهدافهما العمل على «خرق أمن المقاومة وكوادرها في نقاط شديدة الحساسية». واتُّفق خلال اللقاء على ضرورة التحرك سريعاً لتوقيف المجموعتين، ومن مسارين مختلفين: الأول يتولاه فرع المعلومات، ويتعلق بالعميد المتقاعد وزوجته، فيما يتولى جهاز أمن المقاومة العمل على تفكيك المجموعة الثانية.
وقد أبدى حزب الله من أعلى هيئة قيادية فيه اهتماماً بالجهد الذي يقوم به فرع المعلومات في هذا المجال، وأبلغ قيادة قوى الأمن الداخلي جهوزيته الدائمة للمساعدة في هذا الأمر. وتقوم الجهات المعنية في الحزب بتقديم ما يلزم في سياق مواجهة هذه الشبكة ومتفرعاتها، وخصوصاً أن المعلومات تشير إلى أن هناك متعاونين مع الموقوفين من أبناء الجنوب ومن قرى تقع جنوبي نهر الليطاني، وأن الحزب يتصرف على أساس أنه هدف دائم لمجموعات الاستخبارات الإسرائيلية، وكذلك لأن المعلومات التي باتت في حوزة فرع المعلومات تشير إلى أن الموقوفين وآخرين يعملون على بناء شبكة علاقات مع مسؤولين بارزين في الحزب، بعضهم على صلة بالجهاز العسكري التابع للمقاومة. ويبدو أن هناك معطيات عن أن الشبكة كانت قد حددت أهدافها على مستوى مسؤولي الحزب، بناءً على توصية مباشرة من المشغّلين الإسرائيليين.
وكان فرع المعلومات قد تمكّن منذ عام 2007 من الإمساك بخيط قاده إلى الاشتباه في تعامل العميد المتقاعد أديب ع. مع أجهزة الاستخبارات الإسرئيلية. بعد ذلك، بدأت مراقبة لصيقة للمشتبه فيه الذي يقطن في منطقة الدكوانة، ويعمل في مكتب للخدمات العامة يملكه في المنطقة ذاتها. وأدت المراقبة إلى وضع زوجته ضمن دائرة المشتبه فيهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أشخاص آخرين من ذوي الحساسية الأمنية العالية.
أمّا بالنسبة إلى عملية التوقيف، فقد حددت الساعة الصفر يوم السبت الفائت، حين دهمت دورية من فرع المعلومات منزل العميد المتقاعد في الدكوانة، وأوقفته مع زوجته، بعد نيل إشارة النيابة العامة التمييزية، علماً بأن وزير الداخلية والبلديات كان مطلعاً على تفاصيل ما يجري. وبعد نحو 48 ساعة، ضُبطت المجموعة الثانية، فيما استمر التنسيق بين المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وحزب الله. وفجر أول من أمس، أوقف فرع المعلومات في بلدة رميش الجنوبية المؤهل في المديرية العامة للأمن العام جوزف ع.، وهو ابن شقيق أديب ع. (العميد المتقاعد من الأمن العام)، بعدما ذكر الأخير أن جوزف هو إحدى صلات وصله باستخبارات العدو.
في هذا الوقت، كان التحقيق مع العميد المتقاعد وزوجته يستمر بصعوبة بالغة، بحسب ما ذكر مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار». فهما شديدا التكتم والصلابة. لكن خلاصة اعترافاتهما حتى مساء أمس أتت على الشكل الآتي:
جرى تجنيد العميد المتقاعد من الأمن العام أديب ع. عام 1994 (بخلاف ما ذُكر في بعض وسائل الإعلام من أنّ التجنيد جرى أوائل الثمانينيات)، عندما كان لا يزال يخدم في السلك الأمني. حينذاك، كان يتردد على بلدته رميش (قضاء بنت جبيل) في الشريط الحدودي المحتل سابقاً، حيث عرض عليه أحد أبناء البلدة، وهو العميل الفار نقولا حبيب، العمل لحساب الاستخبارات الإسرائيلية، مقابل مبالغ مالية كبيرة. وركز حبيب خلال عرض التجنيد على بغض أديب لسوريا، وتمكن من إقناعه بأنّ العمل لحساب إسرائيل سيساعد على إخراج السوريين من لبنان. وبعدما وافق أديب على ذلك، نقل إلى فلسطين المحتلة، حيث قابل ضباطاً من استخبارات العدو، وخضع لاحقاً لدورة تدريبية تجسسية. وأشار العميد المتقاعد في اعترافاته إلى أنه خضع، منذ ذلك الحين، لثلاث دورات تدريبية أخرى داخل فلسطين المحتلة. وقد زوّده الإسرائيليون بثلاثة أجهزة اتصال متطورة وكاميرا وأداة تحتوي مخبأً سرياً.
أحد الأجهزة المذكورة هو جهاز راديو عادي، يعطي إشارة كلما تلقى رسالة من الإسرائيليين. عندها، يقوم أديب بوصل الجهاز المذكور بجهاز آخر مخفي داخل طاولة (ميني بار)، يجري تحريره بعد إزالة أحد الأزرار التي تزينه. ويؤدي وصل أحد الجهازين بالآخر إلى فك الرسالة المشفرة ليتمكن المتلقي من قراءتها. وتجري عملية الإرسال بالطريقة ذاتها. ووجد محققو فرع المعلومات 4 رسائل مخزنة في الجهاز، إحداها مرسلة من أديب بداية العام الجاري يتحدّث فيها عن شعوره بخطر انكشافه، وبأنه أتلف بعض المعدات والمستندات. وفي الرسالة الجوابية، طمأن الإسرائيليون أديب إلى أنه بعيد عن خطر أن يكتشفه أحد.
وإضافة إلى الجهازين المذكورين، زوّد الإسرائيليون أديب بكاميرا متطورة تمكّنه من التقاط الصور ووصلها بالجهاز المخفي وإرسال الصور إلى الإسرائيليين، فضلاً عن جهاز مخفي داخل براد محمول، يستخدم لتحديد المواقع الجغرافية بواسطة نظام GPS، ويبث ذلك مباشرة إلى قمر صناعي. كذلك أبلغ أديب المحققين بوجود قارورة زيت محركات في منزله تحوي مخبأً سرياً يُفتح بطريقة خاصة.
وأشار أديب وزوجته إلى أنهما كانا يسافران دورياً إلى أوروبا، وخاصة إلى إيطاليا وبلجيكا وقبرص واليونان، حيث يلتقيان مشغّليهما الإسرائيليين، ويتلقيان منهما مبالغ مالية بآلاف الدولارات.
وذكر الاثنان أن أبرز مهماتهما كانت تحديد أماكن عسكرية ومدنية في لبنان، ثم تصويرها وتثبيت مواقعها الجغرافية بواسطة الجهاز الإلكتروني، وبينها مواقع استُهدفت في عدوان تموز. وكانت المفاجأة خلال التحقيق اعتراف أديب وزوجته بأن نطاق عملهما اتّسع منذ عام 2004 ليشمل الأراضي السورية، بتكليف من الإسرائيليين، مشيرين إلى أنهما كانا ينفذان معظم ما يطلبه الإسرائيليون منهما تحت ساتر الجولات السياحية.
وتجدر الإشارة إلى أن أديب لم يكن قد أقر حتى مساء أمس بأنه زوّد الإسرائيليين أي معلومات تتعلق بعمله السابق في المديرية العامة للأمن العام، الذي تقاعد منه عام 1998.
وذكر مطّلعون على التحقيقات أن الأكثر صلابة من أديب ع. وزوجته في التحقيق هو الموقوف الثالث جوزف ع. فالأخير لم يقرّ بأي معلومة من تلقاء نفسه، لكنه يعترف بما يواجه به من اعترافات الموقوفَين الآخرين. وأضافت المعلومات أن جوزف، الذي يخدم في مركز الأمن العام في الناقورة، كان قد تجنّد لحساب الاستخبارات الإسرائيلية على حدة، قبل أن يصله مشغّلوه بعمه أديب ليعملا معاً. وأكدت المعلومات أن جوزف كان إحدى صلات الوصل بين أديب والإسرائيليين، وخاصة من الناحية اللوجستية، فضلاً عن وجود احتمال كبير بإسهامه في توفير تواصل بين الإسرائيليين والمجموعة الثانية التي أوقفها جهاز أمن المقاومة. وأكد مسؤولون رفيعون في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لـ«الأخبار» أن المحققين يتوقعون أن يدلي الموقوفون يوماً بعد يوم بمعلومات أكثر أهمية مما سبق، علماً بأن المحققين كانوا يركزون، حتى مساء أمس، على الإحاطة العامة بالعمل الاستخباري الذي نفذه الموقوفون الثلاثة، قبل الدخول في التفاصيل. ويؤكد معنيون بالقضية أن التحقيق سيشمل جميع الاحتمالات المتعلقة بعمل الموقوفين، ومنها مثلاً، الأعمال التي من المحتمل أن يكونوا قد أسهموا في تنفيذها. ويلفت أمنيون إلى أن التحقيق سيشمل بالتأكيد جريمة اغتيال اللواء فرانسوا الحاج، وهو ابن شقيقة الموقوف أديب ع.
وأكّد مسؤول رفيع في الأمن الداخلي أن فرع المعلومات بات قريباً جداً من ضبط مجموعة أخرى يشتبه في عملها لحساب العدو الإسرائيلي، وفي أقل تقدير، فإن الفرع سيتمكن من وضع حد لعملها. وذكر مسؤول رفيع في الأمن الداخلي أن الاستخبارات الإسرائيلية أعادت، منذ انتهاء عدوان تموز 2006، التواصل مع معظم العملاء السابقين الذين كانوا يعملون لحسابها. وأشار إلى أن العمل على تحديد هؤلاء وتفكيك الشبكات لن يتوقف خلال العام الجاري، علماً بأن فرع المعلومات أنشأ مجموعة مهمتها الوحيدة هي رصد عملاء إسرائيل وتعقّبهم.
حزب الله والأمن الداخلي... قناة لم تنقطع
يمكن المراقب أن يتلمّس بسهولة خطاباً لم يعهده في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وبالتحديد في فرع المعلومات. «أمن المقاومة»، هي الجملة السحرية في هذه الأيام، وإليها يعزو مسؤولون في المديرية خطوة توقيف المشتبه في تعاملهم مع إسرائيل منذ نهاية الأسبوع الماضي. ويؤكد المسؤولون أن تنسيقاً عالي المستوى يجري بين الأمن الداخلي وحزب الله، على مدى الخطوات التحقيقية المتعلقة بالتوقيفات الأخيرة.
العلاقة بين حزب الله والأمن الداخلي شابَها الكثير من التوتر خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تبعاً للانقسام السياسي الذي عاشته البلاد. لكن واقع الأمور يظهر أن قناة التواصل شبه الوحيدة التي لم تنقطع بين طرفي الموالاة والمعارضة خلال الأعوام الماضية، هي تلك المؤلفة من اللواء أشرف ريفي والحاج وفيق صفا والعقيدين وسام الحسن وحسام التنوخي، التي فقدت أحد أركانها نهاية عام 2007، اللواء الشهيد فرانسوا الحاج. وقد عملت القناة المذكورة على تجفيف عدد كبير من مستنقعات التوتر الأمني، محاولة منع الاحتقان من الوصول إلى حافة الهاوية في أيار 2008، إلا أن ذلك كان أكبر من مقدورها، علماً بأنها أسهمت في تحييد بعض المناطق والأحياء عن دائرة الصراع العسكري في تلك الفترة. وأسهمت القناة ذاتها في كشف عدد كبير من الجرائم الجنائية العادية، كانت آخرها جريمة اختطاف الفتى أمين الخنسا في الضاحية. ويأمل مسؤولون في الأمن الداخلي أن يُسهم الكشف عن الشبكة الموقوفة في دفع العلاقة بين حزب الله والأمن الداخلي إلى مستوى أعلى من الإيجابية.
حسن علّيق
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد