نوال السعداوي.. أي فتنة في أرض مصر؟
هي أشهر الكاتبات في العالم العربي، ربما لا توجد امرأة مثيرة للجدل في مصر والعالم العربي خلال الخمسين سنة الماضية مثل الدكتورة نوال السعداوي الطبيبة والكاتبة والناشطة في مجال حقوق المرأة، التي يعتبرها البعض مثقفة سابقة لعصرها أو أفكارها مفارقة للبيئة التي تعيش فيها، فيما يرتاح البعض الآخر لوصفها بصاحبة الانحرافات الخطيرة، و"الأقوال الكفرية"، وبين موقفين يظل الوجه الحقيقي لهذه السيدة المصرية غير واضح المعالم.
وتقدم السعدواي على أنها من أعلى الأصوات دفاعا عن المرأة في مصر والعالم العربي وقطعت مسافات طويلة عما كان ينادي به أوائل القرن العشرين قاسم أمين، وهدى شعراوي وأسماء أخرى كان لها دور فيما مضى في تحسين وضع المرأة في مصر خاصةً لناحية حقها في التعليم والعمل ومساواتها بالرجل، اليوم ومع اتساع دائرة العلاقات الدولية والشراكة بين العالم العربي والغرب ولاسيما أوروبا تستأثر قضايا المرأة بالمزيد من الاهتمام إلا أن المشوار أمامها ما يزال طويلاً.
هذا ما تعتقده الدكتورة نوال السعداوي التي تميزت طوال مشوارها بالتمرد على السائد وبالدعوة إلى إعادة النظر في كل شيء في مجتمعاتنا، فمن هي نوال السعداوي؟ وما الذي دفعها إلى خوض هذه المعارك على امتداد حياتها وحتى الآن.
تتحدت نوال السعداوي عن نفسها، فتقول إنها تنحدر من أسرة فقيرة في الريف، كما أنها نشأت بين الريف والمدينة، أنا جدتي الفلاحة كانت تشتغل بيديها، وعماتي فلاحات، وبنات عماتي فلاحات، لكن والدي تعلّم وتفوّق وتخرج من الأزهر ودار العلوم والقضاء الشرعي وتزوج أمي ابنة شكري بيه، فأنا نشأت بين طبقتين الطبقة الريفية الفقيرة والطبقة البرجوازية في القاهرة، وعشت التناقضات بين الطبقات والتناقضات بين النساء والرجال، ولأني ولدت بنت فطبعاً في مصر لا يفرحون بالبنت وهذا أثر فيّ جداً، وصرت حساسة منه.
ولدت نوال السعداوي في 27 أكتوبر- تشرين الثاني عام 1930، بمنطقة العباسية في القاهرة، وكان أبوها أزهريًّا، تخرج من أكبر المعاهد الدينية الشرعية في وقته وهي: الأزهر والقضاء الشرعي وكلية دار العلوم، ولكنه كان كما تصفه بأنه متمرد على الفهم الخاطئ للدين.
تخرجت السعداوي من كلية الطب جامعة القاهرة في ديسمبر 1954، وحصلت على بكالوريوس الطب والجراحة وتخصصت في مجال الأمراض الصدرية.
وبعد تخرجها بعام، عملت كطبيب امتياز في مستشفى القصر العيني الجامعي بالقاهرة، ولكنها فُصلت بعد صدور ست قرارات من وزارة الصحة المصرية؛ بسبب مواقفها الفكرية.
تزوجت السعداوي من الطبيب والروائي المصري شريف حتاتة، وهو روائي ماركسي، وفي عام 1982، قامت بإنشاء جمعية تضامن المرأة العربية، وهي المنظمة العربية النسائية الوحيدة التي نالت المركز الاستشاري لحساب المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة لعام 1985.
تعرضت نوال السعداوي للسجن في 6 سبتمبر 1981، في فترة الرئيس السادات، ووجودها داخل السجن لم يمنعها من الكتابة رغم منع القلم والورق عنها. ولقد استعملت نوال بدلاً عن ذلك قلم كحل ومحارم ورقية، لتصدر إثر خروجها من السجن مباشرة مؤلَّفها: "مذكرات من سجن النساء".
في هذا الكتاب واصلت انتقادها لنظام الحكم في مصر وتفشي الفساد واضطهاد المعارضين والمثقفين. وعلى الرغم من خطورة مثل هذا الكلام، إلا أن نوال لم تبال لما يمكن أن يحدث لها من جراء ذلك، في سبيل تحسين وضع بلادها، والالتزام بكل ما يجري حولها.
والأقسى من السجن تعرضت للنفي نتيجة آرائها ومؤلفاتها، كما تم رفع قضايا ضدها من قبل أصوليين مثل قضية الحسبة للتفريق بينها وبين زوجها، وتم توجيه تهمة إزدراء الأديان لها، كما وضع اسمها على قائمة الموت للجماعات الاسلامية حيث هددت بالموت.
وقد رفضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر في 12 مايو 2008 إسقاط الجنسية المصرية عنها في دعوى رفعها ضدها أحد المحامين بسبب آرائها المدافعة عن حقوق المرأة.
كتبت عن المجتمع والفكر والتراث والسياسة والحرية، وناضلت بشراسة من أجل المرأة ونصرة قضاياها حتى لقبها عدد من المفكرين بأنها "سيمون دي بوفوار العرب".
أصدرت جريدة نسوية شهرية اسمها "مجلة نون"، في عام 1990 والتي تم إغلاقها بعدها بعام، كما تم إغلاق الجمعية أيضًا، بتهمة مخالفة الأحكام والآداب العامة وتهديد السلام الاجتماعي، وتم نفيها خارج مصر، لتقضي خمس سنوات.
صدر لها أربعون كتابا أعيد نشرها وترجمت كتاباتها لأكثر من خمسة وثلاثين لغة وتدور الفكرة الأساسية لكتابات نوال السعداوي حول الربط بين تحرير المرأة والإنسان من ناحية وتحرير الوطن من ناحية أخرى في نواحي ثقافية واجتماعية وسياسية.
* رواية سقوط الإمام 1987 ترجمت إلى 14 لغة منها الإنجليزية والألمانية والفرنسية والسويدية والإندونيسية.
* رواية الرواية
* المرأة والجنس 1969،
* الأنثى هي الأصل 1971،
* الرجل والجنس 1973،
* الوجه العاري للمرأة العربية 1974،
* المرأة والصراع النفسي 1975
* امرأة عند نقطة الصفر 1973
* الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة 2006 " الكتاب تم منعه من النشر في مصر".
ويؤكد عديد النقاد أن السعداوي ترى الأشياء في ضوء علاقتها ببعضها، فيلتحم عندها الطب بالأدب، والأحداث العامة تذوب في الأحداث الخاصة، عندها لا يمكن الفصل بين حياتها الخاصة وحياتها العامة، فيضمن سياق ينساب تلقائيا.
هذه المرأة الاستثنائية أثارت اجتهاداتها الفكرية ورواياتها الأدبية لغطا واسعا في الأوساط المصرية، وعندما كان الكلام عن الأنثى ومعاناتها ممنوعا تكلمت نوال السعداوي.
وعندما كان الحديث عن تجاوزات المجتمع واستضعافه للمرأة حراما تحدثت، وتوالت قصصها حكايا تقلب المواجع، وتكشف المستور، وتعرّي المحجوب عن الأعين، وعن الأذهان قبلها، وتحفر عميقاً في قضايا المرأة الأنثى، لتضع، وكأنها طبيبة قلوب ونفوس لا طبيبة أجساد، يدها على مواضع الجروح في كيان المرأة الروحي والجسدي وذلك من خلال مذكراتها التي حملت الكثير من الصور المحزنة لأنثى كانت هي، وذنبها في معاناتها كونها أنثى مستظلة بحكم ذكر ملّكه المجتمع سيف التسلط.
وتمضي على طريق النقد الاجتماعي، وبحس الأنثى المظلومة، في تسجيل تلك المواقف التي انطلقت حرة من خلف قضبان سجن، أودعته لأنها عبّرت في ساعة من الساعات وفي لحظة من اللحظات عن معاناة بنات جنسها الاجتماعية وحتى السياسية.
ومن خلال عملها كطبيبة تكشف أكثر وأكثر عن مشاكل اجتماعية مستورة تحيط بالأنثى، تعريها لتواجه بها المجتمع والذات في محاولة لاكتشاف المرض ووصف العلاج المناسب له. وتمضي نوال السعداوي إلى أبعد من ذلك فتتناول مشاعر الأنثى بتجرد، فتتحدث عن الحب وعن موقع المرأة ومشاعرها ومفاهيمها منه، وتستعين بالرمز في إحدى كتاباتها لتجسد واقع الحال وما يجسده من صرخات معلنة الانفلات من الإسار والثورة على التسلط الذكوري الأعمى.
وخاضت السعداوي عشرات المعارك، من أبرزها تلك التي تعرضت لها في العام 2001 حين نسبت إليها صحيفة محلية قولها إنها تدعو لتعدد الأزواج للمرأة أسوة بتعدد زوجات الرجل بينما كانت تطالب بمنع تعدد الزوجات، وقد اتهمها مفتي الديار المصرية وقتها نصر فريد واصل، بأنها بتصريحاتها المنسوبة إليها تلك تكون قد "خرجت عن ربقة الإسلام" .
وحين سألت مجلة "آخر ساعة" الصادرة بتاريخ 25 من نيسان "أبريل" عام 2001، المفتي السابق عما إذا كانت التصريحات المنسوبة للسعداوي تشكل خروجاً عن الدين، قال بالحرف الواحد: "هو من وجهة نظرنا خروج علي الإسلام ..
وفيه إنكار للمعلوم من الدين بالضرورة .. وعلى ذلك فإن الدكتورة المذكورة إن أصرت على ما قالت وعلى هذه العقيدة الفاسدة .. كما ظهر في حديثها يكون ذلك خروجا عن دائرة وربقة الإسلام .. لأنها باختصار تتهم الله بالجهل والظلم" .
وواصلت السعداوي بأكثر من طريقة السير في التعبير عن أفكارها بطرق أكثر إثارة، من ذلك إعلانها عام 2004 الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية في الانتخابات التي جرت عام 2005، وفاز فيها طبعا الرئيس الحالي حسني مبارك.
والدكتورة نوال السعداوي الأديبة والطبيبة بإعلان ترشحها في ذلك الوقت فتحت باب النقاش على مصراعيه عندما أعلنت عن نيتها الترشيح قبل أسابيع من قرار الرئيس حسني مبارك تعديل المادة 76 لإتاحة الفرصة لإجراء الانتخابات بين أكثر من مرشح.
وقد اعتبر قرارها على سبيل النكتة السياسية في حينه، فهي تدرك عمليا استحالة أن يرى موقفها النور في ظل العراقيل التي تضعها المادة 76 من الدستور، لكنها تمسكت برغبتها في الترشيح مخالفة كل التوقعات التي نظرت لخطوتها بشيء من التهكم.
وعندما شرحت رؤيتها بدا أن هناك منطقا يحكمها يقوم على رغبة عارمة في "تحريك المياه الراكدة ودفع العقول للعمل السياسي" بكلام آخر كسر حاجز أو حواجز عدم الاكتراث بغالبية قضايا الإصلاح والتغيير من قبل الشعب ونخبه، وقالت إنها تفكر في تأسيس حزب سياسي للتغلب على الشروط الدستورية للترشيح، وأوضحت أنها تفعل ذلك من أجل الشعوب وعلى الشباب مواجهة هذه المعركة.
ويبدو أن تحقق غرضها مبكرا كان سببا في عدم التركيز على مسألة ترشيحها بعد ذلك. فقد جاء إعلان تعديل المادة 76 ليفتح المجال -ولو نظريا- لتكون هناك منافسة على منصب رئيس الجمهورية، حيث تحركت مياه كثيرة في الحياة السياسية المصرية، وترددت أسماء متعددة عزمت على دخول الانتخابات.
لكن الدكتورة الشهيرة، تؤكد في إحدى التصريحات الصحفية أنه لا توجد ديمقراطية في مصر أو في أي من بلاد العالم حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي درست فيها لمدة 13عاما حيث تبنى فيها الديمقراطية على المال و السلطة، وتشير إلى أن السؤال يبقى: ما هي الديمقراطية؟
إنها ليست الذهاب إلى صناديق الاقتراع أو ممارسة حرية التعبير، إنما هي العدالة الاجتماعية والاقتصادية، لقد رأيت فقرا في بلجيكا يشابه ذلك الموجود في مصر، و رأيت فقرا في أمريكا لا يقل عن مثيله في الهند، والله أنا صامدة حتى الآن. لو قرأتم تاريخي لوجدت أنني تعرضت للسجن و النفي و تم وضعي على "قائمة الموت".
كثيرة هي التقلبات التي عاشتها الدكتورة نوال السعداوي من بداية حياتها، من ذلك ما كشف عنه الدكتور محمود جامع أحد ألمع قيادات جماعة الإخوان المسلمين، إذ كشف في كتاب أصدره العام الماضي بعنوان "وعرفت الإخوان" أن السعداوي كانت في يوم ما من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، بل من المتحمسين لها.
ويقول الدكتور جامع "ص 130":"وكان معنا في نفس الدفعة : الدكتورة نوال السعداوي، التي نجحنا في ضمها للإخوان، وتحجبت في ملبسها، وغطت شعرها، ونجحت في أن تنشئ قسمًا للأخوات المسلمات من طالبات الكلية، كما أنشأت مسجدًا لهن في الكلية، وكانت تؤمهن في الصلاة، وكنت أنا ضابط اتصال بينها وبين الإخوان".
ويضيف جامع الذي هو دكتور في الأمراض الجلدية، أن الدكتورة نوال السعداوي "أقنعت كثيرا من زميلاتها بالانضمام للأخوات المسلمات تحضهن على الصلاة والتمسك بالزي الإسلامي في وقت كان الحجاب بين النساء نادرًا، وكانت تخطب في المناسبات الإسلامية وفي حفلات الكلية باستمرار، وكان والدها يرحمه الله من علماء كلية دار العلوم، هو الشيخ سيد السعداوي، ولكن للأسف انقلب حالها وتغيرت أمورها إلى ما وصلت إليه الآن، واتهمت بالإلحاد والإباحية".
وكثيرا ما أثارت مواقف السعداوي المفكرين، فهذا المفكر العلماني والناقد الأدبي السوري جورج طرابيشي كتب عن نوال السعداوي كتابا أعطاه عنوان "أنثى ضد الأنوثة" قال فيه إن السعداوي أنثى تعادي الأنوثة في كتاباتها. وأنها امرأة مثيرة أكثر منها امرأة تستدعي التفكير والتأمل فيما تقوله.
فالسعداوي في كتبها العربية وفي كتبها المترجمة إلى لغات عدة، سعت وراء الإثارة أكثر من سعيها إلى بناء خطاب عربي فكري نسوي واضح المعالم. وما قالته في كتبها المختلفة مثل: "المرأة والجنس"، و"الأنثى هي الأصل"، و"الرجل والجنس"، و"المرأة والصراع النفسي" و"الوجه العاري للمرأة العربية" وغيرها من الكتب والروايات، يندرج تحت عنوان الاثارة أكثر ما يندرج تحت تأسيس خطاب عربي نسوي عقلاني واضح.
والدليل على ذلك، أن هناك كتباً فكرية مهمة صدرت عن المرأة العربية، ولم تُمنع من قبل شيوخ الأزهر، أو من قبل أية مؤسسة دينية أخرى، ما عدا المؤسسات الدينية المتشددة إلى درجة التزمت غير المعقول في الخليج العربي.
أحمد الشريف
المصدر: العرب أون لاين
إضافة تعليق جديد