التطورات الجارية داخل أمريكا والتحضير لما بعد لبنان
الجمل: الحرب الإسرائيلية العدوانية ضد لبنان حالياً، بالتأكيد تهدف إلى التصعيد إلى النقطة التي بلاشك، سوف تستغلها الولايات المتحدة من أجل الاعتداء على إيران، ولما كانت كل المؤشرات تقول بعدم قدرة الجيش الأمريكي على تنفيذ عملية برية لاحتلال إيران، فإن الراجح هو أن تستخدم أمريكا السلاح النووي في جنوب إيران، بشكل يؤدي بالتأكيد إلى حدوث أول واقعة لعملية استخدام هذا النوع من السلاح بعد حادثتي ناغازاكي وهيروشيما..
إن حدوث هذا السيناريو، ستكون تداعياته كارثية، لا على إسرائيل والإسرائيليين فحسب، بل وعلى المجتمع اليهودي العالمي.. لأن العالم كله أصبح يعرف الدور الإسرائيلي الرئيس في استهداف إيران، وبالتالي، على خلفية رد الفعل الكارثي الذي سوف تقوم به إيران في العالم، فإن العالم كله سوف يحمل اليهود مسؤولية ذلك.. بما في ذلك –على الأغلب- سكان الولايات المتحدة الأمريكية نفسهم، والذين أصبحوا يفهمون تماماً مدى فعالية اللوبي الإسرائيلي في توجيه السياسات الأمريكية، وبالذات إزاء القضايا والمسائل الـ(شرق أوسطية)..
تمارس إسرائيل حالياً انتهاكاً سافراً لكافة معاهدات جنيف، ومواثيق الأمم المتحدة، إضافة إلى قيامها بقتل موظفي الأمم المتحدة العاملين في جنوب لبنان، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى المزيد من السخط العالمي ضد إسرائيل، برغم دور أجهزة الإعلام الأمريكية والغربية الناشط حالياً في تضليل الرأي العام العالمي.
في هذه الأيام، يتدافع في كل شوارع المدن الأمريكية اليهود وحلفاؤهم من كل نوع، دعماً وتأييداً للعدوان الإسرائيلي (باعتباره دفاعاً عن النفس) ضد العرب وإيران، وقد وظف اللوبي الإسرائيلي هذا الزخم بشكل منظم ومدبر تم إعداده مسبقاً على ما يبدو، وذلك على النحو الذي أدى إلى استصدار كل من مجلسي النواب والشيوخ (المجلسان المكونان للكونغرس) قراراً بالتأييد وتقديم الدعم المفتوح للعدوان الإسرائيلي ضد لبنان.
لحظة صدور هذه القرارات، بدأت الإدارة الأمريكية، وكأنها تنتظر ما تريده وتتوقعه مسبقاً، وهو الغطاء التشريعي الذي يوفر لها حرية الحركة، والقيام بكل شيء، دون الحاجة إلى أخذ الموافقة من أي جهة تشريعية، مادامت نصوص القرارات التشريعية الصادرة تتضمن عبارة (تأييد ودعم مفتوح لإسرائيل)، ومن ثم باشرت الإدارة الأمريكية القيام بمايلي:
• البيت الأبيض (مؤسسة الرئاسة الأمريكية): أصبحت لهجة الرئيس الأمريكي ونائبه ومساعدوه أكثر عدائية للعرب.. ولكن بدرجة أكبر ضد إيران، وهي ما لفت أنظار الكثيرين، حتى داخل أمريكا نفسها.. كذلك أصبحت جماعات المحافظين الجدد، وصقور الإدارة الأمريكية أكثر نشاطاً داخل مؤسسة الرئاسة الأمريكية.. على النحو الذي يعكس تزايد مشاعر حالة الـ(ولع) بالحرب، بشكل يتطابق تماماً مع الوضع الذي كان سائداً في الأسابيع القليلة التي سبقت حرب العراق.
• البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية): باشر البنتاغون فوراً بتنفيذ جسر جوي (خطة تنفيذه تم إعدادها سلفاً)، وذلك لتزوير إسرائيل بالمزيد من الأسلحة والعتاد العسكري، بما يغطي ويفوق أضعاف خسائرها الحالية.
• وزارة الخارجية الأمريكية: بدأت تحركاتها على ثلاثة محاور:
1- الشرق الأوسط: نفذت كوندوليزا رايس جولة هدفت إلى تجميع الدول العربية المرتبطة باتفاقيات سلام مع إسرائيل، وأيضاً الموالية لأمريكا.. وبرغم أن الهدف هو حل الأزمة الحالية، إلا أن الهدف غير المعلن والحقيقي هو عزل هذه الدول العربية ترغيباً أو تهديداً، عن دعم وتأييد مقاومة الغزو الإسرائيلي، بحيث يعقب ذلك بناء تحالف إقليمي جديد يعمل وفقاً للأجندة الإسرائيلية والتي تهدف استراتيجياً إلى فتح المنطقة بالكامل أمام حركة الاختراق والتغلغل الإسرائيلي، كذلك تهدف هذه التحركات إلى جعل دول التحالف أو الـ(مظلة العربية الجديدة) (راجع تحليل موقعنا السابق عن هذه المظلة) أكثر تعاوناً مع أمريكا وإسرائيل في عملية العدوان ضد إيران، التي خطط لها البنتاغون تحت الضغط الإسرائيلي.
2- العواصم الغربية: وذلك بالمزيد من التحركات الدبلوماسية، الرامية لإقناع هذه الدول بضرورة تأييد العدوان الإسرائيلي الحالي، وتصعيده بحيث يتم استغلاله في أقرب فرصة ممكنة لضرب إيران.. لذلك تتحرك الدبلوماسية الأمريكية من أجل عرقلة كل التحركات الغربية التي يمكن أن تهدف إلى الضغط على إسرائيل من أجل التهدئة ووقف إطلاق النار، وحالياً برغم أن الهدف المعلن لمؤتمر روما هو احتواء الأزمة.. إلا أن هناك جملة من الأهداف غير المعلنة، والتي يمكن أن يتمثل أبرزها في تصعيد العداء الغربي ضد إيران، والمزيد من الدعم لإسرائيل، ودفع الأوروبيين من أجل الموافقة على تدخل قوات حلف الناتو.. وذلك بما يؤدي إلى تنفيذ (منظومة أخرى إضافية من الأجندة الإسرائيلية الأمريكية في المنطقة)، كذلك تهدف التحركات الدبلوماسية الأمريكية هذه المرة إلى إقناع الأوروبيين الغربيين بشكل نهائي بضرورة تأييد ودعم عملية تصعيد الصراع الحالي من أجل (وضع حد نهائي) للمسألة النووية الإيرانية، وذلك على أساس اعتبارات التبرير القائل بأنه قد آن الأوان وحان الوقت لكي يكون صبر الأوروبيين قد نفذ إزاء إيران، ومن ثم يجب عليهم حزم أمرهم، و(الحذو حذو أمريكا) مادامت إيران قد رفضت المبادرة الأوروبية الأخيرة.. وكعادة الدبلوماسية الأمريكية، في استغلال كل شيء، هناك تحرك ناشط أيضاً يهدف إلى الضغط على الأوروبيين بحيث يعطون موافقة إيجابية للطلب الأمريكي الذي ظلوا يعلقون الموافقة الإيجابية عليه، حول السماح لأمريكا بنشر المزيد من شبكات وقواعد الصواريخ البالستية الجديدة في أوروبا..
3- المنظمات الدولية: تسعى التحركات الدبلوماسية الأمريكية في مجلس الأمن الدولي من أجل تفعيل وتنشيط برامج مسلسل العقوبات الدولية الذي تطرحه الإدارة الأمريكية ضد إيران، سورية، كوريا، السودان والصومال.. وذلك تحت مختلف الذرائع المتعلقة بـ(مكافحة الإرهاب) و(حقوق الإنسان)..
إضافة لذلك، ترتب وزارة الخارجية الأمريكية أوراقها من أجل خوض المواجهات الدبلوماسية التي يمكن أن تنشأ في مجلس الأمن الدولي، في حالة اختلاف وجهات النظر والمواقف إزاء مسألة الغزو الإسرائيلي ضد لبنان.
وعموماً نقول: الدبلوماسية توجه الحرب (قبل وقوعها)، ولكن عندما تقع الحرب، فإن المعطيات الميدانية العسكرية، هي التي توجه وتحدد معيار الدبلوماسية..
مقاومة حزب الله سوف تستمر مهما كانت الظروف، وسيناريوهاتها سوف تكون متعددة، والآن تعمل إسرائيل وأمريكا من أجل دفع حكومة تيار المستقبل الحالية (إلى التبرؤ من مقاومة حزب الله ضد الغزو الإسرائيلي).. وجعل حكومة سعد الحريري- السنيورة تمتثل تماماً للأجندة الإسرائيلية، وذلك عن طريق أن تعاون حكومة الحريري- السنيورة مع متطلبات الغزو الإسرائيلي ضد الشعب اللبناني الذي انتخبها، وذلك على النحو الذي يدعم إسرائيل في إنجاز مهمة احتلال الأراضي اللبنانية.. وإذا لم تفعل حكومة تيار المستقبل ذلك، فسوف تتهمها أمريكا بدعم الإرهاب.. ومن ثم قد تكون هذه الحكومة هدفاً للعقوبات الدولية المدعومة أمريكياً.. وذلك عندما يتقدم جون بولتون –السفير الأمريكي بمجلس الأمن- بكل سهولة بطلب إلى مجلس الأمن يطلب فيه معاقبة الحكومة اللبنانية الحالية بسبب (عرقلتها لتنفيذ قرارات مجلس الأمن السابقة ودعمها للإرهاب).. وحينها تكون حكومة الحريري- السنيورة، مضطرة لأن تعمل ضد (حرية وسيادة واستقلال لبنان).. والعمل من أجل دعم القصف والغزو الإسرائيلي ضد لبنان..
الجمل قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد