الدور السوري في الحرب : برودة الأعصاب وفن الانتظار

29-07-2006

الدور السوري في الحرب : برودة الأعصاب وفن الانتظار

يقول مسؤول غربي، له علاقة بالجهود المبذولة حالياً لوقف عدوان إسرائيل على لبنان: إن الدولة العبرية لن توقف حربها قبل أن تحقق اختراقات عسكرية، ولذلك فمن المحتمل أن تكون الأيام المقبلة اكثر عنفاً وإيلاماً، وذلك بعد ان اصيب الجيش الإسرائيلي بنكسات عديدة كانت آخرها مقتل 3 ضباط و6 جنود له في يوم واحد.
والواقع أن من يزور بعض الدوائر الدبلوماسية الأوروبية أو يتابع الإعلام الأوروبي، يسمع كلاماً يصب في الخانة نفسها، ومفاده أن اسرائيل مصابة بصدمة كبيرة من جراء صمود المقاومة، وإن تأييد 82 في المئة من الإسرائيليين لهذه الحرب، يريد فقط تغيير المعادلة، ذلك أن ما حققه حزب الله في خلال الأسبوعين الماضيين، جعل الإسرائيلي العادي خائف تماماً بعدما سقطت في نظره صورة الجيش الذي لا يُقهر.
وتنقل صحيفة ليبراسيون اليسارية الفرنسية عن قيادة الأركان الاسرائيلية اعتقادها بأنها تتمتع بمهلة إضافية (خصوصا بسبب موقف واشنطن وفشل اجتماع روما) بغية البقاء في أولوية الخيار العسكري والضربات الجوية التي ستتكثف في الايام القليلة المقبلة وتستهدف مناطق عديدة من تلك الخاضعة عمليا للمقاومة، كما أن اسرائيل تسعى لاستهداف بعض رموز حزب الله بالقتل.
وتقوم القيادة العسكرية الاسرائيلية بتحصين وحدات مدفعيتها المرابضة عند الحدود لكي تنتقل لاحقاً الى مرحلة اخرى من الحرب التي يتوقع بعض الدبلوماسيين الاوروبيين ان تطول نظراً لتباين وجهات النظر الدولية بين راغب بوقف فوري للحرب، وراغب بالسماح لإسرائيل بتحقيق اختراقات هي بأمس الحاجة اليها.
وفي كل الأحوال لن تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية قبل نهاية الشهر الحالي، ذلك أن فرنسا التي اعدت مشروعاً للحل لن تقدمه الى مجلس الأمن قبل مطلع الشهر المقبل، وذلك فيما ستؤكد زيارة رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير الى واشنطن أن البلدين مستمران بدعمها لإسرائيل وعزمهما على ردع أية محاولة فرنسية لإعاقة ذلك.
وكانت فرنسا نشرت خطتها للسلام في لبنان والقاضية بنشر قوات حفظ سلام عند الحدود، الدعوة لإطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين الأسيرين وضمان سيادة الدولة اللبنانية حتى الحدود، وتطبيق القرار 1559 القاضي بنزع سلاح حزب الله.
لكن اللافت في ما أكده وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي امس هي الاشارة حول مستقبل مزارع شبعا، حيث قال في مقابلة مع صحيفة لاوبروفانس الفرنسية: إننا نأمل في إيجاد تسوية لمزارع شبعا التي يمكن أن تعود الى لبنان، كما نأمل في حل قضية الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية.
فهذه هي المرة الاولى التي يعترف فيها مسؤول فرنسي كبير ولو تلميحاً ب  لبنانية المزارع.
وكان دوست بلازي أشار في المقابلة نفسها الى التباين بشان لبنان مع الولايات المتحدة الاميركية، حيث لفت الى ان <الإعلان الختامي للرئاسة الايطالية والاميركية لمؤتمر روما لم يأخذ بعين الاعتبار رغبة غالبية المشاركين في القمة بوقف فوري لإطلاق النار، وذلك فيما تم دمج الاقتراح الفرنسي بإرسال قوات عسكرية دولية بعد التوصل الى اتفاق سياسي.
وقد تعمد الرئيس الفرنسي جاك شيراك القول امس في اعقاب الاجتماع المصغر لمجلس الوزراء انه يريد وقفاً لإطلاق النار ونشراً لقوات دولية في اسرع وقت ممكن، وذلك لقطع الطريق على ما قد يصدر عن اجتماع الرئيس الاميركي جورج بوش وحليفه رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير من دعم غير مباشر لإسرائيل لاستكمال عملياتها العسكرية قبل التفاوض.
في هذا الوقت يجري حديث كثير عن احتمال عودة سوريا الى ساحة التفاوض بغية المساهمة بالتهدئة، ولكن الأمر لا يزال خاضعاً لتجاذبات كثيرة.
ويقول دبلوماسي اوروبي انه حين اجتاحت اسرائيل لبنان عام ,1982 ظن كثيرون أن سوريا خرجت الى غير رجعة. انتظر الرئيس الراحل حافظ الأسد ببرودة أعصابه المعهوده حتى جاءه من يطرق بابه بغية المساعدة. عاد الى الساحة اللبنانية بأقوى مما كان، ووظف ببراعة كبيرة اجتياح العراق للكويت، للقضاء على العماد ميشال عون وإعادة التموضع على الساحة الدولية.
التاريخ ربما يكرر نفسه والسؤال الكبير المطروح اليوم: هل سيأتي من يطرق باب الرئيس بشار الأسد للمساعدة في التهدئة والتفاوض؟
يبدو أن الأمر صار أكثر من وارد. فبعد الاتصالات التي أجراها الامين العام للامم المحدة كوفي انان مع الرئيس السوري، قال أمس مبعوث انان الى المنطقة تيري رود لارسن في حديث لصحيفة لوفيغارو الفرنسية إنه بدون سوريا وإيران سيكون من الصعب جداً التوصل الى وقف لإطلاق النار، حتى ولو كان من السابق لأوانه حالياً القول بأنه من الممكن ضم البلدين الى الجهود الجارية بغية التوصل الى وقف الحرب.
والمعروف أن شيراك يعمل على تفادي إعادة سوريا الى الملف اللبناني، بينما إسرائيل والولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا حملت غير مرة النظام السوري مسؤولية ما يحصل.
المنطق يقول إن المسؤول عن التأزم يمكن أن يصبح مسؤولاً عن الحل، وفق مسؤول اوروبي مؤيد لفكرة إشراك سوريا في البحث عن وقف لإطلاق النار، وهذا ما يجعل ألبعض يفسر الكلام الأميركي بشأن سوريا على أنه دعوة للمشاركة في الحل. واللافت أن الرئيس الأسد الذي تعلم هو الآخر بعض فنون الانتظار بأعصاب باردة، كان سباقاً في الحديث عن أهمية وقف إطلاق النار وفي عرض المساعدة على التهدئة.
والواضح أن شيراك ينطلق برفضه أي دور لسوريا في الحل، من عدة عوامل يتعلق بعضها بموقفه الشخصي من الرئيس الأسد الذي تفاقم نقمة بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري رغم قلة الدلائل حول الجريمة حتى الآن، ويصل بعضها الآخر الى حد الحؤول دون عودة سوريا الى الإمساك بالملف اللبناني، وهو يلتقي في ذلك مع قوى 14 آذار وبعض الدول العربية الداعمة لها.
لكن لبنان الذي يشكل أولوية للرئيس الفرنسي لأسباب عدة، أعاد التذكير ببعضها وزير خارجيته فيليب دوست بلازي في قمة روما قبل ايام، ليس بالضرورة أولوية اميركية ولا إسرائيلية، ذلك ان الملف الايراني لا يزال الأكثر مبعثاً على القلق، وأوضاع العراق مستمرة في فرض نفسها أولوية الاولويات الاميركية.
هذا بالضبط ما يجعل الثمن المطلوب من سوريا غالياً، ذلك ان انعدام الثقة المتبادلة بين دمشق وواشنطن، يجعل إدارة الرئيس الأسد حذرة في الإقدام على اية خطوة تضعف تحصيناتها، خصوصاً أن الاميركيين يحلمون بفك الارتباط السوري الايراني.
أما إسرائيلياً، فإن الدولة العبرية التي لم تكن متحمسة للدعوات التي اعقبت اغتيال الحريري والمطالبة بإسقاط النظام السوري، فلا تزال على قناعة بأن دمشق قادرة على ضبط الأوضاع نظراً لعلاقاتها الواسعة مع حماس وحزب الله وغيرهما من الاطراف الفلسطينية واللبنانية الناشطة في المنطقة، ولكن إسرائيل لم تحدد بعد حدود الصفقة التي يمكن أن تقوم مع سوريا، وربما لم تقرر أصلاً ما اذا كانت الصفقة ضرورية أم لا.
وهنا الإشارة مهمة الى أن المسؤولين الإسرائيليين سعوا اكثر من مرة في الأيام الماضية الى تحييد سوريا، ذلك انهم كرروا انهم لا يريدون استهدافها، وهم يسعون حالياً لإطالة أمد الحرب قليلاً بغية تحقيق اختراقات عسكرية.
والملاحظ ان الوضع السوري شهد تطورات عديدة منذ اغتيال الحريري، فبعد استيعاب الصدمة، انتقلت إدارة الرئيس الاسد الى تنظيم الوضع الداخلي وتشديد أواصر المؤسسات الفاعلة الأمنية والسياسية، ثم باشرت مرحلة الانتظار بأعصاب باردة، ولعلها ترى اليوم في ما يحصل بين حزب الله وإسرائيل فرصة لإعادة موضعة نفسها على الخريطة كعامل مساعد في التهدئة والتفاوض.
وسيكون من السذاجة بمكان التفكير بإمكانية التوصل الى حل بين لبنان وإسرائيل بعيداً عن سوريا، إلا إذا كانت النوايا المبيتة بالنسبة للشرق الاوسط الجديد، تستهدف هذه المرة اكثر من نظام في المنطقة، وهذا مستبعد بعد العثرات الاميركية الكثيرة.
الأكيد أن دمشق ليست على عجلة من أمرها، فحزب الله صامد بأكثر مما تصور الجميع، ولذلك فهي تنتظر أن يأتيها من يطرق بابها في الأسابيع القليلة المقبلة، او تنتظر استعداداً لإسقاط أي اتفاق بين لبنان وإسرائيل لا يناسبها، ومثال اتفاق 17 أيار لا يزال حاضراً في الأذهان، وكانت سوريا في حينه شديدة الوهن والضعف قياساً الى حالها اليوم.
ربما يغالي البعض في توقع عودة سوريا الى الملف اللبناني بهذه السرعة، ولكن المغالاة الأكبر تكمن في التفكير بأنه يمكن التوصل الى حلول بين لبنان وإسرائيل بدون دمشق، فمصالح الدول لا تعرف ثوابت في العلاقات، ومن يعيد قراءة التاريخ الحديث سيجد أمثلة كثيرة على اتفاقات سورية اميركية حصلت بعد غيوم ملبدة في سماء البلدين.
ولعل برودة الأعصاب السورية وفن الانتظار يجعلانها قادرة هذه المرة على دفع ثمن أقل وذلك من منطلق القاعدة الشهيرة التي يرددها مسؤول سوري رفيع والقائلة بأن ما غلا ثمنه اليوم سيرخص غداً، وحين يبخس الثمن نشتري

سامي كليب

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...