'طريق النحل' قدم نقلة من الإضاءة إلى الإخراج
شهدت الدراما السورية على مر تاريخها الطويل، الكثير من حالات تغيير الاختصاص التي كان هدف أصحابها الاتجاه نحو الإخراج الدرامي... العديد من المساعدين والمنفذين وكذلك الممثلين أصبحوا مخرجين... ناهيك عن أن عدداً من المخرجين أتوا من فرقة الفنون الشعبية في فترة من الفترات... إلا أنه نادراً ما تحول مدير إضاءة إلى مخرج... رغم أن مدراء الإضاءة والتصوير بطبيعة الحال، هم الأكثر قرباً من مهنة المخرج على الصعيد التقني، والأكثر التصاقاً بالمخرجين على صعيد الخبرة!
- مدير الإضاءة والتصوير أحمد إبراهيم الأحمد خرق هذه القاعدة، وفاجأ الوسط الفني السوري باتجاهه نحو الإخراج، رغم كونه واحداً من مدراء التصوير الأكثر انتشاراً والأغزر نشاطاً في السنوات الأخيرة... فقد كان قاسماً مشتركاً في أعمال المخرج حاتم علي في السنوات العشرة الأخيرة منذ مسلسل (سفر) عام 1998 إلى (الفصول الأربعة) و(الزير سالم)، ومروراً بأعمال تاريخية ملحمية كـ (صقر قريش) و(ربيع قرطبة) و(صلاح الدين الأيوبي) وانتهاء بـ (الملك فاروق) الذي حصد عليه جائزة أفضل إضاءة في مهرجان القاهرة.
وبهذا فقد أتى أحمد من تجربة غنية، عمل فيها مع العديد من المخرجين، وفي ألوان درامية متعددة قبل أن يحسم أمره في الاتجاه نحو الإخراج... وهي خطوة لا يرحب بها المخرجون المتواجدون على الساحة، إذ تثير الامتعاض لدى كثير منهم، رغم أنهم يدعون الروح الرياضية، ويتباهون بتشجيع زملائهم الوافدين الجدد بكلمات منمقة في وسائل الإعلام!
بدأ أحمد إبراهيم الأحمد تجربته الإخراجية في سلسلة أفلام (منمنمات اجتماعية) حيث منحه المخرج نجدت أنزور، الذي كان منتجاً منفذا للسلسلة، فرصة إخراج أربعة أفلام هي (رياح الخريف- عزيز قوم- مثل الحقيقة- صدى الصمت) وفي هذا الفيلم الأخير، استطاع أحمد إبراهيم أحمد، أن يقدم أداء إخراجياً متوازناً، وأن يثبت أنه قادر على فهم دراما العمل وتوصيل مضامينها بعمق وبساطة، قدر اهتمامه بتحقيق شكل إخراجي أنيق وجذاب.
- ومؤخراً استطاع أحمد إبراهيم أحمد، أن يحصد فرصة إخراج أول مسلسل درامي طويل بعنوان (طريق النحل) في وقت ينخفض فيه الإنتاج الدرامي السوري على صعيد الكم إلى أقل من النصف مقارنة بما أنتج العام الماضي.
يقول أحمد إبراهيم أحمد حول مبررات اتجاهه نحو الإخراج بعد خمسة عشر عاماً من العمل في مجال الإضاءة الدرامية: (لقد قلت كل ما لدي على صعيد الإضاءة، وأصبحت لدي أشيائي الخاصة التي أريد أن أقولها إخراجياً، ومن هنا فقد بدأت أشعر بأن ثوب الإضاءة أصبح ضيقاً عليّ، ولهذا أردت من خلال عملي كمخرج، أن أرتدي ثوباً أكثر اتساعاً، بحيث أستطيع من خلاله أن أستوعب هذه الأشياء التي تدور من حولي... وأعتقد أن الدراما السورية اليوم بحاجة إلى دم جديد باستمرار، لأن أخطر ما يهدد عمل بعض المخرجين المتواجدين على الساحة هي النمطية والركون إلى النجاحات السابقة).
الانتقال إلى حقل الإخراج في هذه المرحلة من عمر الدراما السورية، لا يبدو بالأمر السهل، حيث تشهد الساحة أجيالا من المخرجين، الذين أصبحوا قادرين على أن يخلقوا معايير ومستويات لا ينبغي التنازل عنها في مقاربة مهنة الإخراج لأي وافد جديد... لكن أحمد إبراهيم أحمد يؤكد: (أنا لا أشعر بالرهبة من عملي الجديد، لأنني متحمس لخوض هذه التجربة بثقة وإخلاص، ويمكن القول إنني أثناء عملي في الإضاءة كنت أشعر برهبة أكبر).
مسلسل (طريق النحل) الذي انتهى أحمد إبراهيم أحمد من كافة عملياته الفنية، وهو مرشح للعرض في موسم رمضان المقبل، هو قصة ميلودرامية كتبها عبد المجيد حيدر ضمن صيغة ورشة كتابة جماعية شارك فيها: (جهاد أسعد محمد- رائد وحش- قيس مصطفى)... تدور أحداثه في قرية على الحدود بين سورية ولبنان... المعروف أن المناطق الحدودية تعيش على حافة الخطر ليس بسبب النزاعات العسكرية دائماً، بل بسبب إغراءات التهريب عبر الحدود... وفي أحداث افتتاحية غامضة يقتل زوج (وداد) بطلة العمل التي لا تجد بداً من ترك القرية، والهرب إلى دمشق، بعد أن يلاحقها شقيق زوجها، مرة بهدف الاستيلاء على أرض زوجها بحجة أنه الوصي على الأولاد... وأخرى بهدف الزواج منها.
في المدينة تهرب (وداد) من مكان إلى آخر خوفاً من ملاحقة شقيق زوجها، وتعمل مستخدمة في مشفى ثم خادمة في بيوت الأثرياء كي تعيل أولادها الصغار... إلا أن جمالها يجلب عليها نقمة التحرش المستمر، الذي يدفعها في النهاية لارتكاب جريمة قتل دفاعاً عن شرفها... وبدخولها إلى السجن يكون أطفالها الصغار في مواجهة مصائر ميلودرامية مركبة، ورحلة ضياع وتشرد حاول المخرج أحمد إبراهيم أحمد كما يقول، أن يخفف من صبغتها الهندية، باتجاه تكريس طابع دراما اجتماعية محكومة بمبررات درامية وعلاقات سببية قدر الإمكان... وقد بدأ منذ العنوان، حين استبدله من (دروب) إلى (طريق النحل) لأن طريق النحل، هي (الطريق الموصوفة بالدأب والألم والعذاب) على حد تعبيره.
- ورغم الطابع الميلودرامي الواضح لقصة العمل إلا أن أحمد إبراهيم أحمد يدافع عن النص بالقول: (صحيح أنه ينتمي للميلودراما كنوع، لكنه مكتوب بإتقان، ومشاهد التلفزيون عموماً يحب القصص والموضوعات المشحونة بالعواطف والأحاسيس القوية، والتقلبات الحادة في المصائر التي تجمع أو تفرق أبناء الأسرة الواحدة على مدى زمني طويل).
استطاع أحمد إبراهيم أحمد أن يحشد لتجربته الدرامية الطويلة الأولى خيرة نجوم الدراما السورية: (سلوم حداد- صباح جزائري- عبد الهادي الصباغ- خالد تاجا- نادين- جهاد سعد- نضال نجم- قمر خلف- نسرين طافش- أحمد الأحمد) مع كل من: (نبال جزائري- قاسم ملحو- محمد حداقي- طارق الصباغ- رنا شميس- خالد القيش- رواد عليو- دينا هارون- إيمان عبد العزيز- نجوى علوان) والمذيعة التلفزيونية قمر عمرايا... والأطفال طلال ومحمد واوية.
وقد ضم الطاقم الفني كل من: المخرج المنفذ (وائل أبو شعر) تصوير (راكان حسن) مدير الإضاءة (سليم خضرة) مهندس الديكور (داوود حسن)، ماكيير (أمير بيعي) موسيقى تصويرية (طاهر ماملي) ملابس (محمد عاشور) صوت (ظهير غريبة) مونتاج وغرافيك (عبد الغني البقاعي) ومدير الإنتاج: (ماهر واوية).
محمد منصور
المصدر: القدس العربي
إضافة تعليق جديد