زياد أحمد في رواية (بالأمس.. كنتُ هناك)

23-08-2009

زياد أحمد في رواية (بالأمس.. كنتُ هناك)

يُباغتك زياد أحمد محافظة بحضوره الأول في المشهد الروائي المعاصر بلا مقدمات وبجمل تحمل من الرشاقة مايشي بقدرته وتمكنه من قلمه ليدخلك في عالم السرد الروائي الممتع عبر عمله البكر (بالأمس ... كنت هناك) الصادر في بيروت عن دار الفارابي للعام ٢٠٠٩.  حيث يعبر بنا الكاتب من خلال ٣٣٢ صفحة في فضاء رحب منتقلاً بين ثلاثة مدن رئيسية بإيقاع بياني متواتر يزيد من متعته براعة الكاتب في الإمساك بخيوط عمله التي تشي بأكادميته في علم الإدارة. فهو يدير فصول روايته بحرفية عالية بين ثلاثة محطات رئيسية، واصفاً الأماكن بمشهدية سينمائية ساحرة ملتقطاً فيها تفاصيل الواقع بقدرة فنية عالية ينقلك من خلالها إلى عوالم الجمال وتفاصيل المكان، صارفاً من مخزونه الثقافي وذاكرته االحية بلا حساب في تجسديها روائياً، محاكياً من خلال نصه هذا إشكالية البربوغاندا الأزلية والتي باتت في عصرنا هذا واحدة من أخطر الأسلحة وأشدها فتكاً بوجودنا وبإنسانيتنا، عبر تحكمها بأرائنا وأحكامنا وأفعالنا وحتى رومانسيتنا المسلوبة في صقيع العولمة، تلك الرومانسية الجميلة التي أشبع الكاتب نصه بها من خلال علاقة الحب الدافئ بين زاهي وسلمى - بطلا الرواية-  والتي تشبه بدفئها وجمالها حديقة سلمى المستلقية في فناء دارها، تلك الحديقة التي لم تغب عن صفحات الرواية حتى في أشد لحظاتها ألماً، والتي أراد الكاتب من خلالها التعبير عن حجم الفاجعة التي مارستها البربوغندا أولاً والسياسة ثانياً والتسلط والتعصب ثالثاً، في اغتيال مفاهيم القيم والجمال في مجتمعاتنا كافة، ودورهم في التضليل العالمي ورسم مسارات الوعي ونمطيات التفكير، عبر وسائل السلطة الإعلامية وصانعوا القرار، وتحت مظلة الشعارات الكبيرة والأيدلوجيات القمعية الجاهزة، حيث يرصد الكاتب نموذجاً منها يقع ضحية لجماعة إرهابية لا تبعد في تسلطها وقدرتها على الخداع كثيراً عن مفاهيم السلطة، وعبر أقنية تتجاوز فيها المستور إلى العلن لتجند زاهي (عالم الكيمياء) في عمل إرهابي تحت مظلة العلم والبحث الانساني في وضح النهار، مما لا يترك شكاً بنواياها. سارقةً بطلنا من أحلامه وهواجسه بعالم أكثر جمالاً وحرية ودفء ورومانسية إلى غياهب الظلمات والتي لم تتوانى السلطة عندما لجأ إليها في إضافة التوابل إليها  لتغدو واحدة من أبشع عمليات التشويه والاستغلال السياسي.
يغادر نص زياد محافظة في جوهره ظاهرة العنف والإرهاب ومحاربتهما الزائفة إلى فضاءات أوسع وأرحب، وإلى خصوصية تحتمل في بعدها عمومية المكان، لتسقط بين يدي مجتمع كامل ألغى فيها وعيه وقدرته على محاكمة الأمور واكتفى بما يزرع في رأسه من تشويه للحقائق وتسيّس وتزيف، متسلحاً بمنطق القطيع.
رواية (بالأمس... كنت هناك) دعوة إلى مقاربة الواقع  والارتقاء بالوعي الإنساني إلى مستوى االحدث، إلى مستوى الحفاظ على كرامتنا وعلى انسانيتنا وعلى وجودنا، الذي بات يفقد جوهره  في زمن مكننة الفكر وتصنيعه، ولعبة السياسة القذرة.

 

يعرب البهلول

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...