الدراما تخضع القضية الفلسطينية لمغامرة التسويق ومراوغته
تبقى دراما القضية الفلسطينية أسيرة هواجس شخصية ومشاريع فردية، ولا يمكن إدراج إنتاجها إلا تحت مسمى واحد هو أنها مغامرة مبهمة الحساب، إذ لا يمكن لأحد أن يبني على الشيء مقضتاه في ما يخص الإنتاج الدرامي الذي يعنى بالقضية الفلسطينية. وبالتالي، لا يمكن الجزم بمؤشرات وأحكام واستنتاجات واضحة في حال غياب القضية الفلسطينية درامياً أو في حال حضورها بقوة.
ولعلنا نوهم أنفسنا حين ننتظر من نجاحات مشاريع سابقة أو من أحداث سياسية ساخنة أن تحدث تغييراً في معادلة الحضور الدرامي لفلسطين. فقد كان من المنتظر أن يحدث النجاح الكبير لمسلسل «التغريبة الفلسطينية» التحول المطلوب صوب أنتاج أعمال مماثلة، فلم يحدث ذلك. وخلافاً للإنتاج الغنائي الاستهلاكي الذي ترافق وحصار غزة الأخير، إلا أن أيا من منتجي الدراما لم يتحرك لإنتاج عمل فلسطيني بتأثير الحصار والحرب الأخيرة على غزة. ولم يكن يعني فوز مسلسل «الاجتياح» بجائزة أيمي العالمية لأي من المنتجين أو الفضائيات العربية شيئاً، فظل المسلسل نفسه يتعثر في إيجاد فضائية تعرضه. فكيف لنا أن ننتظر منه أن يفتح شهية أي من المنتجين لتبني مشاريع درامية أخرى تتناول القضية الفلسطينية...؟!
ولعل أكبر دليل على أن مسألة تبني إنتاج دراما تتعلق بالقضية الفلسطينية مسألة تندرج تحت حكم المثل الشعبي «فالج لا تعالج»، هو الصعوبات الإنتاجية التي واجهها مسلسل «سفر الحجارة» للمخرج يوسف رزق والكاتب هاني السعدي الذي نتابعه اليوم، بدءاً من عدم وجود جهة إنتاجية تتبناه، الأمر الذي اضطر إلى مشاركة المخرج والممثلين في إنتاجه على حسابهم الخاص، وصولا إلى الصعوبات في تسويقه التي استلزمت الاستعانة بموزعين للمساعدة في تسويق العمل.
وفق الصورة السابقة يبدو حضور دراما القضية الفلسطينية أسير طرحين اثنين كرسهما حضور ثلاثة مسلسلات تناولت القضية الفلسطينية بشكل مباشر أو غير مباشر خلال الموسم الرمضاني 2009. الطرح الأول يظهر من خلال تبني موضوعات مباشرة عن القضية الفلسطينية، كما الحال في مسلسل «سفر الحجارة» الذي يرصد حكايات ومقاومة عائلات فلسطينية في الأراضي العربية المحتلة، وما يتعرض له الفلسطينيون من مجازر هناك. وفي هذا الطرح سيكون لا مفر للجهة المنتجة من اختيار دخول معترك المغامرة الإنتاجية المبهمة الحساب، التي ربما قد تصيب كما حدث مع مسلسل «التغريبة» وربما تخيب كما هي الحال مع كثير من المسلسلات التي أنتجت وأوقفت عن العرض أو حظيت بفرصة عرض واحد كما حدث في مسلسلي «الشتات» و«عياش».
الطرح الثاني لتناول القضية الفلسطينية في الدراما يبدو أنه اتبع سياسة المثل الشعبي «لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم»، حين أدرج الموضوع الفلسطيني كخيط درامي ضمن سلسلة خيوط اجتماعية أخرى ساهمت بدورها في تسويق العمل دون أن يشكل الخط الفلسطيني أي عبء عليها. كما هي الحال في مسلسل «سحابة صيف» للمخرج مروان بركات والكاتبة إيمان السعيد، حيث شكلت موضوعات تجارة الأعضاء، الرشوة، تبييض الأموال، سفاح القربى، الخيانة الزوجية، وجرائم الكمبيوتر... عناوين عريضة، لحكاية المسلسل التي تدور في فضاء درامي شديد الالتصاق بطبيعة التشكيل الاجتماعي المعقد للمدن الكبرى، التي تضم إلى جانب مواطنيها لاجئين. ومن وسط هؤلاء اللاجئين سنتعرف بشخصية «أبو حبيب» وهو رب أسرة فلسطينية لا يزال، رغم كل ظروف اللجوء التي مرت به وبأسرته، مسكوناً بالعيش على أمجاد ذكرى عائلته الإقطاعية أيام حيفا قبل النكبة. كما سنتعرف بزوجته «أم حبيب» الفلسطينية اللاجئة المفجوعة باستشهاد ابنها البكر حبيب في الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف العام 1982. وهي أم للجميع، وجدة أولاد الحارة، التي تسرد حكايات وقصصا لتبقى ذكريات الوطن وحلم العودة متقدة في الذهن والقلب.
ما بين الطرحين يقدم مسلسل «رجال الحسم» للمخرج نجدت أنزور نفسه. فهو يقدم حكاية مفترضة عن الصراع العربي الصهيوني من خلال حكاية مدرّس جولاني يفقد أمه وأخاه في حرب الـ 67، فيقرر الانتقام لهما حيث يتقرب من المافيا الإسرائيلية تمهيداً لدخوله إلى إسرائيل. وافتراضية الحكاية ربما تثير غضب الإسرائيليين، لكنها في الوقت ذاته توفر عامل الإثارة البوليسية الذي يستقطب نسبة كبيرة من المشاهدين، وربما تستثمر في الرصيد الإيجابي الذي تركه مسلسل «رأفت الهجان» لتسويق العمل.
قياساً بالنتائج، يبدو أن معادلة «سحابة صيف» الفلسطينية هي الأسلم: تضمين حكاية اجتماعية مثيرة كل الرسائل الوطنية التي نريدها، بدون أن يعني ذلك أن نكف عن إنتاج دراما عن القضية الفلسطينية بشكل مباشر. لكن لا بد أولاً من فهم سلوك السوق، إذ لا معنى لأبلغ الكلمات ما لم تُسمع، ولا أهمية لمسلسل مهما طرح من قضايا مهمة بمستوى فني راق ما لم يشاهَد.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد