الصراع على هندوراس ولعبة الديمقراطية الأمريكية على الطريقة العسكرية
الجمل: برزت تطورات الأحداث والوقائع المتعلقة بالوضع السياسي في هندوراس بشكلٍ يحمل مؤشراً قوياً يفيد لجهة كيفية قيام "الأيادي الخفيّة" الأمريكية والإسرائيلية في التلاعب بمصائر شعوب وبلدان أمريكا الجنوبية.
* هندوراس: خلفيات الصراع:
من المعروف أن هندوراس من بلدان أمريكا الوسطى التي انتهجت أسلوب التحول الديمقراطي، وظلت الولايات المتحدة أكثر دعماً لهندوراس باعتبارها بلداً ديموقراطياً يمثل نموذجاً يجب أن تحتذي به دول أمريكا الوسطى والجنوبية. ولكن، عندما فاز عبر الديمقراطية الرئيس «زيلايا» غير الصديق لواشنطن، بدت الولايات أكثر انزعاجاً إزاء تطورات السياسة الهندوراسية، واحتمالات أن تنتقل العدوى إلى بقية بلدان القارة اللاتينية. وبالفعل، فقد بدا الرئيس زيلايا أكثر تحالفاً وتقارباً مع الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز العدو الرئيس لمحور واشنطن – تل أبيب في أمريكا اللاتينية (الوسطى والجنوبية). وإضافةً لذلك، فقد بدا تحالف شافيز – زيلايا أكثر توسعاً لجهة استقطاب المزيد من زعماء المنطقة، وذلك على النحو الذي ضمَّ بالإضافة إلى شافيز وزيلايا كل من الرئيس البوليڤي إيغو ميدراليز، والرئيس النيكاراغوي دانييل أورتيغا والرئيس الأكوادوري رافائيل كورييا وبدأت معالم احتمالات انضمام كل من الرئيسة الأرجنتينية كريستينا فرنانديز ورئيس الأورغواي رودلفونيل نوفوا إضافةً إلى الرئيس البرازيلي لولا دي سيلڤا الذي بدا واضحاً أنه لم يعد يقبل بنفوذ محور واشنطن – تل أبيب على مصائر بلدان وشعوب أمريكا اللاتينية.
استشعرت واشنطن أن خط زيلايا – شافيز قد تحول بالفعل إلى منتدى أمريكي لاتيني، وأصبحت تطوراته الجارية تؤكد يوماً بعد يوم بأنه يمضي قُدماً باتجاه أن يأخذ شكل تحالف سياسي – أمني – اقتصادي – عسكري أمريكي لاتيني معادي لمحور واشنطن – تل أبيب. وذلك لأن كل أطراف هذا المنتدى لم يسعوا فقط لمجرد تصعيد الخصومة مع أمريكا فقط، وإنما تصعيد الخصومة من جهة ضد إسرائيل من الجهة الأخرى، وبشكلٍ متزامن مع اتخاذ المواقف المساندة للحقوق العربية ودعم الفلسطينيين إضافةً إلى بناء وتعزيز الروابط مع سوريا وإيران وموسكو وكوبا وكوريا الشمالية والصين.
* لعبة هندوراس: سيناريو مسرح "الأيادي الخفيّة":
نشأت لعبة هندوراس على خلفية الصراع والخلافات بين الرئيس زيلايا والمؤسسة العسكرية الهندوراسية التي يرتبط زعماؤها بأجهزة المخابرات العسكرية و بخبراء المعونات والمساعدات العسكرية الأمريكية. وتقول المعلومات، بأن المحكمة العليا الهندوراسية كانت ضالعةً في المؤامرة، وذلك عندما أصدرت قراراً يطالب الرئيس زيلايا بإجراء بعض التعديلات. وعلى خلفية الخلاف بين زيلايا والمحكمة العليا، تدخّل الجيش الهندوراسي ونفَّذ انقلاباً ضد الرئيس زيلايا المنتخب ديمقراطياً. تواطأت واشنطن مع الانقلابيين المدعومين بواسطة القوى السياسية اليمينية الهندوراسية الموالية لأمريكا، ولكن شدة الانتقادات والرفض الأمريكي اللاتيني والدولي لانقلاب هندوراس دفع واشنطن إلى إعلان تأييدها لاستمرار الديموقراطية.
أبعد الانقلابيون الرئيس زيلايا خارج البلاد، ولكن الرئيس زيلايا استطاع الدخول إلى هندوراس ومنحته السفارة البرازيلية حقّ الإقامة داخل مبانيها.
تحت تأثير الضغوط المكثَّفة، سعت واشنطن إلى الدفع باتجاه عقد صفقة بين الانقلابيين والرئيس زيلايا، وانتهت الصفقة بقرار المحكمة العليا الهندوراسية بضرورة إجراء الانتخابات.
هذا ، وقد رفض الرئيس زيلايا وأنصاره الانتخابات، باعتبارها تضفي الشرعية للنظام الانقلابي وقادته الذين يتوجب تقديمهم للمحاكمة.
* انتقال الأزمة الهندوراسية إلى المربع الجديد؟
تقول المعلومات والتقارير، بأ قوات الجيش الهندوراسي قد تم نشرها بشكل مكثّف في كل أنحاء البلاد. وتقول المعلومات وأفادت شهود عيان، بأن الخبراء العسكريين الأمنيين الأمريكيين والإسرائيليين كان حضورهم قوياً في عمليات نشر قوات الجيش، وقد تم إجراء الانتخابات في موعدها المحدد برغم مقاطعة الرئيس زيلايا وأنصاره لهذه الانتخابات، إضافةً إلى رفض العديد من بلدان أمريكا اللاتينية لها.
تم الإعلان رسمياً في هندوراس عن فوز المرشح بورفيريو لوبو بمنصب الرئيس الهندوراسي. هذا، وتجدر الإشارة إلى أن بورفيريو لوبو لم يكن متورطاً في الانقلاب، وإنما هو زعيم سياسي معارض لزيلايا و يتميز بمواقفه المؤيدة والداعمة لتحالف هندوراس مع محور واشنطن – تل أبيب، وبكلماتٍ أخرى، فقد أشرف الانقلابيون على هذه الانتخابات وصعدوا بورفيريو لوبو إلى منصب رئيس بدلاً عن الرئيس الشرعي المنتخَب زيلايا.
أعلنت البرازيل ومعظم دول أمريكا اللاتينية عن رفضها لإجراء هذه الانتخابات، إضافةً إلى رفض الاعتراف بشرعية بورفيريو لوبو كرئيس منتخَب جديد لهندوراس.
وحالياً، تشير التحليلات إلى أن واشنطن، لم تعلن عن اعترافها الرسمي بالرئيس الهندوراسي الجديد. وعلى ما يبدو، فإن موقف دول أمريكا اللاتينية الرافض هو السبب الرئيس إزاء تردد واشنطن في الاعتراف برئاسة بورفيريو لوبو، الذي نصّبته "الأيادي الخفيّة" التابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز الموساد الإسرائيلي.
تشير التوقعات إلى أن الأزمة سوف تشتد ولن تكون مجرّد أزمة بين الرئيس الشرعي زيلايا وخصومه، وأيضاً لن تكون بين دول أمريكا اللاتينية حول مدى إمكانية الاعتراف بالرئيس الهندوراسي الجديد، وإنما بين محور واشنطن – تل أبيب ودول أمريكا اللاتينية. وعلى ما يبدو، فإن تجمّع خصوم محور واشنطن – تل أبيب في أمريكا اللاتينية قد كسب نقطة جديدة إضافية، وقد بدا ذلك واضحاً ليس من خلال رفض ما حدث في هندوراس، وإنما أيضاًَ من خلال استقبال البرازيليين والفنزويليين للرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، وأيضاً من خلال فعاليات استقبال البرازيليين للرئيس الإيراني الأخيرة أحمدي نجاد، والتوقيع على المزيد من الاتفاقيات الثنائية معه.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد