جرايد عتيقة
كانت السيدة رولا تشكو لصديقتها المثقفة سوء الجرايد الموجودة في هذا الزمان، فقالت الصديقة المثقفة باندفاع:
- طبعاً، ففي أيام زمان كان يوجد في البلاد صحافة حقيقية، وكان عندنا صحفيون عليهم القيمة، صحفيون يحملون شهادات عليا في اختصاصهم، أضيفي إلى ذلك أنهم يمتلكون مواهب صحافية نادرة، ومبادرات فردية خلاقة، وكان همهم الأساسي هو الدفاع عن المظلومين، وأن يكونوا صوتاً للذين لا صوت لهم من الفئات الاجتماعية المهمشة، وأن يقارعوا الظلم والتعسف والفساد.
توقفت الصديقة المثقفة لالتقاط نفسها، فأرادت رولا أن توضح لها شيئاً ما، ولكن الصديقة تابعت تقول:
- وكانت للصحفيين في تلك الأيام أسماء يعرفها القاصي والداني، بمعنى أنهم لا يقلون شهرة عن الأدباء الكبار المعروفين من خلال مؤلفاتهم الأدبية في الشعر والقصة والرواية. أنا لن أضرب لك مثالاً من مصر فأسمي لك محمد حسنين هيكل وصلاح عيسى وعادل حمودة ومحمود السعدني والعشرات غيرهم، بل سأبقى معك في إطار بلدنا الغالية سورية، فمن منا لا يذكر عبد الغني العطري ونشأت التغلبي ومواهب الكيالي وحبيب وسمير كحالة؟ وفي العصر الحديث جان ألكسان وجبران كورية وابراهيم ياخور ووليد معماري وعبد الفتاح العوض وأسعد عبود وهاني الخير وعدنان عبد الرزاق وخالد سميسم وشعبان عبود وأسماء أخرى كثيرة؟
اليوم يا رولا الصحفيون أكثرهم موظفون كسالى ينتظرون آخر الشهر بفارغ الصبر لكي يقبضوا الراتب والاستكتاب، ويتشاءمون من دخول الشهر الجديد لأنه يتطلب منهم تقديم (حجم عمل) يتألف من أربع مواد يتذوقون الويل بالكيل حتى ينجزونها.
ومعظمهم- ولا أقول كلهم- لا يقدمون عملاً صحفياً إذا لم يحقق لهم ذلك العمل منفعة خاصة. و..
لم تستطع الصديقة المثقفة إكمال فكرتها، إذ أن رولا اندفعت نحوها وسدت فمها بيدها وقالت لها:
- اسكتي بقى، يخرب ديارك! أأنت بالعة راديو؟ أم ماسكة جريدة وبودك تقريها لي من أولها إلى آخرها؟ يا جدبة، أنا، وقت حكيت عن الصحافة لم أكن أقصد ما هو مكتوب في داخلها. أساساً أنا بحياتي ما قريت جريدة. قصدي أن جرايد اليوم سيئة أثناء تعزيل البيت! تمسحين بها البلور فيتسخ بدلاً من أن يصبح نظيفاً. على عكس جرايد الزمن الماضي، بمسحة وحدة من الجريدة يصبح البلور لامعاً مثل المراية!
خطيب بدلة
إضافة تعليق جديد