سيناريو الصراع على الصومال

15-04-2010

سيناريو الصراع على الصومال

الجمل: تصاعدت في الآونة الأخيرة وتائر الصراع المسلح الصومالي بقدر أكبر وعلى وجه الخصوص في العاصمة الصومالية مقديشو, وبرغم ذلك كل ما برزت توقعات تفيد لجهة أن الحسم قد أصبح وشيكا لصالح أحد أطراف الصراع تبرز المزيد من المفاجآت والعوامل الحاكمة التي تقلب مسارات سيناريو الحسم. ما هو الموقف الميداني السائد حاليا وما هو شكل السيناريوهات المتوقعة في الصراع الصومالي؟
معطيات الوضع الميداني: ماذا تقول المعلومات الجارية؟
أصبحت مساحة الصومال البالغة 637661 كم مربع بعدد سكانها البالغ عشر ملايين نسمة مقسمة بين ثلاثة كيانات, الأول كيان شمالي أصبح يحمل اسم جمهورية أرض الصومال, والثاني كيان شمالي شرقي أصبح يحمل اسم جمهورية بونت لاند, أما وسط وجنوب الصومال فقد أصبح مثل الرمال المتحركة التي لا تستقر على حال. فالأجزاء الوسطى تمثل مناطق سيطرة الحكومة الفدرالية الصومالية, والتي تجد الدعم والمساندة بواسطة حركة أهل السنة والجماعة إضافة إلى الحزب الإسلامي, أما الجزء الجنوبي من وسط البلاد إضافة إلى بقية أجزاء جنوب الصومال وحتى إلى الحدود الكينية فهي واقعة بالكامل تحت سيطرة حركة شباب المجاهدين, وإزاء هذا الوضع الانقسامي الميداني, فقد أصبحت الصومال منقسمة إلى ثلاثة أجزاء اثنان منها مستقرتان وهما جمهورية أرض الصومال وجمهورية بونت لاند, أما الجزء الأوسط والجنوبي فمازال بعيدا عن الاستقرار و لفترة طويلة.

التوازنات الميدانية في العاصمة مقديشو
تمثل مقديشو العاصمة السياسية والميناء الرئيسي للصومال ويتراوح عدد سكان مقديشو من 3 مليون شخص "خلال فترات الاستقرار والهدوء" إلى 1,5 مليون شخص "خلال فترات تصاعد المواجهات والاشتباكات المسلحة".
تتقاسم السيطرة على مقديشو الحكومة الفدرالية الصومالية (وسط مقديشو وبعض أجزاء جنوب مقديشو) وذلك بدعم قوات الاتحاد الأفريقي وقوات أهل السنة والجماعة, أما بقية شمال العاصمة والجزء الشمالي من وسط مقديشو فهو يخضع لسيطرة حركة شباب المجاهدين التي تجد الدعم بواسطة الحزب الإسلامي وبعض الجماعات الأخرى.
يعتبر وجود قوات الاتحاد الأفريقي وقيامها بدور الحامي للحكومة الفدرالية المؤقتة هو السبب الرئيسي لاضطراب الأوضاع في العاصمة مقديشو أو بالأحرى لعدم نجاح الحسم النهائي, وعلى هذه الخلفية فقد أصبحت مقديشو ساحة لمعركة كبيرة تتصاعد مواجهاتها بوتائر متقطعة, ويمكن القول بأن حركة القتال والمواجهات على خطوط الجبهات تتضمن قوات الشباب والحزب الإسلامي كطرف مهاجم يمسك بزمام المبادرة والسيطرة إزاء مواصلة بذل الجهود من أجل الإطاحة بالحكومة الفدرالية المؤقتة ولكن بنفس الوقت يتفادى الدخول في مواجهة شاملة مع قوات الاتحاد الأفريقي, وقوات الحكومة الفدرالية وقوات أهل السنة والجماعة كقوات مدافعة تتحصن في مناطق تمركزها بما يتيح حماية القصر الرئاسي ومرفأ الميناء الرئيسي والمطار إضافة إلى الطرق الرئيسية التي تربط المطار والميناء بالقصر الرئاسي وسط مقديشو, وبرغم ذلك فقد حدثت في الفترة الأخيرة العديد من الاشتباكات بين المهاجمين "حركة الشباب والحزب الإسلامي" و قوات الاتحاد الأفريقي, بما خلق انطباعا واسعا بأن قوات الاتحاد الأفريقي قد أًصبحت طرفا معلنا في الصراع الصومالي.
على أساس اعتبارات المواجهات المسلحة الحالية فقد بدأت بشكلها الرئيسي في مطلع العام الماضي, وأصبحت بعد ذلك تأخذ شكلا يتراوح بين الصراع الساكن-البارد والصراع المتحرك-الساخن, وتفرعت عن معركة مقديشو العديد من المعارك الفرعية الأخرى مثل معركة جنوب مقديشو, والتي أشعلتها تحركات قوات حركة الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي, من أجل الالتفاف على الجزء الجنوبي من المدينة والتغلغل في بعض أجزائه بما يتيح لهم التضييق أكثر فأكثر على قوات الحكومة الفدرالية وحلفاءها، وحتى الآن تدور الاشتباكات بشكل متقطع في هذه المعركة الفرعية وإضافة لذلك فهناك معارك متقطعة أخرى تدور في الأطراف بسبب قيام قوات الحكومة الفدخارطة الوضع السياسي في الصومالرالية والقوات الحليفة لها باستهداف بعض المناطق التي تسيطر عليها قوات حركة شباب المجاهدين والحزب الإسلامي بما يتيح تخفيف ضغط الهجوم على جنوب مقديشو, وحتى الآن لم تتضح بعد مؤشرات يقينية إزاء مدى احتمالات اقتراب لحظة الحسم في هذه المعركة ولكن ما هو واضح في معركة مقديشو الحالية أنها سوف تستمر لفترة أطول في شكل مواجهات تكتيكية يهدف كل طرف منها لجهة السيطرة على مراكز الخدمات الرئيسية مثل الأسواق والمستشفيات والطرق الرئيسية وعقد المواصلات الحاكمة.

حركة شباب المجاهدين: هل هي الخيار الصومالي القادم؟
توجد حاليا في الصومال شبكة واسعة بالغة التعقيد من الفصائل والميليشيات وبحسب التوزيع الفصائلي يمكن الإشارة إلى الأطراف الآتية باعتبارها الفاعلة في الساحة الصومالية وهي حركة شباب المجاهدين والحزب الإسلامي وفيالق راسكامبون والجبهة الإسلامية ومعسكر أنولي, إضافة إلى حركة أهل السنة والجماعة وبعض الجماعات الصغيرة المتفرعة من حركة اتحاد المحاكم الشرعية الصومالية, وحاليا تعتبر حركة شباب المجاهدين بمثابة الفصيل الرئيسي الصومالي المسلح وتقول المعلومات بأن هذه الحركة قد ظهرت لأول مرة بشكل فاعل في مسرح الحرب الصومالية في تاريخ 19 كانون الثاني "يناير" 2007م, ومازالت مستمرة بشكل متزايد وأضافت المعلومات بأن جذور تكوين هذه الحركة ترجع إلى لحظة دخول القوات الإثيوبية للعاصمة مقديشو وانسحاب قوات اتحاد المحاكم الشرعية التي كان يتزعمها الرئيس الحالي الشيخ شريف أحمد. وتشير المعلومات إلى أن قوات اتحاد المحاكم عندما انسحبت من العاصمة الصومالية إلى مناطق جنوب الصومال حدث خلاف بين زعيمها الشيخ أحمد شريف وقادته الميدانيين, فقد كان الشيخ شريف يشدد على ضرورة انسحاب هيئة القيادة إلى خارج الصومال, في مواجهة القادة الميدانيين الذين كانوا ينادون بضرورة أن تستمر القيادة موجودة في الميدان مهما كان الثمن, وبعد خروج الشيخ شريف وذهابه إلى كينيا ومن ثم إلى اليمن ثم إلى إرتريا ودخوله في مباحثات ومفاوضات مع الأميركيين والسعوديين قام قادته الميدانيين بتأسيس حركة الشباب الصومالي الموجودة بشكلها الحالي. تعاقب على قيادة حركة الشباب الصومالي ثلاثة هم القائد الراحل عدن آيرو والقائد أبو منصور "غير معروف ما حل به حاليا" والقائد مختار علي الزبير الذي يباشر حاليا مسؤولية التوجيه والإشراف الميداني والسياسي.
أشارت التقديرات إلى أن عدد عناصر حركة الشباب الصومالية في كانون الثاني "يناير" 2006م كان في حدود 7 آلاف مقاتل وخلال الفترة الممتدة من ذلك الوقت وحتى الآن فقد أصبحت الحركة أكثر قوة وأكبر حجما بسبب انضمام العديد من الميليشيات الصغيرة إليها, وتشير التسريبات إلى أن حركة الشباب الصومالي تتمتع حاليا ليس بالقوة العسكرية وحسب وإنما بالقوة التنظيمية أيضا. ويتولى القيادة فيها 6 من القادة الميدانيين هم شيخ حسين علي فيدو وشيخ علي محمد دير وشيخ علي محمد حسين المسؤول عن منطقة العاصمة مقديشو وشيخ عبد الرحمن حسن حسين المسؤول عن منطقة شبيلي وشيخ حسن يعقوب المسؤول في منطقة جوبا وشيخ حسن عبدالله حرسي المسؤول عن منطقة الجنوب الصومالي, وإضافة لذلك يوجد الكثير من المتطوعين العرب والأفارقة في صفوف حركة الشباب الصومالي الأمر الذي أدى إلى جعل أجهزة المخابرات الأميركية والغربية تصف حركة شباب المجاهدين الصومالية بأنها تمثل تنظيم القاعدة في القرن الأفريقي.
من المتوقع أن يستمر الصراع الصومالي ضمن محورين الأول يتضمن مشهد الصراع الكبير في الصومال ككل والثاني يتمثل في الصراع المصغر الذي يدور حاليا في العاصمة مقديشو, ومن الواضح أن صراع مقديشو هو بؤرة الصراع على السلطة, وعلى الأغلب أن صراع البؤرة هذا سيستمر طوال ما ظلت قوات الاتحاد الأفريقي موجودة تدافع عن حكومة الشيخ شريف في مواجهة قوات حركة شباب المجاهدين وحلفاءها والتي ماتزال بدورها مترددة في شن الهجوم النهائي الحاسم, وبالتالي فلن تنتهي هذه المعركة إلا إذا حدث أحد أمرين, الأول أن تنسحب قوات الاتحاد الأفريقي من العاصمة مقديشو أو على الأقل تعلن حيادها في الصراع, والثاني هو أن تقرر قيادة حركة شباب المجاهدين موقفا حاسما على طريقة "إذا عزمت فتوكل" بحيث تقوم بشن الهجوم النهائي ضد قوات الحكومة وقوات الاتحاد الأفريقي, على أمل أن يقبل الاتحاد الأفريقي بالأمر الواقع, خاصة وأن دول الاتحاد الأفريقي ليست لها القدرة على تمويل أي مشروع حربي مستقبلي واسع في الصومال.

 

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...