البرلمان العراقي الجديد والأسئلة الحرجة التي يواجهها

15-06-2010

البرلمان العراقي الجديد والأسئلة الحرجة التي يواجهها

الجمل: شهدت العاصمة العراقية بغداد مؤخرا, وبعد طول انتظار انعقاد جلسة البرلمان العراقي الجديد الافتتاحية, هذا, وتجدر الإشارة إلى أنه برغم انعقاد هذه الجلسة, فإن الكتل البرلمانية العراقية, ما تزال تواجه المزيد من المشاكل والمنزلقات الخطيرة: فما هي أجندة البرلمان العراقي الجديد, وما هي الأسئلة الحرجة التي سوف تواجه فعاليات السلطة التشريعية العراقية خلال المرحلة القادمة؟

البرلمان العراقي الجديد: إشكاليات البيئة السياسية وتداعياتها
انعقدت الجلسة البرلمانية الافتتاحية بعد مناورات ومداولات وصفقات سياسية استمرت حوالي ثلاثة أشهر تقريبا بعد إعلان نتائج الانتخابات, وبرغم نجاح انعقاد الجلسة الافتتاحية, فإن ترتيبات تشكيل السلطة التنفيذية لـ"مجلس الوزراء العراقي الجديد" الجديدة, سوف تظل في مواجهة المزيد من الخلافات وحالات عدم الانسجام, إما بسبب تنافر الإدراكات أو بسبب تعاكس المصالح, أو بسبب الإثنين معا, الأمر الذي سوف لن يؤدي –بلا شك- سوى إلى المزيد من تدخل الأطراف الثالثة الخارجية, وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأميركية المتورطة أصلا في الساحة العراقية.
يبلغ عدد نواب البرلمان العراقي الجديد 325 عضوا, يتوزعون بين أربعة كتل رئيسية فاعلة مؤثرة, هالعراقي:
• ائتلاف القائمة الوطنية العراقية (إياد علاوي): 91 نائبا, ويغلب عليه الطابع العلماني والسني المنفتح ونفوذه في مناطق وسط العراق.
• ائتلاف دولة القانون (نوري المالكي) 89 نائبا, ويغلب عليه الطابع الشيعي-الليبرالي ونفوذه في مناطق الجزء الشمالي من جنوب العراق.
• ائتلاف التحالف الوطني العراقي (عمار الحكيم) 70 نائبا, ويغلب عليه الطابع الشيعي-الديني ونفوذه في مناطق الجزء الأوسط والجنوبي من جنوب العراق.
• ائتلاف التحالف الكردستاني (البرزاني-الطالباني) 43 نائبا, ويغلب عليه الطابع العرقي الكردي الصرف, ونفوذه في مناطق شمال العراق, تحديدا إقليم كردستان العراقي.
من المؤكد, في حالة انعقاد الجلسة الافتاحية في الأوضاع العادية, أن يكون الزعيم إياد علاوي هو المكلف لجهة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة, باعتباره صاحب الكتلة الأكبر, ولكن ولأسباب تكتيكية-استراتيجية, فقد سعت القوى الشيعية إلى الاندماج ضمن كتلة واحدة موحدة, بما يتيح تغيير معادلة توازن القوى إلى صالحها في البرلمان العراقي الجديد, وهو ما حدث بالفعل, فقد اندمج ائتلاف تحالف دولة القانون مع ائتلاف التحالف الوطني ليشكلا كتلة جديدة قوامها 159 نائبا, الأمر الذي أتاح لهذه الكتلة الجديدة, السيطرة على البرلمان, إضافة إلى السيطرة على مجلس الوزراء العراقي الجديد, وفقط سوف يتوقف الأمر على مدى كفاءة قيادة الكتلة الجديدة في إدارة مفاعيل الصراع السياسي بشكل هادئ ومنسجم خلال الأسابيع المقبلة.

جدول أعمال البرلمان العراقي الجديد: ماذا يحمل
تشير التقارير والمعلومات والتسريبات, إلى أن بنود جدول أعمال البرلمان العراقي الجديد سوف تكون أكثر اكتظاظا بالقضايا والملفات الصعبة, وعلى وجه الخصوص تلك التي دارت حولها الخلافات البرلمانية السابقة, ومن أبرز بنود جدول الأعمال الجديد, نشير إلى الآتي:
• ملف النفط العراقي: سوف يواجه البرلمان الجديد المزيد من الخلافات حول مدى شرعية وقانونية العقودات النفطية التي وقعتها الحكومة العراقية السابقة وحكومة إقليم كردستان مع الشركات النفطية الأجنبية خلال الفترة الأخيرة التي سبقت جولة الانتخابات العامة الأخيرة, وعلى الأغلب أن يتعرض العديد من نواب البرلمان على إجازة هذه العقودات بشكلها الحالي, وإضافة لذلك فمن المتوقع أن يتجدد الصراع بين القوى البرلمانية على موضوع توزيع عائدات النفط العراقي بين أقاليم شمال ووسط وجنوب العراق والحكومة المركزية.
• ملف الاقتصاد العراقي: يحتاج الاقتصاد العراقي إلى المزيد من عمليات الإصلاح التشريعي والتحديث المؤسسي, وذلك لأن التحول من نموذج الاقتصاد المركزي إلى نموذج اقتصاد السوق, هو تحول يتطلب المزيد من إنفاذ الفعاليات والآليات النقدية والمالية الجديدة, وحتى الآن, ما تزال البيئة الاقتصادية العراقية تفتقر إلى التقاليد المؤسسية والوظيفية المتعلقة باقتصاد السوق الحر, وبكلمات أخرى, فإن البرلمان الجديد مواجه بضرورة وضع واعتماد تشريعات وقوانين تنفيذ عمليات الخصخصة, إضافة إلى التخلص من القطاع العام, وتقليل الحمائية التجارية والحد من تدخل الدولة في الأسواق, وذلك وصولا إلى إقامة البورصات والأسواق المالية.
• ملف الإصلاحات الدستورية: تحدثت الأطراف السياسية العراقية كثيرا عن ضرورة تعديل الدستور العراقي الحالي, بما يتيح إعادة صياغة العلاقة بين الدين والدولة, واعتماد المزيد من التشريعات الجديدة لاتي تحقق التوازن المطلوب بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم العراقية, إضافة إلى إضفاء الطابع المدني القانوني لبقية الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
• ملف إقليم كردستان: يرتبط ملف إقليم كردستان بالصراع العربي-الكردي, وإذا كان هذا الصراع قد تم حله في الجانب السياسي المتعلق بإعطاء المزيد من الصلاحيات الاستقلالية الفيدرالية لإقليم شمال العراق, فإن الجانب المتعلق بالثروة, يسوف يظل يمثل واحدا من أعقد وأصعب الخلافات التي تواجه العلاقات العربية-الكردية داخل العراق, وبتحديد أوضح, لاتوجد أي بارقة أمل لحدوث توافق عراقي حول مصير منطقة كركوك, وخلافات مصير نفط ومعادن شمال العراق.
• ملف المصالحة الوطنية: أشارت تقارير المنظمات غير الحكومية الدولية إلى الفساد المتزايد في العراق, والذي لم يعد يأخذ شكل الفساد الوظيفي الذي ينحصر في مجرد تلقي المسئولين للعمولات والرشاوى, وإنما أخذ شكل الفساد المؤسسي, وذلك بسبب استحواذ العناصر الفاسدة على مؤسسات الدولة العراقية, بما أدى إلى إتاحة الفرصة أمام هذه العناصر لاستخدام وتوظيف القرار السياسي في خدمة المصالح الشخصية, وفي هذا الخصوص تشير التوقعات إلى أن البرلمان العراقي الجديد, سوف لن يستطيع أن يحقق النجاح المطلوب في إصدار التشريعات والقوانين التي تحارب الفساد, إضافة إلى ضعف قدرة هذا البرلمان في الاضطلاع بمهام الرقابة ومحاسبة الأجهزة التنفيذية بالشكل الفاعل الذي يقضي على الفساد, وذلك بسبب وجود العديد من العناصر الفاسدة في صفوف هذا البرلمان, إضافة إلى عدم وجود التشريعات اللازمة لتفويض البرلمان بالشكل الكافي لفرض الرقابة والمساءلة عن السلطة التنفيذية, وإضافة لذلك, تشير التوقعات إلى عدم نجاح هذا البرلمان في إصدار المزيد من التشريعات والقوانين الجديدة, التي تسد الثغرات وتغلق الأبواب أمام الطامحين في نهب الموارد الاقتصادية العراقية.
هذا وبرغم أهمية جدول أعمال البرلمان العراقي الجديدة, فإن ما هو أكثر أهمية يتمثل في مدة كفاءة وقدرة البرلمان الحالي في معالجة القضايا المتعلقة بمستقبل العراق, وكذلك على خلفية الآتي:
• معالجة ملف انسحاب قوات الاحتلال الأميركية في العراق.
• معالجة ملف الاتفاقية الأمنية العراقية-الأميركية.
• معالجة ملف العلاقات مع دول الجوار العراقي.
تشير التحليلات والتقارير إلى أن هذه الملفات هي الأكثر أهمية لجهة تحديد المصير الوطني العراقي, وبالتالي, فإنها غير قابلة للمناورات وتحركات المكايدة وتصفية الحسابات بين الكتل السياسية العراقية, وعلى سبيل المثال لا الحصر: على القوى السياسية السنية العراقية أن تفهم بأن تصفية حساباتها مع القوى السياسية الشيعية العراقية لا يمكن أن تتم من خلال المطالبة ببقاء القوات الأميركية ونفس الشيء بالنسبة للقوى السياسية الشيعية والتي يتوجب عليهاأن تفهم بأن تمتعها بمساندة الأغلبية السكانية الشيعية في العراق ليس معناه أن تفرض الدكتاتورية والتسلط والهيمنة على الأقليات السنية العراقية والأخرى من مسيحيين وصابئة وخلافه, أما بالنسبة للقوى السياسية الكردية العراقية فعليها أن تفهم بأن النزعات القومية الاجتماعية العرقية لا يمكن أن تكون بديلا صالحا عن الوطنية العراقية إضافة إلى أنها لا يمكن أن تكون صالحة وكافية بالقدر الذي يؤهل لقيام دولة عرقية عنصرية جديدة في المنطقة.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...