تركيا تعرض على «الأطلسي» معادلة: أفغانستان مقابل جبال قنديل
عندما اعتدت إسرائيل على «أسطول الحرية» فجر 31 أيار الماضي، كانت صواريخ حزب العمال الكردستاني تهطل على القاعدة البحرية العسكرية التركية في الاسكندرون قبل ذلك بساعات قليلة جدا وتقتل سبعة من الجنود الأتراك.
وبعد الاعتداء على الأسطول بأيام قليلة كان أكثر من 300 مقاتل من «الكردستاني» يجتاحون موقعا عسكريا في منطقة شمدينلي الحدودية مع العراق، ويقتلون 12 جنديا تركيا ومن ثم انتقلت العمليات الكردية إلى المدن وغيرها.
خلال كل هذه الفترة لم يتردد مسؤولو الحكومة في القول إن هناك تزامنا لهذه الاعتداءات مع عدوان إسرائيل على «أسطول الحرية» والضغوط الغربية على تركيا.
يوم الأحد في 27 حزيران الماضي التقى رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان مع الرئيس الأميركي باراك اوباما. وإذا كانت العلاقات التركية الإسرائيلية قد انتهت في اللقاء إلى قرار بلقاء سري بين وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو ومبعوث رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وزير الصناعة والتجارة بنيامين بن اليعزر، فإن قضايا أساسية أخرى كانت في صلب محادثات اردوغان واوباما، وفي مقدمها كيفية مكافحة نشاطات حزب العمال الكردستاني المتصاعدة.
اتفق الزعيمان على تفعيل آلية عمل اللجنة الثلاثية بين تركيا والعراق والولايات المتحدة، وعقد اجتماع لذلك في سيلوبي في تركيا، ومهمتها رصد تحركات مقاتلي «الكردستاني». وكان السفير الأميركي لدى أنقرة تحدث عن استعداد واشنطن للمساعدة في هذا الموضوع.
المعلومات التي رشحت تفيد أن تركيا تشكو من تأخر المعلومات الاستخباراتية التي تصل أنقرة من مركز عمل اللجنة الثلاثية في اربيل. ويرى الأتراك أن العملية الجوية الأخيرة لسلاح الجو التركي ضد مواقع كردستانية شمال العراق كانت ثمرة لرفع مستوى التنسيق، ولا سيما سرعة الإبلاغ عن الوقائع الملتقطة من قبل طائرات الاستطلاع الأميركية والتركية ذات الصنع الإسرائيلي.
إلى جانب عمل اللجنة الثلاثية، فإن أنقرة تريد من اوباما العمل على اعتقال قادة «الكردستاني» في شمال العراق وإعادتهم إلى تركيا، أو على الأقل إبعادهم عن المنطقة لتعطيل حركتهم. لكن أكراد العراق كما الإدارة الأميركية يرون في هذه المرحلة أن الأولوية هي لاتخاذ خطوات داخل تركيا على صعيد المسألة الكردية.
والنقطة الثالثة التي يريدها الأتراك هي قطع الإمدادات العسكرية والمعيشية عن جبال قنديل، وكلها تمر عبر المناطق التي تسيطر عليها «حكومة» إقليم كردستان، لكن حسابات «رئيس» الإقليم مسعود البرزاني تجعل من الصعوبة الاستجابة لمثل هذا الطلب، بل إن البرزاني قال مستهزئا «إن تركيا العظيمة ذات المليون جندي لم تستطع مواجهة حزب العمال الكردستاني، فكيف لنا أن نقوم بذلك؟».
وهنا يرد نائب رئيس الحكومة التركية جميل تشيتشيك بالقول إن كلمات البرزاني «هي هروب من الجواب، فهناك الكثير الذي يمكن له أن يفعله وقد قلنا له هذا عندما جاء إلى أنقرة».
أيضا ترفض واشنطن واربيل إخلاء معسكر مخمور المدني شمال العراق الذي لجأ إليه مدنيون أكراد من تركيا، نظرا لعدم وجود ضمانات بعدم تعرض هؤلاء للأذى في حال عودتهم، فيما ترى تركيا انه معسكر «للإرهاب» الكردي.
غير أن الإشارة الجديدة في مسألة «الكردستاني» هي تصريح اردوغان الذي دعا فيه حلف شمال الأطلسي إلى مساعدة تركيا ضد حزب العمال الكردستاني كما تساعده هي في أفغانستان. وقال «إذا كنا نحارب في أفغانستان ضد إرهاب حركة طالبان فهم يجب أن يدعمونا ويحاربوا معنا في قنديل».
هذا التصريح فتح الباب واسعا أمام اجتهادات مثيرة حول إمكانية الاستعانة بقوات حلف شمال الأطلسي على الأقل، إن لم يكن مباشرة، لكن من خلال تقديم معلومات استخباراتية وقطع مصادر التمويل والدعم عن «الكردستاني» في أوروبا وغيرها.
وسارع تشيتشيك فورا إلى القول انه ليس المقصود بهذا التصريح الاستعانة بقوات «الأطلسي» بل قطع الدعم عن «الكردستاني». لكن مصادر غربية في تركيا ترى أن «الأطلسي» ليس في وارد التورط في جبهة جديدة وخسارة المزيد من أرواح جنوده في وقت تستعد القوات الأميركية للانسحاب من العراق. وترى مصادر أخرى أن طلب اردوغان المساعدة من الحلف يفضي إلى تدويل المشكلة الكردية، وهذا يعنى انسداد الأفق الداخلي للحل، وسقوط ما سمّي بالانفتاح على الأكراد، وهذا لا يليق ولا يعكس الهيبة التركية كلاعب إقليمي مؤثر.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد