حنا مينه: السياسة.. واللعب على الحبال
ولما صار ود الناس خبا
جزيت على ابتسام بابتسامِ
وصرت أشكّ في من اصطفيه
لعلمي أنه بعض الأنامِ
قال لي صديق أثق بفراسته:
- أنت سياسي من الطراز الأول!
- قلت: أنا كاتب حكايات، وبعض الخربشات في النقد، حتى لانترك الناقد الفذ، الذي يقعقع بغير سلاح، أن ينفرد بنا، فيلوي عنق الحقيقة على هواه!
ولما أصر الصديق على أنني كاتب سياسي بامتياز، أجبته:
- نعم! أنا كاتب سياسي بامتياز، وقد تعلمت أبجدية السياسة من السجون والمنافي، ثم تدرجت فيها، دفاعاً عن وطني سورية، وعن شعبي العربي السوري، ذي التقاليد الكفاحية المجيدة، والكفاح، كما هو معروف جيداً، نقطة التقاء السهام من الغير، دون أن تتكسر «النصال على النصال» كما قال المتنبي العظيم، غير أن السياسة شيء، واللعب على حبال السياسة شيء آخر، وهناك دائماً وقت للكلام، ووقت للصمت، ونحن نجيد البلاغة، كما نجيد الإصغاء إلى «بلاغة» الغير، وفن الإصغاء، عندما يرتكز على قاعدة فهم الاقتصاد، غير فن الإصغاء عندما لايرتكز على هذه القاعدة!
تابعت:
- وأنت على دراية كافية، ياصديقي، أن «المؤمن ممتحن» وأن «الرب يجرب خائفيه» لذلك لانخشى التجارب، ولاتلوي شكيمة سهام الغير، المصوبة إلينا، فنحن نعمل، والخطأ يكون مع العمل لا مع العطالة إذاً أين هو الإبهام في قولنا، لاشقائنا في العراق، أو في غير العراق: أننا معهم، وأننا نحرص عليهم!؟ وأين هي الفصاحة، أو الصراحة، في قول ما، إذا لم يكن في قولنا هذا، النابض بالحقيقة، وفي اثباتها بالفعل لا بالقول وحده!؟
معاذ الله أن نشك في فهم الآخرين، من إخوتنا في العراق أو غيره لما نقوله لهم، ونكرره صادقين كل يوم، فالحدود السورية- العراقية طويلة إلى حد الخروج عن القياس، والذين، افتراضاً، يتسربون إلى العراق لمقاومة الاحتلال فيه، ليس من المنطق في شيء، أن يكون تسربهم من حدودنا وحدها، متناسين دول الجوار الأخرى، والتسرب منها أسهل، وأوفر حظاً في النجاح.
ثم إن بدعة محاربة الإرهاب، ماكانت لتكون، لو أن الأميركيين والانكليز، وجدوا في العراق أسلحة الدمار الشامل التي يبحثون عنها، ومع أننا نتعامل مع مكافحة الإرهاب ليس كبدعة، بل كحقيقة، في أي مكان من العالم، ونقرن القول بالفعل دائماً، فإن سهام الاتهامات المسموعة لاتزال توجه إلينا، لا من المحتلين وحدهم، بل من بعض الأشقاء العراقيين أنفسهم، وهذا مايدعو إلى الغرابة، إذا لم نقل الأسف، لهذا الموقف العدائي غير المبرر، وغير المفهوم، أو المقبول، إلا أن يكون المحتلون هم الذين يوحون به، ويدفعون إليه، ويتشددون في أمره، لإثبات ماهو باطل، وهذا الباطل لايعول عليه، فالقاعدة الفقهية تقول: «مابني على باطل فهو باطل!»
إن موداتنا للأخوة العراقيين بخاصة، والعرب كلهم بعامة، ليست خباً، أوروغاً، إلا أن الطغمة الأميركية الانكليزية، الغازية للعراق، وقبله، أو بعده، لأفغانستان، تتخذ من محاربة الإرهاب ذريعة، تتحول، يوماً بعد يوم، إلى تجارة رابحة، وما مشروع الشرق الأوسط الكبير إلا محاولة لاحتواء البلاد العربية كلها، ورغماً عنها وإسقاطها في جعبة الهيمنة، حيث نيران جهنم تتضرى، في قاع هذه الجعبة الملعونة!
إننا، في سورية لانعادي، لكننا لانعادى أيضاً، ونقدر، بشكل تام، مشكلات الأشقاء من حولنا، في هذا البلد العربي أو ذاك، ولسنا في وارد الخوف، من أي تحقيق، مع أي من السوريين، سواء من قبل لجنة ميليس أو غيرها، لأننا في مجرى العدالة، على إتساق مع العدل، إذا لم يكن في هذا المجرى شائب يشوبه، والذين هم مع الحقيقة وحدها، ومع الحرص على تمتين العلاقات الأخوية معنا، فإننا نمد أيدينا إليهم، ونشد عليها، آملين، من الجميع، صرف النظر عن اعتبارنا «البقرة البيضاء» التي تؤكل لغفلتها، فالإغفال، في السياسة، له وقت، وله حدود، وله قواعد وسلوك، وهذه من البدهيات المعروفة، لذلك نؤكد أننا لانستغفل أحداً، وفي المقابل لانريد أن يستغفلنا أحد!
وكما قال بدوي الجبل:
ويل الشعوب التي لم تسق من دمها
ثاراتها الحمر أحقاداً وأضفانا
تفضي على الذل غفراناً لطالما،
تأنق الذل حتى صار غفرانا!
والذل، لمن يرغب في المعرفة، لم يكن، في تاريخنا الحديث كله، من شيمنا، أو من المسكوت عنه، في نضالاتنا وثوراتنا، والعتاب، عندنا، لايكون بالدمع، بل بالقناة وحدها.
حنا منيه
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد