ضربات «الأطلسي» مستمرة والحياة العامة في ليبيا معطلة
سعى حلف شمال الأطلسي، أمس، لطمأنة المعارضين الليبيين بأن غاراته الجوية على مواقع القوات الموالية للرئيس معمر القذافي مستمرة، من دون تراجع، مشيراً إلى أنه سيسمح للسفن بإيصال الإمدادات للمدن الواقعة تحت سيطرتهم، وذلك بعدما أخذ الثوار، الذين حققوا تقدماً بسيطاً على الجبهة الشرقية قرب البريقة، على الحلف تقاعسه عن حماية المدنيين، خصوصاً في مدينة مصراتة، في وقت رفضت الإدارة الأميركية دعوة وجهها القذافي، في رسالة بعث بها إلى الرئيس باراك أوباما، لوقف العمليات العسكرية الغربية ضد ليبيا، مشددة على أنها تريد أن ترى «أقوالاً لا أفعالاً»، فيما وصف دبلوماسي أميركي الرسالة بأنها «مناورة لكسب الوقت».
ونجح الثوار الليبيون في التقدم مجدداً نحو مدينة البريقة، ليستعيدوا السيطرة على مناطق صحراوية خسروها في انسحاب غير منظم أمام قوات القذافي الأقوى تسليحاً أمس الأول. وقال الثوار إن المنطقة الممتدة بين أجدابيا والبريقة شهدت تبادلاً للقصف الصاروخي، مؤكدين تحقيق تقدم يسمح لهم باستعادة السيطرة على هذه المدينة النفطية الاستراتيجية، لكنهم شكوا تباطؤ الطائرات التابعة لحلف شمال الأطلسي في مؤازرتهم، مشيرين إلى أن الحلف لا ينفذ أي غارات على قوات القذافي.
لكن طائرات بريطانية شنت يوم أمس غارات جوية على مواقع لقوات القذافي قرب مدينة مصراتة، المعقل الأخير للثوار في الغرب. وقال مسؤولون في الحلف إن الغارات أسفرت عن تدمير ست دبابات وشاحنات عسكرية، مشيرين إلى أنه ليس من حق المعارضة الليبية اتهام الحلف بالتباطؤ، ومشددين على أن الناتو سيقوم بكل شيء لحماية المدنيين في مصراتة.
وأعلنت بريطانيا أنها ستخصص أربع طائرات مقاتلة من طراز «تايفون»، تستخدم الآن في مراقبة الحظر الجوي المفروض على ليبيا، للمشاركة في عمليات لتعزيز قدرة حلف شمال الأطلسي على شن هجوم بري.
وكان قائد أركان جيش التحرير الوطني الليبي اللواء عبد الفتاح يونس قد انتقد بطء عمليات الأطلسي، وتردد الحلف في إنقاذ المدنيين، وخصوصاً في مصراتة، فيما قال متحدث باسم الثوار في مصراتة «أسأل المجتمع الدولي الذي ما زال مشوشاً ومحجماً عن قصف قواته (القذافي) بشكل مناسب: أليس هو التهديد الأكبر للمدنيين؟ هذا القصف يستهدف ترويع الناس. أطفالنا لا يذهبون للمدارس، والتوتر والانهيارات العصبية تزداد بين الناس».
وفي هذا الإطار، قالت المتحدثة باسم الحلف الأطلسي كارمن روميرو إنه «لم يخفت إيقاع عملياتنا ولم يتغير هدف ولا موقع ضرباتنا»، مشيرة إلى أن فك الحصار على مصراتة ما زال يمثل الأولوية الكبرى، لكنها اعترفت بأن جيش القذافي أثبت أنه هدف مخادع ويملك الكثير من الموارد. وأضافت روميرو أن «الموقف على الأرض يتطور دائما. قوات القذافي تغير تكتيكاتها باستخدام مركبات مدنية وإخفاء الدبابات في مدن مثل مصراتة واستخدام دروع بشرية للاختباء وراءها».
بدوره، قال قائد عمليات الأطلسي في ليبيا الأميرال راسل هاردينغ إن ما من سبب يدعو المعارضة الليبية لعدم الثقة في دعم الحلف لها. وأوضح أن «ليبيا تمتد على مساحة 800 ميل وفي كل ذلك المجال الجوي الذي نهيمن عليه ربما يحدث - وأنا لا أنتقد أحداً - ألا يسمعنا أو يرانا أحد في منطقة أو اثنتين، ويمكنني أن أفهم كيف يمكن أن يؤدي هذا إلى انعدام ثقة... لكن بوسعي أن أؤكد لكم أننا نتابع في كل ساعة في كل يوم ما يجري في ليبيا ونتأكد من أننا نحمي المدنيين».
من جهته، قال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إن عمليات حلف شمال الأطلسي تواجه خطر التناقص بسبب لجوء القوات الموالية للقذافي إلى الانتشار في مناطق قريبة من مدنيين للاحتماء من الضربات الجوية، مشدداً على أن الوضع في المدينة «لا يمكن ان يستمر» لكن «الموقف غير واضح». وأضاف «أود أن تسير الأمور بخطى أسرع، ولكن كما تعلمون جميعا فإن حماية المدنيين تعني عدم القصف بالقرب منهم».
بدوره، قال وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه انه سيكون بمقدور الثوار الليبيين إرسال إمدادات عن طريق البحر الى سكان مصراتة. أوضح لونغيه أن التحالف الدولي «رأى أن سفناً تابعة للثوار يمكن أن تبحر من بنغازي لنقل المواد الغذائية والامدادات الاخرى لمصراتة». وتابع «في وقت سابق كان الحظر يقضي بعدم السماح لأي سفينة بإمداد أي مدينة، لكننا أعدنا فتح الممرات البحرية الى طبرق وبنغازي، وبالتالي ستتمكن سفن تبحر من بنغازي من نقل إمدادات الى مصراتة برغم وجود بحرية القذافي، لأن التحالف سيمنع أي عمل عسكري ستحاول هذه البحرية القيام به».
في هذا الوقت، ذكرت وكالة الأنباء الليبية أن القذافي «بعث برسالة الى أوباما في أعقاب انسحاب أميركا من التحالف الاستعماري العدواني الصليبي ضد ليبيا»، من دون أن تكشف عن مضمونها، لكن مسؤولاً أميركياً ذكر أن القذافي طلب من الرئيس الأميركي وقف حملة حلف شمال الأطلسي العسكرية في ليبيا.
وفي تعليق على الرسالة، طلبت واشنطن من القذافي القيام بأفعال وليس الاكتفاء بالأقوال. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني «يمكننا تأكيد أن هناك رسالة، وهي بالطبع ليست الأولى». ولم يفصح كارني عن مضمون الرسالة لكنه ذكر أن أوباما يقول منذ أسابيع ان وقف إطلاق النار في ليبيا مرهون «بالأفعال لا بالأقوال وبإنهاء العنف... والكلمات ليست مثل الأفعال».
وقال دبلوماسي أميركي إن القذافي يحاول إثارة انقسامات بين أعضاء حلف شمال الأطلسي من خلال محاولة إظهار أن لديه علاقة أقرب مع الولايات المتحدة أكثر من الدول الأوروبية. وأشار إلى أنّ القذافي يريد فتح قنوات للتفاوض بعد وصول عضو الكونغرس السابق كورت وولدن إلى طرابلس لتبليغ القذافي رسالة غير رسمية بأن عليه أن يتنحى، لافتاً إلى أن رسالة الرئيس الليبي تأتي في إطار مناورة دبلوماسية لكسب بعض الوقت.
وكان المتحدث باسم الحكومة الليبية خالد الكعيم قد أكد أن نظام القذافي مستعد للحوار مع الثوار إذا سلموا أسلحتهم. وأوضح «يجب أن يسلموا الأسلحة. بإمكانهم بعد ذلك المشاركة في العملية السياسية»، مضيفاً «ستكون هناك ضمانات لأية عملية سياسية عبر مراقبين من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة قادرين على تبديد أي شك».
من ناحية أخرى، بدأ مبعوث الولايات المتحدة السفير كريس ستيفنز مشاورات في بنغازي مع الثوار الليبيين من دون أن يكشف عن مضمونها.
في هذا الوقت، ذكرت مصادر دبلوماسية تركية أن المبعوث التركي إلى بنغازي عمر شولانديل بدأ عقد سلسلة من اللقاءات مع ممثلي المعارضة الليبية، حاملاً رسائل من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إلى أعضاء المجلس الوطني الانتقالي. وأضافت المصادر أن هذه الرسائل توضح موقف تركيا القائم على التوصل الى وقف لإطلاق النار في ليبيا وتأمين وصول المساعدات الإنسانية للشعب الليبي، وكذلك موقفها من رفض تسليح المعارضة الليبية.
وفي موسكو، أكد الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف أن روسيا لن تورط نفسها في التحرك العسكري في ليبيا، قائلاً «لن نشارك في أي عملية وندعو كل الأطراف إلى التفاوض»، فيما حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حلف شمال الأطلسي من تسليح الثوار الليبيين. ونقلت وكالة «انترفاكس» عن لافروف قوله إن «هذا سيكون خرقاً لقرار الأمم المتحدة» الذي دعا إلى فرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا، مشيراً إلى أن هذا القرار لم يسمح بـ«التدخل في الحرب الأهلية».
من جهة أخرى، غادرت ناقلة نفط ميناء طبرق، الذي يسيطر عليه الثوار في شرقي ليبيا، حاملة أول شحنة من الخام يبيعها المجلس الانتقالي. وأظهرت بيانات «إيه.آي.اس لايف» لتتبع السفن ان الناقلة «ايكويتر»، التي يمكنها حمل شحنة من النفط تصل الى مليون برميل والمسجلة في ليبيريا أبحرت من ميناء طبرق باتجاه سنغافورة.
كذلك، وصلت إلى ميناء طبرق أول سفينة قطرية لنقل النفط، وذلك بعدما وافقت قطر على تسويق النفط من الحقول النفطية الشرقية.
وكان مسؤول الشؤون المالية في المجلس الوطني الانتقالي علي الترهوني قد قال إن قطر ستقدم الوقود والغذاء والدواء ومواد إنسانية أخرى للثوار بموجب اتفاق تسويق النفط، مشيراً إلى أن الدوحة ستضع عائدات النفط في حساب خاص.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد