"الجمل" في الضاحية قبل ساعات من مهرجان النصر
الجمل ـ بيروت ـ حسان عمر القالش : لا تبقي عينيك على ركام الحجارة والنفايات.. انها ليست منطقة مهجورة أو بائدة, فلو وسّعت "الزووم" سترى الحياة تسير في نفس التسارع الذي كانت عليه ماقبل 12 تموز..
انها الضاحية.. فعبر المرور في شوارع تتنهّد ترفا وحداثة في بيروت وتصخب أصواتها كأن شيئا ما كان, تصل اليها, تتهدّج أنفاسك ويضطرب ميزان وعيك! وين كنّا ووين صرنا, قبل قليل كنت تحسب نفسك جزءا من مشاهد فضائيات "ترفيهية" لبنانية معينة,كومبارس في صورة نمطية عن مناطق سياحية. والآن أصبحت نقطة صغيرة في حبر مادة اخبارية أو أحد المارة المجهولين في صورة تلفزيونية لقناة اخبارية..دسمة.
يدهشك في هؤلاء الناس غريزة الحياة التي يحقنون بها وجدانهم وعيشهم وسير الحياة في شوارعهم ومحالهم وتباعا في قرى جنوبهم. من قال أنهم هجّروا ؟ فالأسواق عامرة والمارة والمتنزهون كثر, السيارات لاتدع مجالا للسير مناورة أو على هدي كيفك. جلنا في "بئر العبد" و"حارة حريك ووجدنا الناس هناك خليّة حركة وانشغال, فمهرجان "النصر" غدا والوقت يمر. في هذه الأثناء كنا شاهدين على وقوع ازالة ورش الترميم لاحدى البنايات التي هوت على الأرض مطمئنة الى أن نهايتها كان بداية لحياة – بناية – جديدة وأنه تم على أيدي أصحابها.
.حتى ليلا و عند عبور جادة "السيد هادي نصر الله" كانت الحياة وتائر تشتد اتّساقا وترابطا, المطاعم تعج بطلاب ملذات الأكل, ومحلات الألبسة المتنوعة مشرعة أضواءها للزبائن..على جنبات هذا الشارع الطويل في تحد لما خلفه قصف العدو, والعبرة في ما نحتضن هذه الجنبات من بيوت وأحياء وأزقة, تنظر اليها وكأن العدو قد عضّها عضا..وواقع الحال أن ندبات العض تشفى وزائلة.
أخذنا "عباس" في جولة بسيارته, ألهانا حديثه عن التمعّن في مانرى من صور حرب انتهت وصمود باق : قالت لي زوجتي يعد عودتها من الشام عند انتهاء الحرب أن ما فعله أهل سوريا معنا شيء فائق للدهشة..رجل استضاف أسرة من الجنوب كان يغدق عليها أطايب الأطعمة والرعاية ويعطي الأطفال مصروف جيب كالذي يعطيه لأبنائه..أسرة دمشقية سحبت عائلة من أهالي الضاحية وأسكنتهم في منزل في منطقة "أبورمانة"!!..نحن وكما قال "السيّد" فخورون بعلاقتنا معكم.
تسمع هذا الكلام بينما تمر بحفرة مهولة كانت بناء "مجلس الشورى", ومساحة كبيرة مسطحة ومشحّرة بالأسود كان قائما عليها مبنى "الأمانة العامة"..ويتلبع عباس: نحن بانتظار الغد ليطل علينا..صار لنا زمنا لم نره بأم العين. ونجيبه بأنه قبل أن يطل المهم هو سلامته, فيجيب بلهجة واثقة ومقللة من مخاوفنا: لاتخف لاأحد يجرؤ.."الشباب" لهم بالمرصاد..ففي الضاحية "مبرك" الجمل هذه الليلة..والى الغد.
الجمل
إضافة تعليق جديد