السلطة السورية والمعارضة: للحوار مسؤوليات مشتركة
خطت المعارضة الداخلية في سوريا خطوة إضافية على طريق تنظيم صفوفها، وتوحيد لغتها لمخاطبة السلطة. وإذا كانت المعارضة انتقدت السلطة بشدة، إلا أنها حملتها في الوقت ذاته مسؤولية قيادة التغيير السياسي عبر تطبيق سلسلة من الإجراءات، التي تفسح المجال أمام مشاركتها كمعارضة في الحوار الوطني، ولا سيما في جلسته الاستشارية الأولى المقررة في 10 تموز الحالي.
وقالت مصادر مقربة من هيئة الحوار أن الدعوات ستوجه لشخصيات المعارضة الحزبية باعتبارها «أحزاب معارضة لا شخصيات مستقلة» في اعتراف بالمعارضة للمرة الأولى في تاريخها. كما أن التوجه يسير وفق المعطيات المتوافرة لعقد اجتماع ينتهي إلى اقتراح إقرار قوانين بالإجماع، بينها قوانين الإعلام والانتخابات والأحزاب، ما يعني أن هذه القوانين يمكن أن تكون فعالة قبل نهاية الشهر الحالي. وأيضا يضع اللقاء على جدول أعماله التعديلات الدستورية قيد النقاش، وبينها المادة الثامنة، وسبل إقرار هذه التعديلات بما يعنيه ذلك من ضرورة انعقاد مجلس الشعب لإقرارها.
وترغب السلطة في مشاركة أكبر عدد ممكن من ممثلي المعارضة في الاجتماع «باعتبارها شريكة ومسؤولة»، وذلك في سياق التأكيد على أن «لا عودة إلى الوراء والإصلاح مستمر أيا كانت العوائق» وذلك استنادا لقناعة تامة «بالإصلاح وضرورته الوطنية».
وليس واضحا بعد إن كانت الدولة تستعد لإطلاق مبادرة جديدة تسمح بتليين موقف المعارضة من الحوار، إلا أن ثمة من يعتقد أن على المعارضة أن تأخذ بالاعتبار «الوقائع التي على الأرض» في إشارة على ما يبدو لموازين القوى الفعلية، خصوصا أن رموز المعارضة يقرون بأنهم لا يمثلون الشارع بل ينتمون له، الأمر الذي دفع بالمصادر للتساؤل «من يقود من؟ الشارع يقود أحزاب المعارضة أم العكس؟» على اعتبار أن «المعارضة هي التي يجب أن تقود الشارع لا أن تكون منقادة وراء مواقفه».
وأمس اتفقت مجموعة من الأحزاب والشخصيات المستقلة، بعد أسبوعين تقريبا من الحوار، على إطلاق «هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديموقراطي في سوريا»، عبر إعلان وثيقة سياسية إضافة لوثيقة «عهد وطني» أكدت فيه الهيئة على «التكامل والتفاعل مع انتفاضة الشعب السوري السلمية في سبيل الحرية والكرامة وإقامة الدولة الديموقراطية الوطنية الحديثة».
وتضم «هيئة التنسيق الوطني» التي أعلنت عنها «قوى التغيير الوطني الديموقراطي» المحامي حسن عبد العظيم كمنسق عام والناشر حسين العودات نائبا له، والأستاذ الجامعي برهان غليون نائبا للمنسق العام في المهجر. وكذلك ضمت شخصيات من امثال الكتاب فايز سارة وميشال كيلو وعارف دليلة، وعن «الحركة الكردية للتغيير» جمال ملا محمود الكردي ومحمد موسى وصالح مسلم محمد، وكذلك بسام الملك وهو عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق.
وحدد بيانها السياسي «سبل الخروج من الأزمة» التي تشهدها سوريا، والذي وضع كل أطر التغيير تحت مظلة الدولة الحالية مقترحا «عقد مؤتمر وطني عام وشامل لإطلاق حوار جاد ومسؤول». وحددت الهيئة شروط توفير البيئة له بثمانية بينها «وقف الخيار الأمني العسكري الذي يتجلى قتلا واعتقالا وحصارا من قبل الأجهزة الأمنية»، و«الإفراج عن جميع الموقوفين منذ انطلاق الانتفاضة وعن جميع المعتقلين السياسيين»، و«تشكيل لجنة تحقيق مستقلة من القضاة والمحامين النزيهين للتحقيق ومحاسبة المسؤولين عن القتل وإطلاق النار على المتظاهرين»، و«رفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية فعليا وليس على الورق فقط، وعدم تقييد الحياة العامة بقوانين أخرى تقوم بالوظائف السابقة ذاتها لقانون الطوارئ كالقانون 49 لعام1980»، و«الاعتراف بحق التظاهر السلمي» و«الإقرار بضرورة إلغاء المادة الثامنة من الدستور».
كما دعت الهيئة إلى عقد مؤتمر وطني عام بهدف وضع برنامج متكامل وجدول زمني لتغيير سياسي ودستوري شامل عبر مجموعة متكاملة من المداخل والتحديدات التي تناط مهام القيام بها إلى حكومة انتقالية مؤقتة، تعمل على دعوة هيئة وطنية تأسيسية من أجل وضع مشروع دستور لنظام برلماني يرسي عقدا اجتماعيا جديدا يرشد مهام وصلاحيات رئيس الجمهورية ويحدد عدد الدورات الرئاسية والفصل بين السلطات الثلاث على أن يعرض هذا المشروع للاستفتاء العام لإقراره.
كما نص البيان أن «الوجود القومي الكردي في سوريا جزء أساسي وتاريخي من النسيج الوطني السوري، الأمر الذي يقضي بإيجاد حل ديموقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد أرضا وشعبا». وشدد على ضرورة «إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وإعادة تأهيلها، كي لا تكون أجهزة فوق القانون ومصدرا للانتهاك المستمر لحقوق المواطن والمجتمع». وأكد «أن حق حزب البعث في ممارسة دوره السياسي في الحياة العامة مصان على قدم المساواة مع الأحزاب الأخرى».
وتضم الهيئة حزب التجمع الوطني (خمسة أحزاب أربعة منها في الهيئة) وأحزاب الحركة الوطنية الكردية وعددها 11 حزبا، والتجمع اليساري (5 أحزاب) وشخصيات من الخارج كبرهان غليون وهيثم مناع وحسن السقا بالإضافة إلى الشخصيات المستقلة التي ذكرت سابقا. وتبقي الورقة على باب الانتساب مفتوحا، ومن بينها باب «المنتسبين الشباب» الذي بقي فارغا بانتظار اتفاق «التنسيقيات على بلورة هيئتهم للانضمام»وفقا لما قال عبد العظيم لـ«السفير» وذلك على أساس إعطائهم ما يوازي ثقل الثلث في الهيئة.
ورحب البيان بانضمام جماعة الإخوان المسلمين السوريين إلى الهيئة، فيما أكد عضو الهيئة عبد العزيز الخير في رده على سؤال حول إمكانية انضمام نائبي الرئيس السوري السابقين عبد الحليم خدام ورفعت الأسد إلى هيئة التنسيق الوطنية أن «الهيئة ترحب بكل منتسب، شرط ألا تكون يداه ملوثتين بالدم أو الفساد أو مد اليد للخارج». كما انتقد عبد العظيم من يتصلون بوسائل الإعلام الإسرائيلية، مشيرا إلى أن المعارضة الداخلية ترفض «محاولة الاتصال مع قنوات إسرائيلية لتسويق أننا على استعداد للتقرب من إسرائيل بهدف إقناع أميركا بدعم المعارضة».
وأشار عبد العظيم إلى أن «كوادر الأحزاب السياسية المنضوية في هيئة التنسيق الوطني هي جزء فاعل وأساسي من الحراك الشعبي والانتفاضة».
وحول دعوة الحوار التي أطلقتها الحكومة السورية قال عبد العظيم «كل ما يجري حتى اليوم هو تغطية للحلول الأمنية والعسكرية والاعتقالات وإيحاء للخارج، الإقليمي والدولي، أنهم يحاورون المعارضة».
وكان المؤتمر بدأ بدقيقة صمت «على شهداء الانتفاضة الشعبية». وحين سألنا إن كان هذا يعني موقفا من الذين استشهدوا من العسكريين، أوضح عبد العظيم أن «شهداء الانتفاضة يقصد بهم المدنيون والعسكريون وذلك في ما عدا الذين كانوا مسؤولين عن العنف».
من جهة أخرى، قال موقع «الاقتصادي» إن شخصيات «مستقلة» تنوي تنظيم مؤتمر جديد في فندق «سميراميس» الأحد المقبل يناقش آليات الانتقال السلمي إلى الدولة الديموقراطية المدنية. ومن بين شخصياته الاقتصادي حسين العماش وعضو مجلس الشعب محمد حبش وآخرون.
إلى ذلك، أعلن وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو أنه سيزور سوريا في إطار جولة له في الشرق الأوسط نهاية الاسبوع. ونقلت وكالة «الأناضول» عن داود أوغلو تشديده على ضرورة ان تعلن قيادة الاسد «في أسرع وقت جدولا زمنيا للاصلاحات» التي ستضع حدا للاحتجاجات. وأضاف «نتقاسم وسوريا مستقبلا واحدا. المهم هو ان يعد الشعب السوري مستقبله بفضل رؤية اصلاحية تقدمها له قيادته».
وقال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، في طهران، إن «الأميركيين يحاولون من خلال استنساخ أحداث مصر وتونس واليمن وليبيا في سوريا إيجاد المشاكل لهذا البلد لاصطفافه في جبهة المقاومة، ولكن طبيعة أحداث سوريا تختلف عن طبيعة الأحداث في باقي دول المنطقة». وأضاف إن «جوهر الصحوة الإسلامية في دول المنطقة يكمن في تصديها للصهيونية وأميركا، ولكن في أحداث سوريا فإن أيادي اميركا وإسرائيل قد انكشفت، ومنطق ومعيار الشعب الإيراني هو أن أي حركة ترفع شعارا لصالح أميركا والصهيونية هي حركة منحرفة».
وأكد حلف شمال الأطلسي عدم نيته التدخل العسكري في سوريا. وقال الأمين العام للحلف أندرس فوغ راسموسن، في فيينا، إن «الحلف لا ينوي التدخل في سوريا كما فعل في ليبيا». وأضاف أن «الحلف يتحرك في ليبيا بموجب تفويض من الأمم المتحدة، وفي ظل دعم من دول المنطقة»، مشيرا إلى أن «الظروف ليست مشابهة حتى يقوم الحلف بالتدخل في سوريا».
وفي واشنطن، قال النائب الأميركي دينيس كوسينيتش ان الأسد وعده، خلال لقائه به الاثنين الماضي في دمشق، بأنه «سيسحب قواته من المدن» التي تتواصل فيها التظاهرات ضد النظام. وأوضح، في بيان، «دعوت الرئيس الاسد الى سحب قواته من المدن. واكد لي انه سيفعل، واليوم علمنا للتو انه بدأ القيام بذلك». وأوضح انه التقى ايضا افرادا من الشعب السوري يعتقدون ان طرد الاسد من السلطة من دون ان نعرف مسبقا من سيحل محله قد «يجعل الامور اكثر خطورة بكثير»، ويريد هؤلاء ان يقوم الرئيس «بتطبيق الاصلاحات» التي يطالب بها الناشطون المؤيدون للديموقراطية.
وأشار كوسينيتش الى ان الاسد قال له ولاعضاء في المعارضة «انه يستعد للقيام بذلك ليس بهدف البقاء في السلطة بل لوضع سوريا على الطريق الطبيعية للتقدم والتطور».
وكانت الولايات المتحدة أعلنت أول من امس عقوبات ضد أجهزة الامن السورية «لقمعها العنيف للتظاهرات». وهذه العقوبات، التي اعلنتها وزارة الخزانة، تقضي بتجميد اصول هذه الاجهزة التي يمكن ان تكون تملكها في الولايات المتحدة وتحظر على كل شركة او مواطن اميركي التعامل التجاري معها. وشملت العقوبات كذلك قائد قوات انفاذ القانون في ايران اسماعيل احمدي مقدم ونائبه احمد رضا ردان لمساعدتهما سوريا.
وفشلت دعوة المعارضين إلى «انتفاضة مليونية في حلب»، حيث أعلن رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان عبد الكريم الريحاوي عن «تظاهرات ضمت المئات في حي صلاح الدين وسيف الدولة وباب الفرج وبستان القصر والمشارقة والشعار والفيض والاعظمية والقصر العدلي». وقال «إن بعض التظاهرات سرعان ما تحولت في بعض المناطق إلى مظاهر تأييد» للنظام السوري.
وذكرت وكالة (سانا) أن «ساحة سعد الله الجابري في مدينة حلب شهدت مسيرة حاشدة تأييدا لمسيرة الإصلاح ورفضا لمحاولات الفتنة والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد واستنكارا لما تبثه وسائل الإعلام المغرضة من أكاذيب وفبركات إعلامية تضليلية وتحريضية». كما «شهدت مدينة مارع والقرى المحيطة بها في منطقة اعزاز بريف حلب مسيرة شعبية حاشدة تعبيرا عن تأييدها لبرنامج الإصلاح الشامل الذي يقوده الرئيس الأسد».
وأضافت الوكالة «كانت مجموعة من الفعاليات الأهلية والشبابية في حلب نظمت أول من أمس مسيرة بالسيارات، قدر عددها بثلاثة آلاف سيارة، انطلقت من مدينة حلب باتجاه دمشق لتصل شمال الوطن بجنوبه». وقال منظم المسيرة محمد الديري إن «السيارات جابت ساحات حلب وحمص وحماه وأخيرا دمشق لإيصال رسالة مفادها أن شباب حلب يدعم برنامج الإصلاح ويقف جنبا إلى جنب مع كل المحافظات والمناطق رفضا لمحاولات التخريب والقتل وحرق الممتلكات العامة والخاصة باسم الحرية». كما خرجت تظاهرات في مدينة بانياس والقرى المحيطة بها ومدينة صحنايا في ريف دمشق ومدينة نوى في درعا ومدينة الدرباسية في محافظة الحسكة.
وقال الريحاوي لوكالة «فرانس برس» إن «10 أشخاص قتلوا أمس (أول من أمس) بنيران القوات السورية اثر دخول الجيش قرى جديدة في منطقة جبل الزاوية في محافظة ادلب»، فيما نقلت «اسوشييتد برس» عن نشطاء قولهم ان 19 شخصا قتلوا في اليومين الماضيين. وأشار الريحاوي إلى أن «الجيش وسع نطاق عملياته في المنطقة»، موضحا أن «60 دبابة ونحو 100 ناقلة جند خرجت من قرية البارة وانقسمت إلى قسمين اتجه الأول إلى قرية كفر نبل والثاني إلى كنصفرة».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد