إسقاط النظام أم إصلاحه

02-07-2011

إسقاط النظام أم إصلاحه

الجمل ـ عبد الله علي: الثورة التي ما زالت تعبِّر عن نفسها في الشوارع الخلفية لبعض المدن والمناطق، لم تستطع إلى الآن أن تشق لنفسها أتوستراداً عريضاً إلى قلوب السوريين، فتسمَّرت هناك تجترُّ نفسها في لقطات مكررة عن الاحتجاج والرفض والمطالبة بإسقاط النظام. ولم ينتبه القائمون على الثورة أو أنهم لا يريدون الانتباه، على عكس بعض المثقفين المعارضين، بأن شعار إسقاط النظام قد أضرَّ بالثورة أكثر مما أضرَّ بالنظام. لأن رفع لافتة هذا الشعار الضخم ساهم في إظهار الثورة بحجم قد يكون أصغر مما هي عليه في الواقع. كما أن رفع هذا الشعار كان سبباً رئيسياً لامتناع الكثير من السوريين ممن تقتصر مطالبهم على الحرية والإصلاح، عن الانضواء تحت لوائها والانخراط في صفوفها فانتهى بها الأمر إلى أن خسرت دعم هؤلاء، الذي بدوره تم تجييره لمصلحة حزمة الإصلاحات التي طرحتها السلطة. كما أن الثورة (التي تصر على أنها ثورة) لم تستطع بعد ثلاثة أشهر ونيف أن تثبت نسباً صريحاً لها فكثر المدَّعون لأبوتها والمطالبون بتبنَّيها حيث توزعوا بين اتحاد التنسيقيات وائتلاف شباب الثورة والمجلس الثوري والقائد الميداني الشيخ العرعور، الأمر الذي انعكس سلباً على مصداقيتها وقدرتها على التأثير. كما أن محاولة اللعب على وتر الانتماءات العشائرية والطائفية، لجهة تسمية بعض أيام الجمعة على وجه الخصوص، كان بمثابة اللعب بالنار ويبدو أن هذه النار قد أحرقت للثورة عدة أصابع.  إضافة إلى ما سبق فإن المخيال الجمعي للسوريين لا يحتفط بصورة إيجابية عن مفهوم الثورة وينسب الكثير من معاناته المتجذرة في واقعه إلى بعض الثورات التي يضطر إلى تبجيل ذكراها حتى الآن، وهذه نقطة في غاية الأهمية لم تؤخذ بعين الاعتبار عند الإصرار على تسمية الثورة، رغم تأثيرها السلبي على حماسة السوريين تجاه أي تحرك ثوري آخر قد يضطرهم إلى الاحتفال بذكرى ميلاده عقوداً طويلة. وعلينا أن نذكر، أيضاً، أن الثورة حتى بجناحها السلمي، لم تستطع أن تحافظ طويلاً على بعض الأخلاقيات والسلوكيات الإنسانية، إذ يبدو أنها لسبب أو لآخر قد انحرفت في بعض التفاصيل وتبنت شعارات تقوم على شتم الموتى ولعن الأرواح وسب الآباء وإعداد أغانٍ لا تقل بذاءةً عن تلك الشعارات، وإحدى تلك الأغاني استعارت كلمة معمر القذافي الشهيرة "طز" كعنوان لها. ولا يخفى ما تدل عليه هذه الإساءات من إسفاف في مستوى التعاطي، وما تستثيره في نفس المستمعين من مشاعر الاشمئزاز وعدم الاحترام، ولا نستبعد أن ذلك كله لعب دوراً في بقاء الثورة في الشوارع الخلفية، وفي مباعدة المسافة بينها وبين الشوارع العريضة من خارطة الطرق السورية.

***

قد يكون هذا الكلام قاسياً بحق الثورة، لكن عذرنا في ذلك أننا نقوله بعد مرور أكثر من مائة يوم على ظهورها، أي كان لديها فسحة واسعة من الوقت للانتظام والتنظيم والاتساق والتنسيق وتقديم نفسها على الأقل بصورة أكثر وضوحاً وأكثر تعبيراً عن رؤيتها وبرنامجها الثوري الذي تطرحه لمستقبل سورية. أما أن نبقى بعد كل هذا الوقت في جهالة تامة حول نسب الثورة ومنبتها وتفاصيل رؤيتها غير إسقاط النظام، فإنه يدلّ إما على عدم وجود رؤية من الأصل وإما يدل على إرادة إبقاء هذه الرؤية سراً، وفي الحالتين ليس هناك ما يدعو إلى الاطمئنان إليها أو يدفع إلى مجاراتها في طريق نهايته غير معروفة.
ورغم منع وسائل الإعلام العربية والعالمية من مواكبة نشاط الثورة، إلا أن هذه الثورة نالت من التغطية الإعلامية من قبل أشهر المحطات الفضائية وأهم الصحف العربية والأجنبية، ما يتمنى أي تنظيم سياسي لو ينال قسماً ضئيلاً منه فقط. وهذا يطرح تساؤلاً هاماً وهو: كيف استثمر القائمون على الثورة هذه الطاقة الإعلامية التي سخرت لهم؟ لقد رشحوا، كما تدل الوقائع، عدة أشخاص للحديث باسم الثورة وهؤلاء هم عمر إدلبي وعامر الصادق وعبدالله أبا زيد (لجهة تمثيل التنسيقيات) ووحيد صقر (لجهة تمثيل ائتلاف شباب الثورة باعتباره المنسق العام للعلاقات العامة فيه) وكذلك الشيخ عدنان العرعور القائد الميداني كما يلقبه أنصاره، وقد دأب هؤلاء في كل أحاديثهم الإعلامية على تكرار نفس الأسطوانه في كل مرة، الشكوى من القمع الأمني والاعتقالات وفضح الممارسات التي ترتكب بحقهم والتعبير عن معاناتهم واستجرار المشاعر للتعاطف معهم من خلال الإكثار من أحاديث الدم والاغتصاب والتهجير. ومثل هذا التعاطي الإعلامي يثير الكثير من الانتقادات. أولاً- الثورة ليست نزهة، وهم بالتأكيد لم يثوروا ضد السلطة إلا لأنها تمثل بالنسبة لهم ذروة "الشر" وبالتالي يفترض أنهم توقعوا سلفاً مثل هذا القمع الذي يشتكون منه. ثانياً- لم يستغل الناطقون الفرصة لعرض برنامجهم الثوري وإقناع الشعب السوري بقدرة هذا البرنامج على الانتقال به من حالة إلى حالة، بل اكتفوا كما قلنا باجترار الخطاب البكائي نفسه، متغافلين عن أن مثل هذا الخطاب يثير مشاعر الشفقة أكثر مما يثير دوافع الثورة. ثالثاً- وهذا الانتقاد وجهه المفكر برهان غليون في رسالته إلى الثورة، حيث لم تستطع الثورة خلق خطاب إعلامي خاص بها، ولم تستطع رغم توفر إمكانية ذلك، أن تتمايز عن بعض الأصوات التي تدعي أنها تتحدث باسم الثورة من خارج التنسيقيات، مما أثار ضباباً كثيفاً حول حقيقة تمثيل هذه التنسيقيات للثورة، وأكد  الشبهات في أن الممثل الحقيقي للثورة قد يكون في مكان آخر، على قناة وصال مثلاً، خاصة بعد الصفعة التي وجهها الشيخ العرعور إلى اتحاد التنسيقيات وغيره من التشكيلات الثورية التي ظهرت على صفحات الفايس بوك مؤخراً، عندما نفى أن يكون لأيٍّ منها أي صفة في تمثيل الثورة، وقد حمل الشيخ عليهم بشدة بسبب ادعائهم هذا التمثيل ، بينما لم يصدر من قبلهم أي رد على هذا الكلام. مما يثير سؤالاً خطيراً من يعمل في ظل من؟

***

باعتقادي، أن الثورة فوتت على نفسها فرصة كبيرة، عندما طرحت شعار إسقاط النظام. فلا هي تستطيع تحقيق هذا الشعار كما تدلنا على ذلك مجريات الأمور وحجم الدعم الشعبي المحدود لها، ومن جهة أخرى ليس بإمكانها التراجع عن الشعار السابق بعد أن رفعته طويلاً لأن مصداقيتها عندئذ ستفقد كل رصيدها، قد يكون الاحتمال الثاني وارداً في أذهان البعض رغم أنني أرى إمكانية ذلك وعقلانيته أيضاً، بل وأعتقد أن من شأنه أن يعطي الثورة زخماً جديداً ودعماً شعبياً أوسع مما تحظى به حالياً، لأن أغلبية السوريين هم طلاب إصلاح وليسوا طلاب إسقاط، ولا ننسى أن السلطة استطاعت أن تحشد الملايين في الشارع دعماً لبرنامجها الإصلاحي.
لذلك فإن الخيار العقلاني للثورة بعد أن وصلت إلى هذا المأزق هو أن تتراجع دون تردد عن شعار إسقاط النظام، وأن تكثف جهودها على صعيد تحقيق إصلاح حقيقي وشامل يكون من شأنه الانتقال إلى نظام وطني ديمقراطي. وغير ذلك أي الإصرار على شعار الإسقاط سيكون من شأنه خلق الفوضى في سائر أنحاء البلاد، إضافة إلى عدم تشجيع السلطة على التقدم على طريق الإصلاح بحجة تلك الفوضى. وأخشى ما أخشاه أن نخرج من كل ما يحدث الآن بحفنة من الفوضى فقط.

التعليقات

فقط نقطة عالسّريع أخ عبدلله، شرط الدّعم الإعلامي الخارجي المهول، كان رفع شعار إسقاط النّظام، الدعم الخارجي وخصوصا الإعلامي منه كان مشروط ومازال، يعني ليس بيد أي سوري التراجع عن شعار إسقاط النظام، هذا أمر يتم تحديده في الدّوحة واسطنبول وباريس وواشنطن و تل أبيب، هؤلاء ركبوا مطالب مشروعة ليس بهدف تحقيقها، بل بهدف الضغط على النّظام ومسوامته على ملفّات إقليمية. أخيرا: هذه المعارضة تدعوا لشق الجيش والضغظ على العملة بهدف إسقاط الاقتصاد، أنا لا أفهم كيف يمكن أن تكون هذه الأمور جزءا من مطالب شعبية وطنية؟ التهليل لإدانة سوريا بمجلس الأمن، الفرح والغبطة بالقرار الاتهامي بمقتل الحريري؟ سلوك منفّر، بيعطي انطباع أن هؤلاء لم يخرجوا من أجل مطالب، بل أنّهم أدوات بأيدي من لا يريد خيرا لهذا البلد وهذا الشعب.

لكن فقط ملاحظة بسيطة جدا هل الدكتور برهان غليون يختلف بخطابه عما وصفته انتبه الى كلامه هو واحد ونفس العبارات يرددها على كل المحطات بالاضافة الى مشاعر الكره والحقد التي تتطاير من وجهه ومن نبرة صوته ولا استطيع تشبييهه سوى بجلبي سوريا يريد ان ياتينا على ظهر دبابة يريد ان يتربع على كرسي الحكم ولا يمكن ان يقنعني احد بنزاهة توجهه لان المكتوب مبين من عنوانه هذا ما قراته في كل مرة ارى فيها السيد برهان غليون

هلأ معارضة الداخل عم يتذاكو !! عارفين نقاط ضعفهم وعم يحاولو يحصلو على ضمان رفع الامن حتى يجربو يسحبو الشارع الصامت .. مش بهدف الوصول لحل مع السلطة بل لمكاسب مرحلية فقط ! لسه عندهم امل انهم يئدرو يكسبو الشارع ويغطو على كل افعال وجرائم وطائفية الثوار بالايام الماضية؟ مابعرف عم اتسائل لوين رايحين بها البلد؟؟

لو ان هذه المعارضة داخلية وشريفة وتريد الإصلاح لكانت بنت على جملة القرارات الإصلاحية التي أصدرها الرئيس الأسد ودعمت عملية تنفيذها وتطبيقها على أرض الواقع من أجل بناء ذاتها السياسي وتنظيم نفسها بأحزاب معروفة الهوية والنسب والبرنامج وكانت بذلك سوف تستميل الشارع السوري . إن شعار إسقاط النظام هو من أسوء الشعارات التي رفعت ليس في سوريا فقط وإنما في كل الثورات العربية لأن إسقاط النظام لايعني إسقاط الرئاسة فحسب بل التخلي عن كل ماينظم الحياة في المجتمع لأن النظام ماهو إلا جملة القوانين والأنظمة التي تنظم العلاقة بين الشعب بعضه ببعض ومع الدولة أيضا لذلك كان سقوط نظام مبارك وبن علي الغير مئسوف عليهم بديله الفوضى وانتشار أعمال العنف حتى يومنا هذا . وفي سوريا إن كان بديل النظام الحالي مجهول فإن اسقاطه سوف يدخل البلاد في حالة من الفوضى التي يعرف معظم السوريين سببها وهذه الفوضى سوف يكون مداها الزمني طويل وطويل جدا وقد توصلنا إلى خسارة هذا البلد الغالي علينا سوريا . 

في البداية، نختلف معك في الشكل من حيث تسمية ما يحدث بـ"الثورة". ونحن وأنتم والجميع يعلم معنى كلمة ثورة، وفي وجه من تقوم الثورات، ومن يقوم بالثورات. أما بخصوص شعاراتهم ودعمهم وما إلى ذلك من تفاصيل، فالمثل المشهور أبلغ من كل كلام: "ما بني على باطل فهو باطل"، وعطار "تصحيح المسارات" لن يصلح ما أفسد الدهر. فالذين خرجوا بشعارات (عالتابوت وعلى بيروت)، (يا *** يا كفار، عرفنا انكم مع بشار)، وغيرها من هذه الشعارات، لا يستطيع أن يبرهن بأي حال من الأحوال على حسن نيته وغير ذلك. وحتى أؤكد على كلامي، دعني أسلك سؤالاً كاتبنا العزيز: هل تستطيع إسرائيل إذا تبنت شعار (دولتان للفلسطينيين والإسرائيليين) أن تقنعنا بحسن نياتها؟؟ بل وحتى إذا رفعت شعار (إزالة المستوطنات)، فهل يبرئها ذلك من دماء الشهداء التي سفحتها على مدى أكثر من 60 عاماً؟ بالعودة إلى "الفورة" السورية، وتغيير شعارها وما إلى ذلك من طرق "لتبرئة" غالبية من هم على الأرض والذين يأتمرون بأمر العرعور. أرجو متابعة الفيديو التالي: http://www.facebook.com/video/video.php?v=164201806986040&oid=107868985945631 وبعدها أخبرني، كيف ستشرح لوالدة هذا الشاب، أو لوالدة نضال جنود أن الـ"حوش" الذين قتلوا أولادهما قد عادوا إلى رشدهم ولم يعودوا يريدون إسقاط النظام، بل أصبحوا يريدون الإصلاح في سورية؟؟؟ أتمنى أن تفكر في الموضوع ملياً، لو كان أحد هذين الشابين أخاك، وأقنعني بتصديقك لحسن نياتهم في يوم من الأيام.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...