ردود فعل واسعة على المجزرة التركية ضد الأكراد
فرضت الغارة التي شنها سلاح الجو التركي على منطقة أولوديري في محافظة سيرناك قرب الحدود العراقية، والتي ذهب ضحيتها أكثر من 35 قرويا مدنيا كرديا، نفسها حدثا أولَ في الانشغال الرسمي والشعبي التركي، بعدما كانت الأنظار متجهة إلى التوتر مع فرنسا، وتقييمات المعنيين بالعام 2011 تركياً على جميع الأصعدة.
وأوقعت الغارة حزب العدالة والتنمية في حرج كبير على اعتبار أنها وقعت في سياق الخضوع الكامل للقوات المسلحة للسلطة السياسية، بعدما كان يقال سابقا إن الجيش يقوم بعمليات «خاطئة» لإضعاف الحكومة.
فالغارة «القاتلة» غير المسبوقة جاءت في ذروة حملة الحكومة على حزب العمال الكردستاني، حيث العمليات العسكرية مفتوحة وتنشر رئاسة الأركان يومياً معلومات عن «نجاح» العمليات وسقوط العشرات من مقاتلي «الكردستاني».
وبموازاة الحملة العسكرية تشن الحكومة التركية أوسع حملة اعتقالات في صفوف المؤيدين لحزب العمال الكردستاني أو الذين ينتقدون سياسات الحكومة، حيث باتت صورة تركيا في وسائل الإعلام الغربية تحديدا تلك المنتهكة والقامعة للحريات، حيث يتجاوز عدد المعتقلين السياسيين بتهمة دعم «الإرهاب» الثلاثة آلاف معتقل، من بينهم مثقفون وسينمائيون وأساتذة جامعات وغيرهم.
وقد لوحظ أن حزب العدالة والتنمية قد وضع الآن في الواجهة ولم يعد ممكناً أن توضع الكرة في ملعب الجيش. ولذلك كانت ردة فعل نائب رئيس الحكومة حسين تشيليك أن الحادثة كانت «حادثة عمليات» على غرار «حادثة مرور» بالنسبة للسيارات.
وركّزت معظم الصحف الموالية لحزب العدالة والتنمية على أن الحادثة كانت نتيجة خطأ ولم تكن مقصودة، لإبعاد شبح المساءلة كما عن الحكومة كذلك عن وزير الدفاع تحديدا. وعلى هذا جاءت عناوين هذه الصحف انطلاقا من هذا «الخطأ» في سياق تبريره وبالتالي عدم التراجع عن سياسات تصفية «الكردستاني» والمسألة الكردية التي وصفها رئيس حزب السلام والديموقراطية صلاح الدين ديميرطاش بأنها «إبادة».
فصحيفة «ستار» عنونت صفحتها الأولى أمس بـ«الخطأ القاهر»، و«يني شفق»، «الخطأ المميت»، و«تركيا» «التوقيت الخاطئ»، و«زمان»، «الاستخبارات المميتة». فيما جاءت عناوين بعض الصحف الأخرى على الشكل الآتي: الدولة تقصف الشعب (طرف)، الطائرات تضرب المدنيين (جمهورييت)، مجزرة أولو ديري (بركون)، قنبلة على 35 مدنيا (ميللييت)، الطائرات من دون طيار تقتل 33 مدنيا (راديكال).
وقد وجّه ديميرطاش اتهاما مباشرا إلى الجيش التركي بأنه تقصّد ضرب المدنيين الذين كانوا يهرّبون المازوت والدخان عبر الحدود، بقوله إن هؤلاء القرويين وهم من عشيرة واحدة كانوا عائدين إلى منازلهم عندما استوقفهم مخفر للجنود الأتراك وطلب منهم سلوك طريق أخرى غير التي اعتادوا سلوكها، وعندما فعلوا ذلك جاءت الطائرات العسكرية بعد وقت قصير وقصفتهم محدثة «مجزرة علنية». وطالب بتحقيق دولي.
وقال النائب الكردي سري ثريا اوندير «إن الذهنية التي تعتبر أن معاملة الشرطة السيئة للناس في سوريا هي سبب للتدخل في شؤونها الداخلية، هي نفسها التي تقتل بطائرات حربية أولادها وترتكب مجزرة وتبيد المدنيين». وأضاف «إن هذه المجزرة تعني الدعوى للعصيان».
ووصف زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار اوغلو تركيا بأنها أصبحت ألعوبة بيد الاستخبارات الأجنبية منتقدا بشدة بيان رئاسة الأركان الذي قال إن القصف تم بناء على معلومات استخباراتية. وتساءل «من أين أتت هذا المعلومات؟ هذا ما يجب التحقيق فيه». وقال «كيف يمكن لبلد يعيش فوضى استخباراتية أن يكون زعيما في الشرق الأوسط؟ لقد تحولنا إلى أداة وألعوبة بيد الاستخبارات الأجنبية».
وانتقد كيليتشدار اوغلو أيضا وزير الداخلية إدريس شاهين الذي اتهم الرسامين والشعراء بإنتاج «الإرهاب». وقال «إن وزير الداخلية فاجعة أخرى. حتى موسوليني لم يكن يفكر بهذه الطريقة. حتى هتلر لم يكن يقول مثل هذا الكلام. دلوني على بلد معاصر يتحدث فيه وزير بهذه الطريقة ويبقى ساعتين في موقعه».
ووصف أحمد حاقان في صحيفة «حرييت» تعامل الحكومة مع المجزرة بـ«الخفة». وتساءل عما إذا كانت الحكومة ستتهم من جديد منظمة «ارغينيكون» بالعملية أم ستستهدف بعض مراكز الجيش بالقول إنها لم تكن على قدر المسؤولية.
وفي «ميللييت» كتب ديريا سازاق واصفا المجزرة بأنها «فاجعة هيرون» وهي الطائرات من دون طيار التي تستخدمها تركيا واشترتها من إسرائيل. وقال إنها حالة تشبه ما يحصل في أفغانستان وباكستان من حالات قصف المدنيين عن طريق الخطأ كما يقال.
وقال الكاتب إن وزير الدفاع عصمت يلماز يقول إن مقاتلي حزب العمال الكردستاني غيروا من استراتيجيتهم هذا الشتاء ولن ينسحبوا إلى شمال العراق، وقد عرضت شاشات التلفزة خطة الحكومة بأنها لا تريد قتل المسلحين الأكراد بل استسلامهم أحياء. وعقّب على كلام يلماز بأن مجزرة أولو ديري ومقتل 35 قرويا تكذّب وزير الدفاع.
وفي صحيفة «راديكال» وصف اورال تشاليشلار ما جرى بأنه «جريمة ثقيلة ضد الإنسانية». وقال انه من بيان رئاسة الأركان ومما رواه القرويون الناجون «فإننا أمام جريمة ثقيلة ضد الإنسانية وأمام فاجعة إنسانية». وأضاف انه حتى لو كان هؤلاء المدنيون مهربين فهم في النهاية مدنيون ولا يحق للطائرات العسكرية أن تصفّيهم مثلما أنفذ في العام 1943 الضابط مصطفى موغلالي 33 رصاصة في رؤوس 33 كرديا مدنيا في منطقة فان. مع فارق أن الشاعر احمد عارف قد أرخ لتلك الحادثة بقصيدة بعنوان «33 رصاصة» فيما اليوم ليس هناك أحمد عارف جديد.
وانتقد علي بيرم اوغلو في «يني شفق» بيان رئاسة الأركان. وقال انه يعني أن الطائرات تقصف كل شيء يتحرك. وأضاف «إن هذا جوهر التدابير التي تتخذ ضد الأكراد لضمان الهدوء. منذ الشيخ سعيد إلى أحداث ديرسيم وآغري والى التسعينيات: محو الإنسانية، القمع والقتل. وهذا عنوانه اليوم: العجز في السياسة والتسليم للسلاح». وتابع «إن الجيش يقصف شعبه».
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد